القشة التي قصمت ظهر البعير .. بقلم/ علي القحوم
شهدت المنطقةُ اضطراباتٍ ومشاكلَ لا نهايةَ لها.. وحيكت المؤامراتُ ورفرفت الرايات السوداء وانتشرت ثقافةُ التكفير والذبح والسحل وتقطيع الأوصال في هذه الحقبة الزمنية القصيرة.. وخيّم على المنطقة شبحُ الموت والدمار والخراب والحروب.. وتدحرجت كرةُ النار فشملت ما شملت من دول وشعوب واكتوى بنيرانها الملايينُ ما بين قتيلٍ وجريح ومشرد.. وقبع ملايين تحت وطأة الظلم والإجرام وبين فكي كماشة..
فالأصوات يعلو فوق صوت دعاة الخراب والإجرام ممن جنّدتهم أمريكا لخدمتها.. وتنفيذ مشروعها التآمري على هذه الأمة، وما بين مد وجزر ما كان من الأمريكي والاسرائيلي إلّا المباركة لذلك.. لأنهم أَصْحَـاب المشروع والدعاة له، لا سيما وهناك أدوات قذرة من النظامين السعوديّ والإماراتي وغيرهما تنفّـذ وتدعم وتتبنى وتحت عناوين العروبة والإسلام.. فلا عروبة جسّدت بعد ضياع فلسطين وبيعها في المزاد العالمي.. ولا إسلام حوفظ عليه بعد تدنيس المقدسات وسب نبي الإسلام والإساءة إليه.. فما لم يحفظ لم يصان هذا هو حال العملاء والخونة والمجرمين ومصاصي الدماء.. فهل لهم العبرة، إذْ يعتبرون ممن سبقهم من عملاء في سوق النخاسة والعمالة والإجرام أياً كانوا وإلى أين آلت بهم جرائمهم إلى الهاوية وأية هاوية إلى مزبلة التأريخ.. إنها لَنهاية مؤسفة..
في المقابل تحَـرّكت الشعوبُ المستضعَفةُ صوبَ الحرية والكرامة والاستقلال.. وفي طليعتها الشعب اليمني الذي انتفض على المجرمين والعملاء.. واستمر في ثورته الذي تحَـرّك الأمريكي وأدواته القذرة من السعوديّ والإماراتي في كبح جماحها والحيلولة دون انتصارها.. لكن كانت إرَادَة الشعوب فوق كُــلّ الإرادات واستطاع اليمانيون تخطّي الصعاب وكسر حاجز الصمت والخوف وانتصروا بعون الله..
فما كان للأمريكي وأدواته إلّا أن أعلنوا العدوانَ من واشنطن وظنوها خاطفةً عاصفةً ستعصف بالأحرار.. لكن تفاجأوا بصمود قل نظيره واستبسال فوق الخيال والمتوقع ففشلوا في تحقيق أهدافهم في اليمن.. وها نحن في العام الرابع لم يتحقّـق لهم شيء سوء الخراب والدمار والقتل وارتكاب المجازر الذي يندى لها جبينُ الإنْسَانية..
هناك في المقابل الشعب السوري انتصر على جحافل التكفير والارتزاق وعلى التكالب الدولي الذي سعى إلى تدمير سوريا أرضاً وإنْسَانا.. وفشل المشروع هناك وتساقطت أركانه وفشل ممولوه..
وهناك أَيْـضاً في العراق فشلت المؤامرة وانتصر العراقيون وخابت آمال أمريكا وأدواتها القذرة..
وبالتالي لم يفلحوا في إشعال فتيل الحرب الأهلية والطائفية في لبنان..؛ لأن العدوّ الاسرائيلي أعجز عن أن يشن عليها عدواناً مباشراً.. فلجأوا إلى مثل هذه الأوراق واللعب على المتناقضات السياسيّة والطائفية، عسى ولعل أن تشب نار الفتنة..
كما أنهم بعد فشلهم هذا كله بدأت النار تأكل بعضها البعض وبدأت جبهتُهم تتصدع وتنقسم ويتضح الواقع.. فمن تركيا وما جرى لأردغان من محاولة الانقلاب عليه.. وإلى مصر ومحاولة اللعب بورقة التكفير والاقتصاد.. وإلى قطر واتّهامها بتمويل ما يسمى بالإرهاب والعمل على حصارها ونبذها سياسيًّا.. وإلى ليبيا والتي كان يود لها في الأساس أن تكون قاعدةً أساسية لمشروع التكفير والقاعدة وداعش.. فحين ضُرب هذا المشروع في اليمن وسوريا والعراق ولبنان ومصر والمغرب بدأ العدُّ التنازلي لتهديم صوامع وقواعد هذا المشروع في ليبيا ونتابع كيف أنهم يسعون اليوم للتخلص منه.. البحرين وما أدراك ما البحرين كان ولا زال هناك حراكٌ ثوري شعبوي.. لكن لم تُرِدْ له قوى الشر والاستكبار النجاحَ فسارعوا في إرسال قوى أمنية وعسكرية سعوديّة لقمع هذه التحَـرّكات وإخماد وهج الثورة..
في المقابل بعد هذا الفشل الذريع لأمريكا وأدواتها في المنطقة من تحقيق مآربهم انعكس هذا وارتد بارتدادات عكسية على الأدوات.. وبات الخلافُ والتباين بين صاحبة المشروع أمريكا وبين أدواتها القذرة.. فبدأت تطفو على السطح خلافاتهم وتناقضاتهم.. وبدء الأمريكي يرمي تبعات الفشل على العملاء والمجرمين وعلى شرطي المنطقة الجديد محمد بن سلمان وبجانبه المجرم محمد بن زايد.. وهذا كله نتاج فشلهم في اليمن وفي سوريا والعراق ولبنان وليبيا وفلسطين وفي المنطقة بشكل عام..، حيثُُ بدأت المؤامراتُ على النظام السعوديّ، وتنهال عليه المصائب من كُــلّ جانب فهناك صراعٌ محتدم بين الأجنحة المالكة.. وهناك تحَـرّكٌ من الوهّابية ودعاتها، وهناك احتقان شعبي كبير وسخط على السياسات الاقتصادية.. وهناك تبعثر لأوراق كثيرة في الداخل والخارج للمملكة وقصر دورها الإقْليْمي والدولي.. وتشوهت صورتها التي كانت تنمقها باسم الحرمين الشريفين، وكل هذا يولد ضغطا وطوفاناً سينفجر في أية لحظة، ما سيعصف بهذا النظام المجرم..
وفي الأخير وليس آخراً من المصائب التي يصْدُقُ عليها المَثَلُ العربي (القشة التي قصمت ظهر البعير)، حيثُ قامت الدنيا ولم تقعد على مقتل الصحفي خاشقجي وتقطيع أوصاله في جريمة بشعة بكل المقاييس.. وخرج ترامب مهدّداً ومزمجراً حتى افتدت البقرة الحلوب بغرابها الأسود.. وحصحص الحق وخرج المجرم ليعترفَ بجُرمه ويقول باستحياء (نحن من قتلناه).. ولكن بدون قصد ولا علم لنا، بل كانت الاستخبارات السعوديّة تعمل دون التنسيق مع الأمريكان ودون توجيهات ملكهم العجوز وابنه المهووس بغرام الملُك والسلطة والجاه.
فأصبح بن سلمان بين خيارين، إما الملك أَوْ التحرش بإيران والعمل على افتعال المشاكل معها والأمريكي مستفيد من ذلك وله رغبة بدفع هذه الأدوات وهو من ورائها لدخول في مواجهة مع إيران، وهذا ما اختاره الولدُ المدلل والمراهِق السياسيّ المُتْرَف..