شاهد على الأحداث ٣: انقلاب هادي وبحّاح على الدولة وتداعياته .. بلقم/ حسن زيد
اتصلَّ بي الشهيد صالح الصمّاد عقب إعلان استقالة هادي وبحّاح وناقشنا خطورةَ الوضع واقترحتُ عليه دعوةَ أحزاب اللقاء المشترك للاجتماع مع أنصار الله لدراسة كيفية مواجهة الوضع بالاتّفاق على شراكة كُــلّ القوى السياسيّة في ملئ الفراغ الذي أحدثته الخطوة الانقلابية لإدَارَة ما تبقى من مهام المرحلة الانتقالية.
تواصلتُ مع الإخْوَة في قيادات الاشتراكي والإصلاح والناصري والبعث واتّحاد القوى الشعبيّة وحزبنا واتّفقنا على أن نجتمعَ صباح اليوم التالي للانقلاب في مقر اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي (الذي كانت قيادته الجديدة قد جمدت تقريباً مشاركاتها في اجتماعات المجلس الأعلى لأحزاب اللقاء المشترك والهيئة التنفيذية أيضاً).
وافق الجميع والتقينا في مقر اللجنة المركزية ورأس اللقاء الدكتور عبدالرحمن السقاف وبحضور ممثلين عن كُــلِّ الأحزاب كما انطبع في ذهني ولكني كنتُ مركّزاً على حضور التجمع اليمني للإصلاح والإخْوَة أنصار الله، لا أذكر إنْ كان الأمين العام للتجمع أَوْ عضو الهيئة العليا الأستاذ محمد قحطان من ضمن الحاضرين ولكن التجمع كان حاضراً من خلال حضور رئيس الدائرة السياسيّة الأستاذ سعيد شمسان، وقد حضر الأستاذ صالح الصمّاد والمهندس حمزة الحوثي والأستاذ علي العماد ومن الاشتراكي كان الحضور كبيراً.
سادت اللقاءَ أجواء إيجابية تعبر عن وعي مشترك بالمخاطر الذي ترتبت على الفراغ الذي أحدثته استقالة رأسَي السلطة التنفيذية ومعهما الحكومة بالتبعية أي السلطة التنفيذية كاملة ودون أن تلتزم بأحكام الدستور التي توجب على الحكومة الاستمرار في تصريف الأعمال حتى يتم تكليف رئيس حكومة جديد وتشكيل الحكومة.
خلوُّ منصب الرئيس والحكومة معناه إلغاء الدولة، وهذا ما أراده مَن دفع هادي وبَحَّـاح لإعلان الاستقالة التي مهّد لها بسلسلة من الإجراءات والقرارات المستفزة المخالِفة لروح الاتّفاقيات الحاكمة للعلاقة بين القوى السياسيّة ومنها مقرّرات مؤتمر الحوار واتّفاق السلم والشراكة والاتّفاقية الخليجية ونصوص الدستور.
خرجنا من الاجتماع أَوْ اللقاء بنتيجة أَوْ قرار واحد وهو تكليف الإخْوَة علي الصراري (الحزب الاشتراكي) وعلي العماد (حركة أنصار الله) وحسن زيد بإعداد مشروع أَوْ مسودّة أَوْ عناصر لمشروع اتّفاق سياسيّ يتضمن آلية وكيفية التعامل مع الفراغ في مؤسّسة الرئاسة (مجلس رئاسي وحكومة وبقية المؤسّسات السيادية الهيئة الوطنية للإشراف والمتابعة والرقابة على تنفيذ مخرجات الحوار الوطني… إلخ المؤسّسات الضرورية لإدَارَة السلطة بالشراكة الوطنية الواسعة، بما يؤدي إلى الانتقال للوضع الدستوري.
اجتمعنا في منزلي عصراً وشرعنا في الحديث وتداولنا ضرورةَ التواصل مع الشخصيات الوطنية التي نعتقد أهميّةَ حضورها ومشاركتها في البحث عن المخارج وكلفت بالاتصال بالدكتور ياسين سعيد نعمان الذي كان في عدن وأبدا استعداده للانتقال إلى صنعاء واتفقنا على أن يمر عليَّ الأستاذ علي العماد مع طقم أَوْ أطقم حماية للمرور على أعضاء مجلس الوزراء لإقناعهم بأن واجبهم الدستوري يوجب عليهم الاستمرار في أداء مهامهم كحكومة تصريف أعمال حتى يتم التوافق على تشكيل حكومة (شراكة وطنية) على أن نعد أفكار للقاء السياسيّ الموسع الذي كان يتم بإشراف مكتب المبعوث الدولي لضمان مشاركة كُــلّ القوى السياسيّة بما فيها المؤتمر والأحزاب غير المشاركة في اللقاء المشترك وكذلك الحراك، (كانت اللقاءات مستمرة وأتذكر أن آخر لقاء تم في مكتب المبعوث الدولي أَوْ الأمم المتحدة قبل يوم من إقدام هادي على دعوة الهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مخرجات الحوار الوطني ولجنة صياغة الدستور وتسلم مسودة الدستور وسلمها للهيئة وهي الخطوة التي فجّرت الأزمة بين هادي وأنصار الله؛ لأنَّ أنصار الله ومعهم المؤتمر الشعبي ونحن كنّا معترضين على تسليم مسودة الدستور قبل الاتّفاق على آلية اتّخاذ القرارات فيها، وتمت مناقشة ضرورة الاتّفاق على آلية التصويت واتّخاذ القرارات في الهيئة الوطنية – سأعود للكتابة عن هذا لاحقاً).
صباح اليوم التالي لاجتماعنا الثلاثة وبينما كنت منتظراً للأخ علي العماد والحماية الأمنية للمرور على أعضاء مجلس الوزراء فوجئت بوصول الأطقم التي أحاط أفرادها بمخارج البيت من بعد الفجر تقريباً وعندما تحدث معهم الإخْوَة الحراسة الخَاصَّـة بي علموا بأني وضعت تحت الإقامة الجبرية أي منعت من الخروج، وكان قد وضع بعض الإخْوَة الزملاء تحت الإقامة الجبرية مثلنا كمثل رئيس الوزراء المستقيل.
اتصلت بالأخ علي العماد للتأكّد وأكّد أنهم ليسوا المتفق عليهم معه.
كان الأخ علي الصراري قد سأل مازحاً الأخ علي العماد لحظةَ مغادرته مكان المقيل (لماذا استثنيتم الأخ حسن من وضعه تحت الإقامة الجبرية؟ ألأنه هاشمي؟ وحملها الأستاذ علي العماد معه بالإضَافَة إلى ملاحظات أُخْرَى تصُبُّ في نفس السياق لاجتماع قيادات أنصار الله وقرّروا وضعي تحت الإقامة حتى لا يقال إنهم عنصريون)، وهذا ما حدث علماً بأغلب الوزراء لم يوضعوا تحت الإقامة، بل الغريب أن الكثير من الوزراء الذين كانوا ضد الاستقالة وضد اختلاق أزمة وكانوا في جلسات مجلس الوزراء ضد افتعال المشاكل والأزمات مع أنصار الله هم الذي وضعوا تحت الإقامة الجبرية، بل وشدّد عليهم كالسفير عبدالله الصايدي ومحمد زمام.
علمت أن القياداتِ السياسيّة من ممثلي الأحزاب اليمنية التقوا في موفمبيك (وكنا كحزب ممثلين أَيْضاً وقد رفضت أن نتخلف احتجاجاً على تقييد حريتي) والتي أثارها الأخ عبدالله نعمان في طاولة الحوار أَكْثَـــر من مرة وكنت قد فهمت بأن الدكتور ياسين سعيد نعمان فسّر عدم عودته للعاصمة بالقول إنهم إذَا كان قد قيدوا حرية حسن زيد فكيف سيتعاملون مع غيره؟.
استمرت الاجتماعات لأيام وأنا ممنوع من الخروج من المنزل (أبلغت بأن أية محاولة للخروج سيتم منعي بالقُــوَّة واعتقالي ولَم أحاول).
علمت بأن الأجواء كانت شديدة الإيجابية خُصُوصاً بين أنصار الله والتجمع اليمني للإصلاح لدرجة أن الأستاذ محمد اليدومي رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح كان يؤكّد على تطابق موقفهم مع ما يقوله المهندس حمزة الحوثي.
بعد أَيّام سُمح لي بالانتقال إلى موفمبيك للمشاركة في الحوارات تحت الحراسة (كنت شديدَ الحرص على المشاركة لاعتقادي أن علاقاتي الإيجابية بالجميع ومعرفتي بمخاوف وتطلعات الأغلب سيساعد على الإسهام في إنجاح الحوار والوصول لاتّفاق).
أول أيّام مشاركتي أخذني الأستاذ محمد قحطان على جنب وطلب مني نقل رسالة من التجمع اليمني للإصلاح إلى أنصار الله بأنهم موافقون على توقيع اتّفاق على تشكيل مجلس رئاسي بشرط أن يفصح الإخْوَة أنصار الله للإصلاح عن أسماء المرشحين الذين يمكن أن يوافقوا عليهم وأبدى استعدادَ الإصلاح الموافقةَ على أي مرشح باستثناء أحمد علي أَوْ مهدي مقولة أَوْ أيٍّ من القيادات العسكرية المرتبطة بعفاش، وقال بالحرف إنهم منفتحون على القبول بأي مرشح حتى لو كان عارف الزوكا أَوْ أحمد عبيد بن دغر أَوْ شخصية عدا مَن ذكر تحفظهم أَوْ تخوفهم منهم، وأكّد أنهم إذَا ما عرفوا المرشح الذي يمكن أن يقبل به أنصار الله سيوقعون رأساً الاتّفاقَ على تشكيل مجلس رئاسي.
نقلت رسالة التجمع للأخ مهدي المشّاط فأحالني للأخ سفر الصوفي ففعلت ولَم أتلق جواباً.
استمرت الحواراتُ الماراثونية لأسابيع وكانت العقبة الرئيسة تمسُّكَ المؤتمر الشعبي العام بالعودة للمؤسّسات الدستورية (عرض الاستقالة على مجلس النواب للبت فيها والالتزام بالإجراءات الدستورية، أي تولي رئاسة مجلس النواب لمهام رئاسة الجمهورية لستين يوماً ثم انتخاب رئيس جديد) وكانت المفاوضات الجانبية بين المؤتمر وأنصار الله من جهة والإصلاح وأنصار الله تتم بعيداً عن الطاولة ولكن الإصلاح في الطاولة كان يردّد موقفاً واحداً وهو ما توافقتم عليه فنحن موافقون عليه، غاب اليدومي وسفر الصوفي وحضر بالإضَافَة إلى قحطان السعدي -عندما بدأت عملية إعاقة الحوار بعد إطلاق النار على سيارة السفير الأمريكي من نقطة أمنية- حضر الأستاذ محمد علاو.
لعب الأستاذ عبدالله نعمان دوراً سلبياً في تأزيم الطاولة ثم المقاطعة.
وكذلك الأستاذ عبدالعزيز جباري الذي كان يشترط توسيعَ عدد أفراد المجلس الرئاسي إلى سبعة وضمان تمثيل العدالة والبناء بالشيخ محمد علي أبو لحوم.
في البداية كان موقف الاشتراكي كما كان يعبّر عنه الأخ عبدالرحمن السقاف أن شرعيةَ هادي شرعية توافقية انتهت بتخلي بعض الأحزاب عنه (بعد أسابيع من الحوارات ظهرت فكرة أن يتم العرض على هادي بالعودة عن الاستقالة وإصلاح مؤسّسة الرئاسة بتعيين نائب متوافق عليه أَوْ أربعة نواب تمثل المكونات الكبيرة، أَوْ يتحول هادي إلى رئيس مجلس رئاسي برتوكولي ويتم التوافق على رئيس حكومة) كان الدكتور السقاف وأغلب الأحزاب ضد التفكير في مراجعة هادي ومع التجديد بالتوافق على رئيس مجلس رئاسي ومجلس وأربعة أعضاء يمثلون المكونات الكبيرة (الحراك الجنوبي، الإصلاح، المؤتمر الشعبي، أنصار الله) على أن يراعى التنوع الجهوي.
تفاصيل ما تم في الموفمبيك طويلة ومتشابكة وتحتاج لندوات يشارك في تسجيل ما تم فيها الكثيرُ من الذين حضروا.
ويهمني هنا التأكيد على أنه لم يتمسّك أحد بشرعية هادي إلّا بعد فراره إلى عدن ومن قبل ممثليه (ياسين مكاوي).
الكل كان مسلّماً بأن شرعيته انتهت بمضي المدة التي جُدّد له سنة وَأَيْـضاً باستقالته (حتى بعد إعلانه الرجوع عن الاستقالة كانت حتى البيانات الأممية الرئاسية تتعامل معه كطرف سياسيّ وليس رئيساً دستورياً أَوْ توافقياً وكانت تأمره بالانخراط في طاولة الحوار المنعقدة بصنعاء عبر من يمثله بنية حسَنة وبأن الشرعية ستكتسب من نتائج الحوار.
– كدنا نوقع اتّفاقا يشكل التوافق على:
– تشكيل مجلس رئاسي.
– حكومة شراكة وطنية واسعة.
– إعَادَة تشكيل الهيئة الوطنية للحوار وِفْـــقاً لورقة الضمانات.
– لجنة عليا للانتخابات.
– تنقيح مسودة الدستور من القضايا التي تسببت في انفجار الأزمة، ولَمْ ينص عليها مؤتمر الحوار وانفردت بها لجنة هادي وبالمخالفة لمضمون اتّفاق السلم والشراكة.
– لجنة أَوْ هيئة أمنية عسكرية تتولى إعَادَة تشكيل الجيش والأجهزة الأمنية على أساس وطني.
(طبعاً الصياغة من الذاكرة وبدون العودة إلى المسودات التي كتبناها)، ولكن المهم هنا أن الإجماع كان قد انعقد على فقدان هادي للشرعية وبأنه بات جزءً من المشكلة ولا يمكن أن يكون شريكاً في الحَــلّ وبأن الشراكة الوطنية ضرورة للاستقرار وتجنب الصراعات والحروب والأزمات.
وأهم من كُــلّ ذلك أن أنصار الله لم يطلبوا أَكْثَـــرَ من سلطة شراكة واسعة حتى لو لم يشاركوا فيها؛ تجنباً لتفرد حزب أَوْ مكون بالسلطة عبر تأثيره أَوْ سيطرته على الفرد الحاكم، على اعتبار أن شراكة الاشتراكي والمؤتمر والإصلاح والحراك في تحمل مسؤولية إدَارَة السلطة سيمنع أَوْ يَحُدُّ من استخدامها ضد أنصار الله أَوْ غيرهم لوجود التنوع في الشركاء؛ ولأن أمريكا والسعوديّة لا تستطيع أن تفرض على الشركاء اتّخاذ سياسات إقصائية وعدوانية ولا يمكن أن يشنّوا الحرب.. ربما ظلت تجربة الشراكة في دولة الوحدة (قبل الانقلاب عليها بحرب ١٩٩٤م على الجنوب بما إتاحته من مساحة واسعة للحريات) ماثلة في وجدان الإخْوَة من قيادات أنصار الله؛ ولذلك لم يمانعوا في أن لا يشاركوا في السلطة ولكنهم لم يكونوا يقبلون بأن يعود حكم الفرد المفروض من السعوديّة أَوْ أمريكا، خُصُوصاً بعد تجربتهم المريرة مع عبدربه وبَحَّـاح اللذين تعسفا في استخدام السلطة الدستورية الممنوحة لموقعيهما بصورة مخالفة للنصوص والاتّفاقات وبطريقة مستفزة مثّلت الذروة في الاستفزاز، فرض مسودّة الدستور والإصرار على منع أي إصلاح وإعاقة تنفيذ أي نص واتّفاق (حتى إعَادَة العطلة يوم المولد النبوي أَوْ رأس السنة الهجرية التي كانت معتمدةً في النظامين الشطريين، رفضتها الحكومة وكانت التعيينات والإجراءات والقرارات الاقتصادية أَوْ المالية تتعمد تكريس وتوسيع مجالات الفساد والتعامل مع الواقع الاداري والفني كالاتصالات وكان الأقاليم قد أقرت قبل الاستفتاء).
– سأعود بإذن الله لتفصيل ذلك لاحقاً..
– الخلاصة أن دعوى إقصاء أنصار الله للآخرين واحتكارهم للسلطة تتناقضُ مع الأحداث؛ لأنَّ أنصار الله كانوا وحتى اللحظة يقاومون فكرةَ تفرُّدهم بالسلطة، بل إنهم كانوا يتجنّبون تحملها ولو كشريك بالرُّبع فيها، ولا زالوا حتى الآن رغم كلِّ ما يشاع كذباً بأنهم يمنعون أي تغيير أَوْ على سبيل التصحيح في بُنية الجهاز الإداري.
وهذا ما سنفصِّلُه إنْ شاء الله.
(يتبع)..