التحديات الاقتصادية في ظل العدوان.. البدائل والحلول
إعداد المهندس / حسين قائد مذكور
هناك عبارةٌ مشهورةٌ تُعَلِّمُ جميعَ الأمم كيف تعتمد على ذاتها تقول هذه العبارة:
((لا خيرَ في شعب يأكُلُ مما لا يزرع ويلبس مما لا يصنع))..
ونحن في اليمن نعتمدُ على البضائع المستوردة في جميع مناحي الحياة، رغم أن اليمن تمتازُ بتنوع جميع الموارد وخَاصَّـة الزراعية والثروة السمكية وكذلك المواد الأولية للتصنيع وفيها من الثروات الموجودة في باطن الأرض التي يعملُ الجيران ليلاً ونهاراً لمنعنا من الاستفادة منها، وما الاعتداء الأخير على بلدنا الحبيب إلا خير شاهد على أطماع الغزاة والمتربصين بالبلاد.
وما يهُمُّنا في هذه الورقة هو الجانبُ الزراعي الذي قامت عليه جميعُ حضارات العالَم، ومنها الحضارات اليمنية القديمة، وحتى فترة قريبة اعتمد أجدادُنا على الزراعة، وقد سخّروا الجبال وشيّدوا المدرجاتِ، مستفيدين من تنوع التضاريس، وقاموا بتهذيب الوديان واستغلال السهول من خلال الاستفادة من مياه السيول وأنهار الوديان لغرض حصاد مياه الأمطار والمحافظة على التربة من الانجراف؛ نظراً لانحدار الجبال الشاهقة في كثير من مناطق اليمن.
وهذا ساعد على وجود تنوعات محصولية كبيرة في اليمن والكثير منها يتم زراعتُها على مدار العام لا تكاد تنقطع في منطقة حتى يبدأ إنتاجها في منطقة أخرى؛ لتنوع المناخ في نفس الوقت، وخَاصَّـة الخضروات والفواكه والحبوب، ومنها المحصول الإستراتيجي محصول القمح الذي تستوردُه اليمنُ ما يقارب مليون طن في العام بقيمة تقدر بثلاثة وعشرين مليار ريال حسب كتاب الإحصاء لعام 2006 م، ومثل هذا المبلغ إلى جانب محصول الأرز الذي يقارب أربعة مليارات يشكل عبئاً كبيراً على ميزانية الدولة والاقتصاد الوطني ويستنزِفُ العملة الصعبة للبلد، ومن خلال هذه الندوة يجبُ أن يكونَ لهذا المحصول أهميّة خَاصَّـةً، حيث وأن المساحات الزراعية في مناطق زراعة القمح يمكن أن تحقّقَ الاكتفاءَ الذاتيّ في حالة إتباع طرق الزراعة الحديثة ومناطق زراعة محصول القمح متعددة منها السهول الشرقية: مأرب والجوف وسيئون والعديد من السهول والوديان المشابهة لها وكذلك الهضاب والقيعان المرتفعة، نذكر أهمَّها قاع الحقل وقاع جهران وقاع البَوْن والكثير من المناطق.
المساحات الصالحة للزراعة هي في حقيقة الأمر مساحات محدودة مقارنة بعدد السكان والاحتياج السنوي من محاصيل الحبوب ومنها القمح.
وهذا يحتم علينا أن نقومَ باستغلال هذه المساحات استغلالاً أمثلَ حتى نحقّقَ أعلا وأفضل إنتاج من وحدة المساحة ولن يتم ذلك إلا بالاعتماد على اتّباع طرق الزراعة الحديثة، بدلاً عن الزراعة التقليدية القديمة التي يتبعُها المزارعون، والتي غالباً ما تكون نتائجُها متواضعةً في المحصول، وبالتالي تكون تكاليفُ الإنتاج عاليةً جداً مع مردود المحصول الناتج، وهذا بدوره يؤدّي إلى عزوفِ المزارِع عن زراعة الحبوب ويتوجّه للمحاصيل النقدية الأكثر مردود، ومنها الخضروات والفواكه والقات..
وبالتالي لا بد من إيجاد سياسة يتم من خلالها الدفعُ بالمزارعين لزراعة القمح ومحاصيل الحبوب الأخرى؛ بهدفِ الوصول للاكتفاء الذاتي.. والحد من الاستيراد وسيتم سردُ جميع الحلول في نهاية هذه الورقة.. وكون القطاع الزراعي واحداً من القطاعات الاقتصادية التي تأثرت جرّاء تفشّي الفسادِ في جميع مفاصل الدولة في الفترة السابقة لما يقارب خمسين عاماً، إضافة إلى أن الاستعمارَ الجديدَ يعملُ بكل جد لإخضاع الوطن العربي لهيمنة والابتزاز، من خلال السيطرة على أقوات الشعوب، لقد كانت مصر في خمسينيات وستينيات القرن الماضي تصدّر القمح، وها هي اليوم أكبرُ دولة مستوردة للقمح.
وكذلك نحن في اليمن في أواخر الثمانينيات في القرن الماضي بدأ التوجُّه لزراعة القمح في مأرب والجوف، وقد كانت النتائج مبشرةً بخير، وفجأةً أرسلت أمريكا بواخرَ من القمح المجاني كمساعدة للشعب اليمني وتجاهلت الدولة المزارعين ولم تشترِ محصولَهم؛ لذلك عزف المزارعون من زراعة القمح، ومن تلك التجربة يجبُ أن نستفيدَ منها ونتعاملَ بمصداقية مع المزارع، بل ويجب أن ندعمَ زراعةَ القمح حتى نصلَ إلى إنتاجات عالية تغطّي تكاليف الإنتاج وتحقّقُ فائدةً للمزارع.
كما أحب أن أشيدَ بمؤسسة بُنيان لإنتاج الحبوب ونتمنى لها التوفيق والنجاح نحو الاكتفاء الذاتي، وكما حصل في محصول القمح من إهمال وهدم، وحصل كذلك لمحصول القطن المحصول النقدي المهم، وكذلك محصول السمسم لإنتاج الزيت وقد ترك المزارعون زراعةَ القطن؛ بسببِ إهمال من الدولة واستغلال هذه الثروة من قبل بعض المتنفذين الذين كانوا يشترون محصولَ القطن بأثمان رخيصة ويبيعونها بأرباحٍ كبيرة.
شعر المزارعون بأنهم يُستغلَّون من هؤلاء المتنفذين، وتراجعت زراعة القطن كثيراً، إضافةً لمحصول البن وغيره من المحاصيل النقدية، وهذه نبذة بصورة مختصرة.
ولكي ننهضَ بالقطاع الزراعي لرفد الاقتصاد الوطني ونتخلصَ من التبعية في أقواتنا نتقدم بالمقترحات التالية:
أولاً: قرار سياسي وما يترتب على ذلك من مساعدة للمزارع لجميع المنتجات الزراعية، سواءً نباتية أو حيوانية وعلى وزارة الزراعة رسم سياسة لذلك.
ثانياً: يتم تعميمُ لأتباع طُرُقِ الزراعة الحديثة من حيث استخدام البذور المحسّنة وطرق الري الحديث حتى تحقّق أعلى إنتاجية في وحدة المساحة.
ثالثاً: الاستمرار في إنشاء السدود والحواجز المائية؛ نظراً لموسمية وشُحّة الأمطار، واليمنُ تعتبر من الدول الفقيرة بالمياه ومعظم المياه الجوفية تم استغلالُها في زراعة القات.
رابعاً: الاستفادة من مصادِر الطاقة المتجدّدة: مضخات الطاقة الشمسية والرياح، والاستفادة من الغاز الحيوي وخَاصَّـة في الوديان لتشغيل مواطير لرفع المياه بالغاز.
خامساً: تشجيع ودعم المزارعين وخَاصَّـةً خريجي كلية الزراعة على الاستثمار في الزراعة المائية لإنتاج المحاصيل الممكن إنتاجها مثل الخضروات وأعلاف الحيوانات.
سادساً: منع التوسع العُمراني والبناء في الأراضي الزراعية.
سابعاً: حث المزارعين من التوسع في الزراعة المحمية؛ لما لها من فوائد عدة مثل توفير المياه والإنتاجية العالية في وحدة المساحة..
ثامناً: تشجيع المزارعين لزراعة المحاصيل النقدية مثل القطن ونباتات إنتاج الزيوت، وخَاصَّـة السمسم وعبّاد الشمس كحد من استيراد وزيوت الطبخ.
تاسعاً: نظراً لأسعار الوقود الديزل والغاز فقد اتّجه الكثير وخَاصَّـةً الأفران لاستخدام الحطب، نأمل بالتوجه بإصدار قوانين تمنعُ الاحتطابَ؛ وذلك لما لها من تأثيرٍ على الغطاء النباتي، كما نأمل من وزارة الزراعة إصدارَ تعميم بالتشجير الحراجي لأشجار السدر (العلب)؛ لرفع إنتاج البلاد من العسل.
عاشراً: على هيئة البحوث تحسين الأصناف المحلية لمحاصيل الحبوب وانتخاب الأصناف الجيدة منها وإكثارها؛ كونها تتناسَبُ معه البيئة اليمنية من حيث احتياجاتها المائية المنخفضة وقصر فترة زراعتها.
نأمل أن نكونَ قد وُفِّقْنَا في هذه الورقة..
واللهُ الموفِّقُ لما فيه خيرُ هذا البلد العظيم..