المؤمن يأخذ العبرَ والدروسَ من كُلّ حدث ليزدادَ بصيرةً وإيْمَاناً ووعياً
المسيرة| خاص
بيّن الشهيدُ القائدُ سلامُ اللهِ عليه في محاضرة “ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى” حقائقَ ووقائعَ تبين لنا مَن هم أعداؤنا وما هي نفسياتُهم وما الذي يجب علينا القيام به كي نواجهَ مكائدَهم ونُبطِلَ مكرَهم ونصحح ما حرّفوه وزيّفوه كُلّ هذا وفقاً للرؤية القُرْآنية بحيث تزيدنا وعياً وبصيرةً وتجنِّبُنا أن نقعَ في أخطائهم، وتدفعنا إلى إصلاح شؤون حياتنا؛ لنكون أهلاً لنُصرة الحق وإنصافِ المستضعفين.
كل ما فيه حقائق لا شك فيها
ابتدأ الشهيدُ القائدُ محاضرتَه بآية تزيل الشك وتبعَثُ الطمأنينة في النفوس وتمنحُنا الثقةَ المطلقةَ بأن كُلَّ ما جاء في التشريع الإلهي حقائقُ لا شك فيها فقال: الله سبحانه وتعالى يصفُ كتابَه الكريمَ بأنه آيات {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ} (يونس: من الآية1) تكرّرت هذه الكلمة كثيراً في القُرْآن الكريم تصفُ القُرْآنَ الكريمَ بأنه آيات، الآيات معناها: أعلام، معالم، حقائق.. كلما في القُرْآن الكريم هو حقائق لا شك فيها {لا رَيْبَ فِيهِ} (البقرة: من الآية2) لا مرية فيها أبداً.
ويشيرُ الشهيدُ القائدُ إلى أن هناك الكثيرَ من الأحداث والمتغيرات والوقائع تشهَد بصدق ما أخبر الله به، تشهد بالحقائق التي داخل كتاب الله الكريم، ولكن لا يلتفت الإنْسَان إليها، يكون في واقعه معرضاً، لن يبصرَ الأشياءَ الأخرى بالشكل الذي يفيده فيزيده بصيرةً, ويزيده معرفة، ويزيده هدى ونوراً.
وأوضح الشهيد القائد رضوان الله عليه أن: (الإنْسَان المؤمن، الإنْسَان المسلم بمعنى الكلمة هو من يستفيد من كُلّ شيء حوله، من متغيرات الحياة، من الأحداث المتجددة في الحياة، أي حادث في أي بقعة من الدنيا تأكد أن فيه شاهداً، هو شاهد على آية، وفيه عبر كثيرة، ألم تكن تلك الأحداث التي وقعت في الأمم الماضية، ألم يأت القُرْآن الكريم يقصها علينا وعلى النبي نفسه (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ ليقول للجميع: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} (يوسف: من الآية111) لأولي الألباب: الناس الذين هم لديهم لب، أي لا ينظرون إلى الأشياء نظرات سطحية، هم يتفهمون الأشياء، هم يتأملونها وينظرون ما فيها من عبر فيستفيدوا منه).
الاستفادةُ من قصص الأنبياء في القُرْآن الكريم
وفي ذات السياق، أكّد الشهيدُ القائد رضوان الله عليه على أهمية الاستفادة من قصص الأنبياء التي ذكرها الله في القُرْآن الكريم باعتبارها منهجاً نستفيدُ منه في مواجَهة الأحداث والمتغيرات في زمننا، ولأهمية هذه يقول: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} (يوسف: من الآية111) عبرة يعني: دروس كثيرة جداً، والدروس لا يعني فقط هو مجرد المعرفة، لا، عبرة، فيها دروس كثيرة، تعرف من خلالها نفسية أهل الباطل، تعرف من خلالها ما الذي يحول بين الناس وبين أن يؤمنوا، تعرف من خلالها أيضاً لماذا كانوا ينطلقون بجد واجتهاد لمعارضة نبي من أنبياء الله، تعرف من خلالها كيف كان الأنبياء (صلوات الله عليهم) رحماء جداً بالأمم، ومخلصون وناصحون، وهم أيضاً أناس اصطفاهم الله وأكملهم.
وأشار الشهيد القائد إلى التشويه والشائعات التي كانت تقومُ بها الأمم تجاه أنبياء الله، فأي نبي يبعثه الله إلى أي أمة من الأمم كانوا يقولون له أنه ساحر أو مجنون، ذلك الشخص الذي اصطفاه الله وأكمله، ذلك الذي يتقطع قلبه أسفاً وألماً على الناس أن لا يهتدوا، ذلك الذي يبذل وقته كله لهداية الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، يقابل بأن يقال له: مجنون شاعر كذاب مفترٍ ساحر، وإنْ أتى بكتاب من عند الله {قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} (الفرقان:5).
وأضح الشهيد القائد: أن (العبر كثيرة جداً من خلال الأحداث سواء ما قصه الله في القُرْآن الكريم من أخبار الأمم الماضية، أو من الأحداث التي تطرأ في هذه الدنيا، سواء في تأريخنا القريب، تأريخ الأمة هذه الإسلامية، أو في عصرنا الحاضر، وما أكثر الأحداث والمتغيرات في هذا العصر الحاضر).
وهنا يؤكِّدُ الشهيد القائد على أهمية أخذ العبر من حدث، فقال: (إذا أردت أن تكونَ مؤمناً بمعنى الكلمة فخذ العبر من كُلّ حدث تسمع عنه، أو تشاهده حتى في بلدك، حتى في سوقك، حتى داخل بيتك، كُلّ شيء فيه دروس وفيه عبرة، ليزداد الإنْسَان بصيرة، يزداد إيْمَاناً، يزداد وعياً.
والإنْسَان الذي يعرف يزداد إيْمَانه ووعيه، سيجنب نفسه الكثير من المزالق، سيدرك كيف ينبغي أن يعمل؛ لأنه من خلال تأملاته الكثيرة يعرف أن الأشياء أشبه بسنن في هذه الحياة، ولهذا قال الإمام علي (عليه السلام): (العاقل من تدبر العواقب).
دعاة الحق قليلٌ فاعلم ممَّن تأخُذ
ولأن الدنيا مليئةٌ بالإعلام المضلل والدعاية الكاذبة والباطل لديه إمكانيات كبيرة وهائلة يبين الشهيد القائد على ضرورة الاستفادة من الأحداث، وكيف تستطيع أن تتدبر العواقب، أن تعرفَ أن أمراً كهذا تكون عاقبته هكذا إلا من خلال تأملاتك, وتدبرك للقرآن الكريم، ولصفحات هذا الكون في أحداثه المتجددة والكثيرة؟ ولهذا قال الإمام علي (علية السلام) : (العقل حِفْظُ التجارب)، التجارب هي الأحداث سواء تجارب تجريها أنت، أو أحداث تقع في الحياة، هي كلها لا تخرُجُ عن سنن مكتوبة وراء كُلّ عمل من الأعمال، أنه عملٌ ما يجر إلى نتيجة معينة، سواء كانت نتيجة سيئة أو نتيجة حسنة، وإلا فإن “الإنْسَان” سيكون معرضاً للكثير من المزالق.
وأشار الشهيد القائد رضوان الله عليه إلى بعضِ الأمثلة التي ذكرها الله في كتابه الكريم فقال: (اللهُ وبّخ بني إسرائيل في كثير من آياته الكريمة على كثير مما كانوا عليه، منها قوله: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ} (المائدة: من الآية41) سماعون للكذب، أنت قد تسمع الكذب من الشخص تسمعه فتعرف أنه كذب، أو تعرف حتى لو لم تجد الشواهد في نفس الوقت على أنه كذب، تستطيع أن تقطع أن تلك النوعية لا يمكن أن يأتي منها كلام صحيح، فأنت من تقطع بأنه كذب، لم يقل: يسمعون الكذب، {سَمَّاْعُوْنَ} يسمعه ويتأثر به في وقته، وقد ينطلق أيضاً وسيلة لنشره يخدم ذلك الكذب).
وتساءل: هل أنَّ الكذب لا يأتي ما يكشفُهُ؟. ليُجيبَ في نفس اللحظة: (إن الكذبَ في أكثر الحالات يكون هناك ما يكشفه قبل أن يخرُجَ إلى الوجود، تستطيع أن تعرفَ أن مثلَ ذلك الشخص لن يكون صادقاً فيما قال، هو من النوعية التي هي عادة لا تصدق حتى ولو أقسم).