وقاحة على طاولة مجلس الوزراء! بقلم/ د. أحمد عبدالله الصعدي
قال وزيرُ الإعلام عبدالسلام جابر في المقابلة التي نشرتها (26 سبتمبر) العدد (1999) يوم الخميس 25/ أكتوبر/ 2018 ضمن ملاحظاته على أداء الحكومة: إن ((حكومةَ الإنقاذ تجتمعُ أسبوعياً ليأكُلَ أعضاؤها البسكويتَ الإماراتي والتلذّذ المستفزّ بشرب العصائر السعوديّة رغم الدعوات داخل المجلس للمقاطعة لكن الغالبية تضعُ أُذُناً من طين وأخرى من عجين)).
إنها مفاجأةٌ كبيرةٌ لكن غيرُ سارة؛ كون الوزراء بلغوا هذا المستوى من الانفصامِ بين أقوالهم وأفعالهم، إذ يُكثِرون من توجيه المواعظ والنصح للمواطنين بضرورة الامتناعِ عن استيرادِ واستهلاك السلع غير الضرورية للحَـدِّ من الطلب على الدولار وللمساعدة في حِماية العُملة الوطنية المستهدَفة من جهة تحالف العدوان وحكومة المرتزِقة بخُبث وتقصد، إلا أن الوزراءَ يوجهوننا إلى فعل شيء هو صحيح وضروري ويفعلون عكسَه بالإقبال على استهلاك سِلَعٍ مستوردة غير ضرورية بمظهرية تبدو لوناً من الترويج لتلك السلع، وهم يعرفون ويعون أن طيرانَ العدوان يدمّــر المصانعَ اليمنية من مصانع الإسمنت إلى البفك، ويقصف المَزارع ويتلف المزروعات والمحاصيل ويضايق التجار اليمنيين وَيحظر على اليمن استيرادَ مئات السلع بما فيها مواد خام تدخُلُ في صناعات يمنية هامة كصناعة الأدوية أَو حليب الأطفال وغير ذلك. الوقاحة التي تظهر على طاولة حكومة تسمى ((حكومة الإنقاذ)) أَو في مكاتب الوزارات والمؤسّسات الحكومية المتمثلة بتقديم عصائر ومشروبات وبسكويت مصنوعة في دول العدوان تنُــمُّ إما عن وئام نفسي مع العدوان ومع حربه الشاملة على الوطن العسكرية والنفسية والاقتصادية والمالية والتجارية أَو عن شعور باستصغارِ الذات والانبهارِ بمجتمعات الفُرجة الاستهلاكية الخليجية.
وهي حالةٌ تذكِّرُنا بما كان قد لاحظه ابن خلدون في الفصل الثالث والعشرين من ((المقدمة)) الذي عنونه بـ ((في أن المغلوب مولع أبداً بالاقتداءِ بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده))، وقال فيه إن المغلوبَ يتشبه أبداً بالغالب في ملبسه ومركبه وفي سائر أحواله. لكن هذه الغَلَبَة التي تبهر البعض منا مع الأسف هي غلبة ديانة السوق وعبادة الاستهلاك بينما يستطيع كُــلّ مواطن يمني أن يرتفعَ إلى ذُرَى المجد والعزة الذاتية وهو يشاهِدُ غَلَبَةَ الحق والشجاعة والتضحية والإيْمَـان في ما يصنعه الحُفاة في ميادين منازلة الغزاة ومرتزِقتهم، وهذه هي القيم التي لا تُشترى ولا تباع.
ما تزالُ في أسواقنا منتوجاتُ صناعتنا الوطنية التي تحارِبُ من أجل البقاء، ومن تلك المنتوجات البسكويت والعصائر لا سيما العصائر الآتية من الحديدة وليست أسوأ من المستوردة، وصناعات الحديدة وكل مناطق اليمن أحقُّ بالتشجيع بشراء منتجاتها، وهذا يُعَدُّ واجباً وطنياً أمامنا كمواطنين، أما في مؤسّسات الدولة التي تنفق من المال العام فيجبُ حظر الاستعراض بسلع دول العدوان مقابل احتقارِ وتبخيس صناعتنا الوطنية.
ليس في هذا الكلام أيُّ ملمح تعصُّبٍ؛ لأنَّ كُــلّ الشعوب التي تتوقُ إلى الانعتاقِ الاقتصادي تفعلُ ذلك وتنمّي صناعاتِها بصبر وإصرارٍ، وتحمي منتجاتِها الوطنيةَ بكل الوسائل.
وهذا ما يجبُ أن ندركَه ونعيَه ونحن نشاهد كيف أن السعوديّة والإمارات جعلتا من السوق اليمني -وهو سوقٌ كبيرٌ؛ نظراً لعدد السكان- حِكراً على سلعها الرديئة أَو منتهية الصلاحية التي تبلُغُ قيمتها مليارات الدولارات كُــلّ عام.
لنكُفْ عن التغابي وادّعاءِ السذاجة الخبيثة والفَصْل بين بضائع العدوّ وقذائفه وبين حربه ومصالحه التجارية والاقتصادية، فالسياسةُ هي تعبيرٌ مكثّف عن الاقتصاد كما قال لينين، والحربُ مواصلةٌ للسياسة بوسائلَ عنيفةٍ، كما يقول كلاوزفيتز.