نجيب قصة مواطن لاحقه العدوان إلى منزله بالحديدة وشرّد أسرته ليجتمعوا نازحين في صنعاء
يحيى الرباط:
(قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ{ النمل(34) هكذا ذكر الله في كتابه العزيز قول الملكة بلقيس.
مآسٍ كثيرةٌ يشهدُها اليمن، جراء ما يحدُثُ من عدوان إجرامي وحرب إبادة، إحْـدَى هذه المآسي، (مأساة نازحي الحديدة)، الذين أجبرهم العدوانُ السعودي الأمريكي على هجرة ديارهم، تاركين خلفَهم مدينةً محطمةً، وحياةً بنوها بعَرَقِ أعمارهم وآمالهم قائمة في العودة إلى ديارهم، فبشاعة العدوان التي ألقت بثقلها على الشعب عمومًا، لها ثقلٌ خاص على النازحين، فالوضع تخطّى حدودَ أية كارثة إنْسَانية في العصر الحديث، كما أكّـدت الأممُ المتحدة في أحد تقاريرها.
منذُ أن بدأ تصعيدُ الغزاة والمرتزقة في مناطق الساحل الغربي، يعيش أبناؤها أسوأَ حالة، إذْ يخوضون الحياة صراعاً يومياً من أجل البقاء، وبينما نزحت بعض الأسر وأفلتت من الطائرات الأمريكية، ووحشية الجماعات الإجرامية، هُناك الكثير من المواطنين وعوائلهم رابطوا في مساكنهم، وأغلبهم يعانون وضعاً معيشياً صعباً ولا يملكون ما يقتاتونه.
***
المواطنُ نجيب محمد واحدٌ من ضحايا العدوان، ونازحٌ من ضِمن آلاف الفارِّين من ويلات الغارات العدوانية التي لاحقته حتى قلب منزله بمدينة الحديدة. قبل ثلاثة أشهر غادر نجيب مدينتَه بعد أن كثّف العدوانُ السعودي الأمريكي من ضرباته على عدةِ مرافقَ حكوميةٍ ومؤسسات ومبانٍ سكنية قريبة من منزله، فأُصيب منزلُهُ بهدمٍ جزئي، سادت حالةٌ من الرعب لدى أسرته، وقطعت الطرق المؤديّة إلى نجيب وأبناء الحي إثر غارات العدوان وتحليقه المُستمر.
وشهدت المدينةُ قصفاً جوياً وبحرياً ومدفعياً استهدف الأهالي بلا استثناء مُخلفاً يومَها أكثرَ من مجزرة وكارثة، فنزحت قرابةُ 35 ألف أسرة من سكان المدينة ذلك الشهر، حسب إحصائية مسجّلة لدى الأمم المتحدة. منهم 21 ألفاً يفتقدون لمساكن ويعانون من نقص حاد في المواد الغذائية.
***
نجيب كان موظفاً حكوميا متقاعداً مستورَ الحال يعول أسرته المكونة من 19 فرداً من راتبه التقاعدي، ولكن دولَ العدوان قلبت حياتَه رأساً على عقب وحوّلته محتاجاً للمساعدات الإنْسَانية.
يقول نجيب: غادرت منزلي مع أسرتي في 1 يونيو الماضي كُـلّ منا في اتّجاه مختلف والتقيت بهم في منتصف الشهر نفسه، 15 يوماً فرقنا طيران العدوان من الحديدة إلى صنعاء، إذْ قصف ليلتها بعدة غارات على امتداد الخط الرئيسي إلى صنعاء، مما أدّى إلى قطعه وتدميره كُلياً، فتفرقنا وتشردنا ولم نجتمع إلا بعد رحله شاقة.
***
نجيب رغم أن حالتَه لا تختلفُ عن غيره من النازحين، إلا أنه أصرّ على كامل أبنائه مواصلةَ تعليمهم، سألته: وهل تستطيع دفع مصاريفهم ؟..
صمت طويلاً ثمّ قال: سأحاول لو أعمل حمّالاً في هذا العُمر مُقابل أن يكملوا تعليمهم.. ثمّ أكمل بفطرته الإنْسَانية وطبيعته التهامية البسيطة:
“العلم نور يا ولدي وذا الوطن محتاجو لشباب متعلمين يحموه مش يخونوه”.
عن دورِ المنظّـمات الإغاثية الدولية والمحلية يؤكّـد أنه تلقى لمرتين مساعداتٍ غذائيةً من إحْـدَى المنظّـمات الدولية وهيئة النازحين، غير أن بقية المنظّـمات منحته وعوداً على ورق، نجيب رمش البالغ من العمر 57 عاماً متزوج وأب لخمسة أولاد ومُعيل لـ 12 حفيداً، من مدينة الحديدة، حارة (الترك) يقيم حالياً بمنطقة الحصبة العاصمة صنعاء، يسكُنُ مع كامل أسرته في ثلاث غرف يستأجرهن بعشرين ألف ريال”.