حقوق الإنسان ومسؤولية المهام والنصيحة الواجبة .. بقلم/ مطهر يحيى شرف الدين
ليست المناصب والصفات بأبعادها وآثارها الإيجابية أعز على الإنْسَـان بقدر ما يمكن أن يكون الأعز والأهم من ذلك هو سلوك من يتولى المناصب من مسؤولين وَأَصْحَـاب القرار من خَشية وخُلق وصدق وتعامل مع الآخرين من عامة الناس وبما يحفظ حقوقهم وكرامتهم ومكانتهم في المجتمع، فالمراكز وَالصفات ما وجدت إلاّ ليكون استثمارها من قبل الرئيس والمرؤوس يسيراً وسهلاً خدمةً لصالح المجتمع سواءٌ أكان ذلك في وزارة أَوْ مؤسّسة عامة أَوْ خَاصَّـة وكما هو طبيعي فإن التعامل بتطبيق القوانين واللوائح ينبغي أن يكون متاحاً ويسيراً لجميع من هم معنيون ومستفيدون من فئات المجتمع مع الجهات العامة والخَاصَّـة لندرك فهم واستيعاب جوهر الفائدة والمنفعة من تطبيق تلك القواعد الهادفة إلى الإنتاج المثمر وبما يعود أثراً ايجابياً ملموساً للمجتمع ككل.
ولذلك فإن من يتولى عملاً أَوْ توكل إليه مهمة فإنها تعتبر أمانة في عنقه وهو مسؤول ومحاسب عنها اليوم قبل اليوم الآخر إنْ لم يكن أهلاً لها أَوْ كان خائناً في أدائها وبالذات ما تعلق منها بحقوق ومكتسبات تخص العباد الذين ما خُلقوا على هذه الأرض إلا لتلبية رسالة الإنْسَـانية التي حملها الأنبياء والرسل تجسيداً لمبدأ الدين المعاملة، فالإيثار على النفس والإحسان للآخرين والتراحم والتواصي بالحق وتلمس أحوال المستضعفين ومن ذلك حسن المعاملة وتوفير الخدمات الاقتصادية والاجتماعية ضرورة حتمية من أجل توفير القوت الضروري الذي يقيم حياة الناس وأسباب معيشتهم، وما هيأ الله أسباب تولي أمور المخلوقين إلا ليقوم ولاة الأمر بتحمل الأمانات وأداء الحقوق إلى أهلها وذلك بإنجاز المهام والأعمال التي تخدم المجتمع دون تكاسل أَوْ مماطلة فالله تعالى قد يغفر ما كان في حقٍ من حقوقه ولا يغفر ما كان في حقٍ من حقوق العباد، فلا إيْمَـان لمن لا أمانةَ له ولا دينَ لمن لا عهدَ له، فالعمل على حماية المصالح العامة للمجتمع والخَاصَّـة للأفراد وحفظ حقوقهم يحقّـق فعلاً مفهوم الإيْمَـان الذي يترسخ في القلب وَيصدقه العمل.
ومنطلقاً من هذه الاعتبارات يتولد إحساس من هم أهلٌ للمسؤولية بالخوف من الله بتزكية النفس البشرية والنأي بها عن التقصير أَوْ اللامبالاة وينبغي لذلك أخذ وتبني الأنشطة والبرامج المجتمعية الهادفة إلى التكافل والتضامن الاجتماعي في عين الاعتبار من قبل الجهات ذات العلاقة بخدمة المجتمع وأن تكون هناك شراكة جادة بين المؤسّسات الحكومية والمجتمع المدني في السعي نحو عدم المساس بحقٍ عام أَوْ خاصٍ أَوْ عِرض أَوْ دم فصون الحقوق وحمايتها هو ما يحقّـق كمال الإيْمَـان بإقامة العدل وحفظ حقوق الإنْسَـان ويعزز الأمن والطمأنينة للمجتمعات، ذلك أن العمل والتحَـرّك بغية مصالح البلاد وَالعباد من أجل توفير حاجاتهم ومصالحهم يحقّـق مقاصد الشريعة الإسْلَامية وَيخلق الرضا للنفس البشرية وتطمئن لذلك القلوب وترضي الله تعالى وفي مقابل ذلك فإن الاختلال في ميزان العدل وضياع الحقوق أَوْ حتى إهمالها فذلك بلا شك يؤرث أسباب الفساد ويخلق انتشار الفوضى ويثير القلق والاضطراب والأحقاد والضغائن فيما بين الناس وبالذات من لهم صلة بالجهات والمؤسّسات ذات العلاقة بحقوق الإنْسَـان وحرياته وقضاياه المعيشية، وبذلك يكون الطريق سهلاً إلى اتّخاذ الفساد المالي والإداري والأَخْلَاقي سلوكاً لا مفر منه.
وبموجب ذلك الاختلال فإن الفرصة ستكون متاحة لإساءة استخدام الصلاحيات والاختصاصات نحو التجاوزات القانونية والمخالفات الإدارية التي تفضي إلى فساد وَظلم وطغيان يمارسه أدعياء المبادئ والقيم ضد البسطاء من الناس والمستضعفين ممن هم أَصْحَـاب حقوق ظلوا سنوات عديدة وهم يبحثون عن حقوقهم في دهاليز وأروقة المؤسّسات دون جدوى، وبالتالي نكون أمام انعدام الثقة والأمانة؛ بسببِ عدم الإنصاف الذي يفتقد إليه الكثير من الناس المستضعفين في المسؤولين أَصْحَـاب القرار الأمر الذي يجعل الطريق سهلاً إلى اللجوء إلى وسائل وأساليب غير مشروعة للكسب الحرام ومن ذلك الرشوة والاختلاس وذلك نتيجة لإساءة استعمال السلطة واستثمار الوظيفة العامة خدمة لتمرير المصالح الشخصية والأسرية في مرحلة أصبح من اللازم أن يكون أُولئك المسؤولين عند حجم الثقة التي أولتها إياهم القيادة السياسيّة وَالسيد القائد عبد الملك الحوثي حفظه الله وبالذات ونحن نمر بمرحلة استثنائية صعبة، ولذلك تجدر الإشارَة في أن تكونَ النصيْحة لولاة الأمر من أَصْحَـاب القرار حاضرةً وفاعلة لترشيد وتذكيرهم لإدراك ثقل الأمانة ومسؤولية المهام تجاه حقوق الناس بمراجعة النفس ومراقبة الضمير فكلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته.
ولنعلم أن عدم الإدراك لجسامة المسؤولية أَوْ تحمل الأمانةَ والعهد فإن ذلك بلا شك يعد من أسباب عدم العون والتوفيق وتأخر الحسم في مواجهتنا مع أعداء الله ورسوله وأعداء المؤمنين، قال تعالى “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” وقال أَيْضاً في محكم كتابه “وما كان ربك ليهلك القرى وأهلها مصلحون” وفي ذلك يقول سيد البشرية محمد صلوات الله عليه وآله “لن تقدّس أمةٌ لا يؤخذُ للضعيف فيها حقه من القوي غير متعتع” ولذلك ينبغي أَيـْـضاً أن نراجع ونقرأ بتمعن عهد الإمام علي عليه السلام إلى مالك بن الأشتر حين ولاهُ اليمن ومن ذلك العهد الحث والاهتمام بالجانب الاجتماعي وفيه يقول “ثم الله الله في الطبقةِ السفلى من الذين لا حيلة لهم والمَساكين والمحتاجين وأهل البؤسى والزمنى فإن في هذه الطبقة قانعاً ومعتراً واحفظ لله ما استحفظكَ من حقه فيهم واجعل لهم قسماً من بيت مالك وقسماً من غلات صوافي الإسْلَام في كُــلّ بلد، فإن للأقصى منهم مثل الذي للأدنى، وكلٌّ قد استرعيتَ حقه فلا يشغلَنك عنهم بَطر فإنك لا تعذر بتضييعك التافه لإحكامك الكثير المهم فلا تشخص همك عنهم ولا تصعِر خدّك لهم وتفقد أمور من لا يصل إليك منهم ممن تقتحمه العيون وتَحقرهُ الرجال ففرِغ لأُولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع فليرفع إليك أمورهم ثم اعمل فيهم بالأعذار إلى الله يوم تلقاه فإن هؤلاء من بين الرعية أحوج إلى الإنصاف من غيرهم وكلٌ فأعذِر إلى الله في تأدية حقه إليه.