الحاج أمين.. نازح تهامي أفقدته الغارات توازنه وذاكرته ولم تُنْسِه ذكرَ الله

المسيرة: يحيى الرُّباط

بدأت قصةُ أمين ككثير من النازحين في أغسطس الماضي حين بدأ تحالُفُ العدوان جولةَ توحش جديدةً، عندما شنّ العدوان السعوديّ الأمريكي غارتين بالقرب من منزله وقلب حياته رأساً على عقب!

كان أمين موظفاً لدى شركة كهرباء الحديدة مستور الحال، قبل أن تقطع دول العدوان والحصار راتبه ورواتب زملائه الموظفين، وقبل أن تشنّ صواريخها على نومه فتقوضه مُصاباً بعدّة أمراض وحالة عجز ذهنية من فينةٍ إلى أُخرى وفقدان للتوازن، فحولته من ربِّ أسرة وموظف مُحترم، إلى عالة على الآخرين وعاجز حتّى عن تذكّر اسمه وأسرته.

ربما استطاعت غاراتُ العدوان أن تُنسيَ أمين كُـلّ شيء باستثناء ربِّه، وبشهادة أهالي الحي، فأمين الذي أصيب مركز التوازن في دماغه بسبب الارتجاج في أذنه إثر دوي الغارات، سقط أَكْثَـــرَ من مرة مغشياً عليه وهو يقف بالصف الأول خلف الإمام، ومع ذلك لم يتوانَ لحظةً عن شعائر الله وحاضراً بالمسجد.

تؤكّــد زوجة أمين أنه يمر بحالة صحية صعبة ومثلُه يحتاجُ لرعاية ومراقبة مكثفة ومساعدة طبية. ولكن زوجتَه المسنة هي الأُخرى أتعبها العجز، وتقول: ليس لديّ من يعوله معي وأولاده الاثنان يخرجان لطلبة الله ولا يعودان للبيت غالباً والأصغر هو الآخر بحاجة لمن يرعاه.

***

أصولُ أمين تعودُ إلى محافظة عدن، والحديدة هي مدينته الثانية والتي تبنته طيلة عمره العملي، حتّى ليلة استهدافه من قبل طيران الأنذال وإبعاده عاجزاً وإكراهه على مُغادرتها إلى صنعاء.

يؤكّــد أولاد أمين، أنهم لم ينزحوا بعد الحادثة التي أصابت والدهم لارتباطهم بعملٍ في حيٍ آخر. (شارع زايد) ولكنهم لم يستمروا كثيراً، فالعدوان نفسُه يحتل سماءَ المدينة كلها، وساكنوها بالنسبة له حقل تجارب، وفي الأسبوع الأول شنّ عدّة غارات على نفس الشارع الذي يعملون فيه، استهدف فرزة الباصات وكل ما في الخط العام حتى المطار، وفي الأسبوع الثاني كثّف العدوّ أَيْضاً من غاراته وإجرامه، لكن هذه المرة على المجمعات والمحلات ومحطات الوقود والمنازل السكنية.

تكمل زوجة أمين قَصَّ مآسي أبناء تهامة: وقتها نزح الكثير من الناجين وصمد الكثير ونحنُ ممن نزح مُضطراً حين فقدنا أعمالنا وصحة رب أسرتنا وأصبح الحِمْلُ والحال لا يُطاق فتركنا كُـلَّ شيء وراءنا وأفلتنا بأرواحنا!

تضيف زوجة أمين: عندما فكرنا بالنزوح أردنا العودة إلى عدن ثم غيّرنا رأينا بعد أن وصلت إلينا أخبار من نزحوا إلى عدن فتم ردهم أَوْ تعرضوا لإهانات قالتها ملامح الأم بغصة دون أن تنطقها الشفاة: عدن لم تعد تلك الأم الحاضنة لأبنائها، هي الأُخْـــرَى تفكر بالعودة أَيْضاً إلى اليمن الواحد وطينتها الأولى، لقد خانها المأجورون حين أرادوا خيانة اليمن كله، وإلى أن تعودَ عدن حرةً من الغزاة ومرتزِقته تفتح أبوابها لأبنائها وكُل يمني، فإن صنعاء هي الحضن اليمني الأقرب لأمين وأسرته وغيرهم من النازحون.

***

النازح أمين أحمد سعيد البالغ من العمر 65 عاماً، أصوله من عدن متزوج وأب لثلاثة أولاد، من مدينة الحديدة (حارة القاهرة)، يقيم حالياً بمنطقة الحصبة في العاصمة صنعاء.

أمين، قليل الحيلة كثيرُ الإيمان، تقول زوجته كلّما تسعفه قواه وتذّكر حالته دعا ربه الشفاء.

سألت: ومن البشر طلبتم؟

قالوا: طالبنا بعض القائمين على منظمة “اليونسيف” ولكنهم ردّوا بأن مهمتهم تسجيل الأسماء فقط.

وماذا عن بقية المنظمات؟

أجابوا: سجلنا ضمن النازحين ولم نتلقَّ أيّة رد حتى الآن!

ثمّ أكملوا بقلوب مؤمنة: أملنا في الله كبير.