خاشقجي واليمن وازدواجية المعايير .. بقلم/ مطهر يحيى شرف الدين
جميلٌ أن تقومَ الدنيا ولا تقعُدَ لمقتل صحفي سعوديّ معارِضٍ يُدْعَى خاشقجي بتلك الطريقة الوحشية التي تم التخطيطُ وَالإعداد لها وتنفيذها دون اتّخاذ أية معايير قانونية، بل كانت جبانةً وغادرةً وبطريقة وحشية ومستهترة وضاربة عرضَ الحائط كُـلَّ المعاني الإنْسَانية والأَخْلَاقية وَالتشريعات والقوانين والأعراف الدولية ومنها المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنْسَان والتي رتّبت حماية قانونية لحرية التعبير والحق في نشر الأفكار والآراء دون تدخّل من أحد وتشمَلُ إرسال واستقبال المعلومات بمختلف الوسائل سواءٌ أكانت شفهيةً أَوْ مطبوعة، حسب اختيار مستخدم الوسيلة الإعْلَامية، وبالطبع وكما هو حال المجتمع الدولي والأمم المتحدة صاحبة القرار الدولي المؤثر في سياسات وتوجهات الأنْظمة العالمية فإن الضغوط الدولية والحملة الإعْلَامية المكثّفة التي تشهدُها الساحة ُالدولية إزاء هذه القضية لم يحدث لها مثيلٌ خلال العقود الأخيرة.
فليست ردود الفعل تلك وليس ذلك الضغط الدولي هو بسببِ انتهاك النظام السعوديّ للقوانين والأعراف الدولية وليس الصدى الكبير للحادثة هو بسببِ قتل إنْسَان له الحق أن يعيشَ في هذه الحياة بحرية وكرامة وله الحق في أن يعبّرَ عن رأيه وأفكاره ومعتقداته، فلو كان الأمرُ كذلك كنا سنشاهد ونلاحظ ذلك الضغط الدولي وتلك الحملة المكثّفة والفضائيات التي ترعد وتزبد في قضية العدوان على اليمن أرضاً وإنْسَاناً عدوان أهلك الحرث والنسل وتسبب في أَكْبَــر أزمة إنْسَانية في العالم كما وصف ذلك غوتيرش الأمين العام للأمم المتحدة، وكما أشار الأستاذ القدير عبدالوهّاب المحبشي في إحدى مقالاته بقوله تقوم السعوديّة بقتل الشعب اليمني وإبادته وتقطيعه ولم يثر العالم لأجله بينما ضج العالم لأجل خاشقجي لسبب بسيط أن خاشقجي كان معه خطيبةٌ وجزيرة، بينما الشعب اليمني لم يكن معه خطيبة ولا جزيرة.
وبالتالي فليس ثمة مقارنةٌ بين حادثة قتل خاشقجي وقضية العدوان على اليمن، بل إن قضية خاشقجي لا تساوي شيئاً مقابلَ ما يحصل من عدوان وحصار على شعب بأكمله ومن العار على المجتمع الدولي والأمم المتحدة والدول الأوروبية أن تتخذَ في سياساتها ومواقفها الخارجية انتهاج ازدواجية المعايير إزاء هذه القضايا فجريمة واحدة فقط من آلاف الجرائم التي ارتكبها تحالُـف العدوان على اليمن كفيلة بأن تقوم الدنيا ولا تقعد فعلاً.
فالجريمةُ الواحدةُ فيها غدر وفيها انتهاكٌ لسيادة دولة وفيها إراقة دم وفيها استهتار واستكبار وفيها قتل جماعي وفيها استهداف للأرض وفيها اغتيال لبراءة طفولة سيظل دمها المهراق لعنة على بني سعود وعيال زايد ومَن والاهم ومن دفعهم ووجّههم وأتمر بأمرهم على مر التأريخ.
وإنني كإعلامي وناشط حقوقي أدعو من هذا المنبر الثوري جميعَ الإعلاميين الأحرار والحقوقيين وكل ممثلي المنظّمات الإنْسَانية والحقوقية في الداخل وَالخارج أن يصدروا بيانات استنكار لتلك الضجة الإعْلَامية الدولية الهائلة لمقتل فرد وعدم الاكتراث لمئات الآلاف الأبرياء من ضحايا العدوان السعوديّ على اليمن منهم آلاف القتلى والجرحى؛ ليس لأن المجتمعَ الدولي والترسانة الإعْلَامية أبدت تعاطفاً لا حدودَ له مع الضحية خاشقجي ومظلوميته؛ بل لأنها مع ارتكاب الآلاف من الجرائم بحق الشعب اليمني تغفل وَتعمل على تهميش ما يحصل من انتهاكات جسيمة وجرائم وحشية بحق ملايين الأبرياء من أبناء الشعب اليمني فلم تكن هناك مواقفُ دوليةٌ جادّة وردود أفعال تتناسب مع حجم الجرائم المرتكبة والكارثة الإنْسَانية الحاصلة في اليمن.
ولذلك أجدُها فرصةً كبيرةً لدعوة جميع الناشطين والمنظّمات المعنية بحقوق الإنْسَان أن تسعى جاهدةً لإيصال رسالة الشعب اليمني ومظلوميته بتوجيه ودفع المنظّمات الدولية الحقوقية بالعمل على تشكيل لجنة تحقيق دولية محايدة مستقلّة تنتهي بملاحقة وتعقب ومحاكمة المتهمين بالانتهاكات الجسيمة وَارتكاب الجرائم في اليمن والإعداد لحملة إعلامية وضغوط دولية على المتهمين بارتكاب الجرائم والمجازر الوحشية بحق اليمن أرضاً وإنْسَاناً.
ولذلك نقولُ: كفى صمتاً وكفى انتهاجاً لازدواجية المعايير.
كفى سباتاً ونفاقاً وكذباَ وتملقاً وتزلفاً.
كفى استهتاراً بالتشريعات وبالقوانين والاعراف الدولية.
كفى سخرية بالقيم الإنْسَانية والأَخْلَاقية، فإن كان جمال خاشقجي لديه جزيرةٌ وخطيبةٌ ومواقفُ إعلاميةٌ وضغوط دولية فإن لدينا تأييدٌ وعونٌ إلهي نلمسه واقعاً وشاهداً.
ونحن على يقين بأن النصرَ آتٍ لا محالةَ، فإنَّ مع العسر يسراً، إن مع العسر يسراً..