مجزرة نازحي جبل رأس جرحٌ جديدٌ في ضمير الشعب اليمني .. بقلم/ أ. د/ عبدالعزيز صالح بن حبتور*
من المحزن والمبكي معاً أن الكثيرَ من المتابعين والمشاهدين من الرأي العام المحلي والعربي ناهيكم عن الأجنبي لم يعد بذلك الاهتمام والحرص على مشاهدة وتقييم المشهد الدراماتيكي الخطير لنتائج العدوان وطيرانه وبوارجه الحربية في الساحل الغربي من اليمن، عدا ذوي الشأن والاختصاص فحسب.
فالمشهد مؤلم وصادم أن تشاهد صور القتلى وتناثر أشلاء الأحياء منهم في جريمة مروّعة جديدة متجددةٍ راح ضحيتها كحصيلة أولية قرابة 49 بين شهيد وجريح جراء تلك الغارة الغادرة من طيران العدوان على حافلتين مدنيتين تقلان مواطنين نازحين عُزَّل، يغادرون قراهم ومساكنهم الواقعة تحت نيران مدفعية وطيران وبوارج دول العدوان السعوديّ والإماراتي.
حدثت الجريمة في يوم السبت الموافق 13 أكتوبر 2018م، (مجزرة نازحي جبل رأس بالحديدة)، نسجلها للتأريخ كحلقةٍ جديدةٍ من سلسلة جرائم دول العدوان المتواصلة منذ أن بدأت عدوانها في العام 2015م وحتى لحظة كتابة المقال.
تُرتكب هذه الجريمة الجديدة المروّعة وشعبنا اليمني يحتفي ويحتفل بالذكرى الخامسة والخمسين لثورة الـ 14 أكتوبر1963م.
قد يقول قائل مِمَّن تغافلوا عن مشاهدة الأحداث المؤلمة بأن حربَكم في اليمن قد طال مداه وتكرّرت ألوان صور الدم الذي سال كثيراً في العديد من الصحارى والهضاب والسواحل اليمنية؛ ولهذا فقد تعب المشاهد العربي من المراقبة والمشاهدة اليومية، وكأنه يتابع مسلسلاً درامياً شبه يومي. نعم ربما ما يقولونه صحيحاً، لكن نود أن نقول للعالم أجمع بأن ما يحدث من عدوان واحتلال لجزء غالٍ من وطننا هو قدرنا ومصيرنا وبأننا ندافع عن تراب الوطن المقدَّس، وعن شرَف الأمة، وعن كرامة اليمن العظيم.
وعليه وبمنطق الضرورة فإننا نصد العدوان المفروض علينا بإمكانياتنا المتواضعة وبأسلحتنا الخفيفة والمتوسطة وبعزيمتنا الصُلبة التي لم ولن تلين؛ لأنَّ الخيارات أمامنا قد ضاقت علينا وليس لدينا أي خيارٍ آخر سوى الصمود والمقاومة والرد على صلف وعنجهية دول العدوان بكل الأساليب والطرق.
إنني هنا إنما أودُّ تذكير الرأي العام العربي الإسْلَامي بأننا نقوم بواجبنا الوطني تجاه شعبنا وذلك أمر مقدس. لكننا في ذات الوقت لم ننسَ واجباتنا تجاه فلسطين والقدس المبارك والأقصى الشريف في منهجنا التربوي وثقافتنا العروبية ورؤيتنا الفكرية، ولَم نحِد ببوصلتنا النضالية عن معنى وفهم فلسفة العدوّ الصهيوني بأنه هو عدو الأمة العربية والإسْلَامية وسبب متاعبها، ومهما تعاظمت علينا النوائب فلن تجدوا من الشعب اليمني، أفراداً أَوْ جماعاتٍ، إلا الوفاء الصادق لقضيتهم المركزية فلسطين، وسنسهم مع أشقائنا الأحرار في تقاسم النضال والكفاح القومي حتى تحرير كُـلّ فلسطين من البحر إلى النهر. هذا قول فصل، ساهمنا في الماضي البعيد والقريب بأرواح ودماء شهدائنا على الساحتين الفلسطينية والعربية، وما زلنا على استعداد تام لمواصلة تحمل مسؤولياتنا تجاه فلسطين وشعبها العظيم.
لكن دعوني هنا أقتبس من القرآن الكريم آية مقدسة تقدس الحق وقانون الحياة وتذكر كُـلّ مسلم وإنْسَان بأن يقدس الروح البشرية، إذ يوجه الله كُـلّ فردٍ منا، حاكماً أَوْ محكوماً أَوْ عالِمَ دين أَوْ حتى متسولاً، بأن الله حرم القتل نهائياً إلا في ما يتصل بتطبيق القاعدة القانونية الفقهية بأن النفسَ بالنفس ولا شيء سواه:
((مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَل َالنَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا، وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ)) ﴿٣٢﴾ المائدة..
هذه الآية الكريمة أعطت حكماً قاطعاً بتحريم القتل، والعدوان السعوديّ الإماراتي إنما يمارس القتل الجماعي بشكل شبه يومي تقريباً.
إذاً هم بموجب النص القرآني الإلهي مدانون كقتلة محترفين. السؤال العريض الكبير لجميع الجماعات السياسيّة الإسْلَاموية وبجميع المسميات (السلف الصالح، الإخوان المسلمون، الجماعات السنية و”المطاوعة” والدعاة وَ… وَ…).
أين هؤلاء القوم من قيادات وقواعد وهي تشهر من على منابر الجوامع والمساجد والمصليات في العالم كله الخطب التمجيدية للحكام الذين قتلوا وجوعوا وشردوا ملايين المسلمين؟!!.
أين هم مِن الإسْلَام وأحكامه؟!!.
أين صوتُ هذه الجماعات من جرائم آل سعود وارتكابهم القتل اليومي بحق الشعب اليمني الذي ذكره الله في القرآن وأغدق عليه النبي المصطفي محمد عليه الصلاة والسلام بالعديد من الأحاديث النبوية الشريفة؟!!.
ألم يشاهد هؤلاء المسلمون من (الدعاة والمطاوعة والمُحدثين) من على شاشات التلفزة المحلية والعربية والأجنبية مشاهد تمزيق أجساد الأطفال والتلاميذ والطلاب والطالبات والمعلمين والسجناء والمرضى، ومشهد الجياع وهم يتناولون وجباتهم إما من أوراق الشجر أَوْ يستلمون معونات المنظّـمات الدولية والإنْسَانية؟!!.
ألم يشاهدوا صورَ المرضى وهم يتوجعون ألماً في اليمن؟!!.
ألم يتسنَّ لهم قول كلمة هادئة ناصحة لهؤلاء القتلة والمأجورين والمستأجرين كي يتوقفوا عن القتل والتدمير؟ ألم يستطيعوا قول رأي واضح بتحريم قتل اليمانيين من قِبَلِ مَن يدّعون بأنهم خادمو الحرمين الشريفين؟!!.
بطبيعة الحال فإن هذه التساؤلات وغيرها يطرحها المسلمون في جميع بقاع الأرض ويتمنون أن توصلوا صوتكم إلى القتلة كي يكفوا عن الاستمرار في التغول والولوغ في دماء أحباب رسول الله، وهم الشعب اليماني الأصيل الذي لم يعرف التأريخ أنه قد أضر أحداً من الشعوب والدول العربية والإسْلَامية.
اليوم تعاني قيادة المملكة العربية السعوديّة جراء سلوكها السياسيّ غير المنضبط من مخاطر حقيقية بقضية الصحفي السعوديّ جمال الخاشقجي، ومن قرارهم بحصار دولة قطر الشقيقة ومضايقة بقية دول الخليج التي لم تدخل تحت مظلتها. كما تعاني السعوديّة من استفزاز واستخفاف رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب الذي يطالبها علناً بدفع المال مقابل الحماية! كُـلّ ذلك يحدث لها ولا تزال ترتكب الجريمة تلو الأُخْــرَى بحق الشعب اليمني.
الأصل في وضع كهذا أن تتصالح السعوديّة مع شعبها أولاً، وجيرانها ثانياً، ومع محيطها الإقليمي. أما التعلق بحبل النجاة المتمثل في كيان إسرائيل الصهيوني من خلال فكرة التطبيع، فهذا لعَمْري هو الغباء السياسيّ الذي تعاني منه قيادة المملكة العربية السعوديّة الحالية، واللهُ أعلمُ منا جَميعاً.
وفوقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيم..
* رئيس مجلس الوزراء