تحويل الرغبات إلى خطوات .. بقلم/ سعاد الشامي
الفسادُ آفةٌ ضارةٌ تنخَرُ جسَدَ القيمِ الإنْسَانية والاجتماعية قبل أن تنخر الموارد والإمكانيات الاقتصادية للشعوب.
ولكن لماذا يتم غالباً النظرُ إلى الفساد من منظور ضيق وذاتي ولا ينظر إليه كمنظومة قائمة وثقافة رسّخها النظام السابق وتوارثته العقود من السنين؟!
كلنا نعرف أن الفسادَ سرقة أموال أَوْ استلام مبالغَ تحت الطاولة مقابل تسهيل معاملة لهذا وذاك أَوْ محاباة لهذا ولكن لماذا لا نعرف أولاً من أين امتلك هذا الفاسد الحقَّ بالفساد وصرَّح لنفسه بمشروعية تلك الممارسات؟!
هل يُعقَلُ بأن هذا الفاسدَ قد خُلِقَ فاسداً من تلقاء ذاته؟!
أم أن الفاسد وجد نفسَه مُجَــرَّد تابع في طريق أعوج سبق إليه الكثير من أقرانه فسار بنفس السياق وهو يعتقدُ بأنه من مستلزمات الحياة؟
إنَّ ما أوجد الفساد هو انحرافُ المعايير السليمة داخل الأنظمة والتي تُفسِدُ الحياةَ وتضعضع من تنمية البلدان والنهوض بمؤسّساتها الإدارية إلى أن تصلَ إلى المساس المضر بمصائر الشعوب وحاجاتهم الضرورية دونَ التغيير من واقعهم الحياتي؟!
لو نعود ونبحَثُ في مقاييس النظام السابق وسياسته في العمل المؤسّسي والإداري لوجدنا أهمَّ أسباب الفساد كان عائداً إلى التشبث بالسلطة وإهدار فرص الإعمار والتقدم!!
ولن نجدَ خطواتٍ جادةً من قِبَلِ القيادة بالنهوض الحضاري ولن نجدَ له أية أصداء ملموسة في الحياة المؤسّسية، فكم من المال العام والطاقات البشرية والسنين هدرت؛ بسبب انحراف المعايير والمحاصصة حتى طغت النظرة الاستحقاقية الذاتية على النظرة الخدمية المحضة والعامة، حيثُ كانت وظائف الدولة بمختلف أشكالها عشوائيةً وخالية من معايير الكفاءة والمهنية في انتقاء الكوادر والشخصيات القيادية والناجحة وكأن النظامَ صفقة تجارية وَمؤسّسات الدولة غنيمة تتقسم على أصحاب النفوذ، ومقدرات الدولة استحقاقات حزبية ومنح معنوية تعطى من أجل ارضاء الآخرين وتسوية الأمور وفقَ مبدأ التوافق!!
إنَّ محارَبةَ الفساد لن تنجح بصورةٍ جيدة إلا بمحاربة أسبابه واستئصاله من جذوره، فقد تحاسب هذا الفاسد ويأتي فاسدٌ آخر ليؤديَ دوره!!
الرغبةُ بمحاربة الفساد وحدَها لا تكفي إنْ لم نرفعها من درجة المحاسبة الجزئية إلى درجة الهدف الواضح والمحدّد بالتصحيح العام، ثم نبدأ فوراً وبصورة جادة في طرح رؤىً هادفةٍ واتّخاذ إجراءات عملية من أجل تحقيقها.