اعتراف سعودي بقتل خاشقجي برواية فاضحة لم تقنع أحداً
المسيرة: إبراهيم السراجي
اضطر النظام السعوديّ للاعتراف بقتل الصحافي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعوديّة بإسطنبول، قبل دقائقَ من انتهاء مهلة الـ72 ساعة التي حدّدها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو للمملكة لتقديم رواية واضحة بشأن القضية ما لم فستتحَـرّك الولايات المتحدة، وهو ما تسبب بضغط كبير على النظام السعوديّ أَدَّى لخروج رواية فاضحة، لا يستبعد مراقبون أن البيت الأبيض تعمّد خروجها لمزيد من الابتزاز حتى أن ترامب صادق وشكّك في ذات الوقت في الرواية السعوديّة.
في وقت متأخر من ليل الجمعة/ السبت نشرت وكالة الأنباء السعوديّة بياناً مقتضباً للنائب العام يقول إن خاشقجي توفي داخل القنصلية نتيجة شجار تطور إلى اشتباك بالأيدي، فيما تولت الخارجية السعوديّة توضيح أن الاشتباك حصل مع أشخاص كانوا قد أرسلوا للاطلاع على صحة المؤشرات التي تفيد برغبة خاشقجي في العودة إلى المملكة.
تزامن البيان مع أوامر ملكية قضت بإقالة الناطق السابق باسم العدوان على اليمن اللواء أحمد عسيري من منصب نائب رئيس الاستخبارات العامة وسعود القحطاني من منصب المستشار بالديوان الملكي بدرجة وزير وثلاثة ضباط آخرين، قرارات حملت تناقضات كثيرة بالإضَافَة إلى أنها لم تخرج عن التسريبات التي نشرتها صحيفة نيويورك تايمز من بينها أنه كان يجري تجهيز عسيري ليكون كبشَ فداء لتسوية قضية خاشقجي وكان الإعلام السعوديّ قبل الاعتراف بالجريمة ينفيها.
لم يكن من الصعب التوصلُ إلى أن النظام السعوديّ قرّر تقديم بعض موظفيه “كبش فداء” لتبرئة محمد بن سلمان خصوصاً أن الأوامر الملكية التي يعتقد أن الأخير هو الذي أصدرها ونصت على تشكيل لجنة وزارية برئاسته لإعَادَة هيكلة جهاز المخابرات العامة. قرارٌ أعقبه تصريحُ مصدر سعوديّ بأن جهاز المخابرات لديه أوامر دائمة بإعَادَة المعارضين إلى المملكة وأنه تم فهمُها بطريقة عنيفة، وبالتالي يلقي النظام السعوديّ بالمسؤولية على لوائِح المخابرات التي وضعت قبل مجيء الملك سلمان وأن الأخير قرّر هيكلة الجهاز لإصلاح هذه اللوائح.
بيان الخارجية السعوديّة أشار إلى أن “التحقيقات الأولية أظهرت قيامَ المشتبه به بالتوجه إلى إسطنبول لمقابلة المواطن جمال خاشقجي وذلك لظهور مؤشرات تدل على إمكانية عودته للبلاد”، وهو ما أثار جدلاً واسعاً، فهناك من اعتبر أن هذه الإشارة تؤكّدُ التخطيطَ المسبق لقتل خاشقجي وإرسال فريق رسمي لتنفيذ العملية لكن البيان زعم فقط أن الهدف كان إعَادَة خاشقجي.
عقب صدور البيان كان هناك إجماعٌ دولي على أن الرواية التي قدمها النظام السعوديّ “رواية سخيفة” لا يمكن تصديقها، فيما تولت وسائل الإعلام طرحَ الكثيرِ من الأسئلة التهكمية حول الرواية منها لماذا تضمن الفريق الذي أرسل إلى إسطنبول خبيراً في الطب الشرعي وتشريح الجثث وهو “صلاح الطبيقي” ولماذا أحضر الأخير معه منشاراً كهربائياً؟ وكذلك إذَا كان مقتل خاشقجي نتيجة شجار، وبالتالي اتخذ القاتل قرار القتل بشكل شخصي حتى لو كان يحمل صفة رسمية فلماذا تمت إقالة القحطاني وعسيري والضباط الآخرين.
في إطار ردود الأفعال، قال البيت الأبيض الأمريكي: إن الرواية السعوديّة موثوق بها وفي الوقت ذاته قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز في بيان “سيواصل البيت الأبيض متابعة التحقيقات الدولية في الحادث المأساوي عن كثب والدعوة لتحقيق العدالة بشكل ملائم وشفاف ويتفق مع كُــلّ الإجراءات القانونية”.
بيان البيت الأبيض تضمن تصديقاً للرواية السعوديّة وفي الوقت ذاته تشكيكاً بها باعتماد البيت الأبيض على تحقيق دولي، وهو ما فهم على نطاق واسع أن إدارة ترامب تريد أن تفتح فصلاً جديداً من الابتزاز للسعوديّة بشكل يجعلها تحت الضغط للحصول على الأموال وفي نفس الوقت حماية النظام السعوديّ كأحد أفضل العملاء لواشنطن في الشرق الأوسط.
وباستثناء التصديق الجزئي الأمريكي على الرواية السعوديّة وتأييد دول مثل جيبوتي والسلطة الفلسطينية وحكومة الفار هادي والإمارات، فإن الرواية السعوديّة قوبلت بالرفض من قبل الدول الأوروبية والأمم المتحدة وأعضاء الكونجرس الأمريكي.
أعضاء الكونجرس الأمريكي الديمقراطيين والجمهوريين احتفظوا بمواقفهم السابقة قبل الرواية السعوديّة وأضافوا إليها رفضهم تصديق تلك الرواية متمسكين بضرورة فرض عقوبات على المملكة مؤكّدين مسؤوليةَ ولي العهد السعوديّ عن جريمة قتل خاشقجي. وعلى سبيل المثال قال السيناتور الجمهوري ماركو روبيو إن “السعوديّين يغيرون رواياتهم بشأن مقتل خاشقجي بشكل مستمر وأن حديثهم عن مقتله بسبب شجار أمر سخيف لا يمكن تصديقه” فيما قال السناتور الديمقراطي ريتشارد بلومنثال “التفسيرات السعوديّة تتحدى المنطق والمصداقية”.
الأمم المتحدة عبّرت عن انزعاجها من تأكُّد مقتل خاشقجي، داعيةً إلى تحقيق دولي وشككت في الوقت ذاته بالرواية السعوديّة، فيما رفضت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قبولَ الرواية السعوديّة داعيةً إلى تحقيق أكثر شفافية وكذلك فعل رؤساء حكومات ووزراء خارجية دولي مثل النرويج والدنمارك وهولندا.
الاعتراف السعوديّ لم يكن إلا نزولاً عند الضغوط الدولية غير أن التحقيق الرسمي في القضية يعود إلى تركيا التي وقعت الجريمة في أراضيها، وقد أبدت الأخيرة بناء على ما لديها من معلومات تشكيكاً بالرواية السعوديّة واعتبرتها محاولةً لتبرئة العائلة السعوديّة المالكة، ما يعني أن لدى تركيا ما يدين ولي العهد السعوديّ لكنها لم تنتهِ من التحقيق. وقال نائب رئيس حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم إن “الأخبار من السعوديّة تقول إن الجريمة سيتم تحميلُها لبعض الأشخاص في محاولة لتبرئة ساحة العائلة الحاكمة”.
أخيراً، كان النظام السعوديّ يأمل أن يؤديَ اعترافُه بقتل خاشقجي إلى إقفال مِـلَـفّ القضية، غير أن روايتَه الركيكة غير القابلة للتصديق نقلت القضية إلى فصل جديد ستكون تداعياتُه أشدّ مما سبق وستفتح شهية ترامب والدول الغربية للحصول على مزيد من الأموال والمزيد من التنازلات لصالح الكيان الصهيوني، وفقاً لكثير من المراقبين.