أمريكا تدير فوضى الصراعات بين أدواتها في اليمن: البيت الأبيض ضد الجميع
المسيرة | ضرار الطيب
يتواصَلُ انكشافُ الدور الأمريكي الرئيسي في إدارة العدوان على اليمن بكل تفاصيله، بدايةً من الدعم العسكري واللوجستي والسياسي للتحالف السعودي الإماراتي، وتدمير الاقتصاد اليمني، ومروراً بعقد الصفقات مع التنظيمات التكفيرية، وصولاً إلى التحكم بالصراعات الدائرة حتى بين المرتزِقة أنفسهم.
التحقيق الذي نشره موقع “باز فيد” الأمريكي مؤخراً، حول قيام الإمارات باستئجار مجموعات مرتزِقة أجانب لتنفيذ عمليات اغتيالات داخل عدن، فضح جانباً جديداً من ذلك الدور الأمريكي المباشر في رسم تفاصيل الفوضى العدوانية المدمّـرة لليمن، فمن جهة، يكشف التحقيق أن أولئك المرتزِقة هم جنود وضباط سابقون في الجيش الأمريكي، لديهم علاقات وثيقة بالمسؤولين الأمريكيين، ويعملون ضمن منطقة “رمادية” بالنسبة للقوانين الأمريكية نفسها، أي منطقة “تجاهل” رسمية ومتعمدة، ومن جهة أُخْـــرَى يكشف أن مهام هؤلاء المرتزِقة كانت تستهدف تصفية عناصر وقيادات حزب الإصلاح الذي استخدمته أمريكا كبيدق محلي لدعم العدوان الذي تديره هي نفسها.
ذلك يعني أن الدور الذي تلعبه واشنطن يشمل كافة الاتّجاهات التي تستهدف اليمنيين بشكل عام، حتى ولو كان أولئك اليمنيين لاعبين رئيسيين عملوا لتحقيق المصالح السعودية والإماراتية وبالتالي الأمريكية بالضرورة، وبالتالي فإن الهدفَ الأمريكي من العدوان يبدو هنا أَكْثَــر وضوحاً، حيث لا تقيم واشنطن وزناً لأية توجهات سياسية أَوْ عسكرية للمرتزِقة، وتريد فقط كسبَ المال من السعودية والإمارات، بأي شكل يكون اليمنيون فيه الضحية، وقد أفصح أحد المرتزِقة الأمريكيين في حديثه مع “باز فيد” عن ذلك بشكل ما حين أقر بأن بعض الشخصيات التي كانت ضمن قوائم الاغتيالات، كانت تهمتها فقط هي أنها “لا تعجب محمد بن زايد”.
استخدم تحالف العدوان الذي تديره واشنطن، حزبَ الإصلاح، لمدة طويلة وبشكل واسع كـ “جيش” كبير من المرتزِقة زج به في كُـلّ الجبهات ليقاتل ويقتل في سبيل تحقيق الأهداف الأمريكية المغطاة بغطاء سعودي إماراتي، والمراقب للأوضاع العسكرية منذ بداية العدوان يدرك جيداً أن حزب الإصلاح تكبد خسائر ضخمة في سبيل مهمته تلك، لكن أمريكا كافأت عناصر الحزب بالاغتيال بواسطة مرتزِقة أمريكيين يتلقون لقاء تلك الاغتيالات رواتب عالية لم يتلقَّها أَكْبَــرُ قيادي من مرتزِقة الإصلاح أنفسهم!
وحتى مع انكشاف ذلك الآن، لم يجرؤ مرتزِقة حزب الإصلاح على إبداء أي انزعاج مما يتعرضون له من قبل أمريكا التي ظنوا طويلاً أنها ستضمن لهم مستقبلاً سياسياً وعسكرياً نظير خدمتهم لها.
ففي حين تضج كُـلّ وسائل الإعلام اليوم استنكاراً للفضيحة الموثقة التي كشفها موقع “باز فيد”.. يتمسك حزب الإصلاح بالصمت المذل، بالرغم أن عناصره وقياداته ما زالت تتعرّض للاغتيالات في المحافظات الجنوبية، الأمر الذي يكشف أريحية الولايات المتحدة في المضي بمثل هذه الخطط؛ لأنَّ القاتل والمقتول هنا مجرد دمى في لعبة واحدة.
في السياق نفسه، كانت وكالة “اسوشيتد برس” نشرت قبل فترة تحقيقاً حول ارتباط الولايات المتحدة التي تدير تحالف العدوان، بتنظيم القاعدة التكفيري، وعقد صفقات عسكرية مع عناصر التنظيم للقتال في صفوف السعودية والإمارات وتسليم مواقع ومناطق لهما، الأمر الذي يثبت أيضاً أن التنظيمات التكفيرية هي دُمية أُخْـــرَى تستخدمها واشنطن في إدارة تفاصيل العدوان على اليمن، والجميع يعرف أن تلك التنظيمات تصادمت أَكْثَــرَ من مرة مع بقية تشكيلات المرتزِقة في الجنوب بالذات، بالرغم من أنهم جَميعاً عملوا لتحقيق المصالح الأمريكية بكل جهد.
هكذا تُصادم واشنطن بين الدُّمَى التي استمتعت بها كثيراً، ترضي رغبات وليَّي عهد الإمارات والسعودية حتى ولو على حساب حلفائهما من المرتزِقة في الداخل اليمني، وكلما زاد الانقسام واتسعت الفوضى ازدادت فرصة البيت الأبيض لاستثمار قدرته على التحكم بخيوط هذه الفوضى، طالما أن المكسب المالي من الخليج مضموناً، وباستمرار انكشاف كُـلّ هذه التفاصيل، تتساقط كُـلّ الادّعاءات التي ظل المرتزِقة وتحالف العدوان يروّجون لها لتبرير كُـلّ ما يتعرضُ اليمن، ولا يبقى سوى ثابت واحد: أمريكا ليست مع أحد، أمريكا ضد اليمن كلها.