التكافل الاجتماعي في مواجهة العدوان .. بقلم/ مطهر يحيى شرف الدين
تشرّفتُ بحضور أعمال الندوة المتعلقة بدور التكافل الاجتماعي في مواجهة العدوان والحصار والتي تم انعقادُها مطلع الأسبوع الماضي برعاية من دائرة التعليم الجامعي والدائرة الاجتماعية بالمكتب التنفيذي لأنصار الله، وكنت قد أعددتُ مداخلاتٍ وإضافاتٍ لطرحها أثناء انعقاد الندوة ولكن لم تتاح الفرصة لأية نقاشات أَوْ مداخلات بعد قراءة أوراق العمل؛ لذلك أجدها مساحة مناسبة في هذه الصحيفة الحرة لطرح ما لديّ من إضافات، وذلك من منظورٍ حقوقي مرتبط بالأساسيات والقواعد التي تكفل منظومةً مجتمعية تسير وفق نظام لا بد من اتخاذُه لكي نصلَ إلى مجتمع مثالي يقوم على التعاون بين جميع أفراده؛ ولذلك فإن مسألة تكافل المجتمع بما يضمن حياةً خاليةً من الآلام والمعاناة ضرورةٌ تقتضيها الظروفُ والأحداث ويفرضها الواقعُ الذي نعيشُه في ظل عدوان ظالم يستهدفُ الإنْسَان اليمني بالدرجة الأولى.
الأمر الذي يجب على رواد المجتمع المدني والدولة بمكوناتها وتوجّهاتها الإيفاء بما عليهم من واجبات وحقوق نحو الآخرين من عامة الناس، وذلك بأن يكون لدى الدولة والمجتمع صفاتُ البر والود والرحمة والتعاطف والإيثار والشعور بالمسؤولية وذلك بتلمس أحوال المحتاجين والمستضعفين بتقديم المعونات والمساعدات المادية والاجتماعية والنفسية.
وبصرف النظر عن العمل المؤسسي المنهجي فالإنْسَان كفرد أياً كان معتقدُه وجنسيته وديانته تفرضُ الفطرة والغريزة عليه وتدفعه إلى القيام بما يملي عليه ضميره وإنْسَانيته نحو غيره وبالذات مَن هم ضحايا الكوارث الطبيعية والحروب بمَن فيهم أُسَر شهداء ومفقودين وجرحى وأسرى ونازحين ممن تدمّـرت منازلهم ومزارعهم وتضرّرت مصالحهم وأسباب معيشتهم، وحتى لا يأتي اليوم الذي يؤاخذ فيه الإنْسَان أَوْ تلام فيه المؤسسات والمنظّـمات المعنية بالتقصير واللامبالاة تجاه الفئات المجتمعية المستهدفة ينبغي عليها أن تكونَ عند حجم الثقة والمهام الموكلة إليها بتحمل واجباتها ومسؤولياتها في مواكبة الأحداث والظروف والمستجدات حتى لا يبقى من يعاني الآلام ويواجه الظروف الصعبة ويصارع تلك التغيرات دون أن يكون بجانبه من يحميه ويرعاه ويهتم به وبالذات ممن يعولون أسرا وأَطْفَالا هم بحاجة إلى أن تتوفر لهم كامل الحقوق في الحياة الكريمة والصحة والتعليم والرفاهية.
وحتى لا نذهب بعيداً عن موضوعنا الأساسي، تجدر الإشارة إلى أن المجتمع عبارة عن نسيج اجتماعي يصنعُه سلوكُ الإنْسَان، ويتكوّن من مجموعة من النّظم والقوانين التي تُحدِّدُ المعايير الاجتماعية التي تترتّب على أفراد هذا المجتمع، ولذلك فإن نجاح التكافل الاجتماعي بحاجة إلى نسيج اجتماعي وديني منسجم يسوده التفاهم والقبول بالآخر على أساس الشراكة المجتمعية والمساواة القائمة على الاحترام المتبادل والشفافية التي بدورها ترفع من مستوى الثقة بين المؤسسات الحكومية والأهلية وَالمجتمعات كما أن مسؤولية التكامل على مستوى الجماعات والأفراد مسألة مهمة وضرورية لتحقيق التكافل المجتمعي وترسيخ العدالة بين فئات المجتمع وإيجاد شراكة فاعله بين الجهات الرسمية والاهلية ذات العلاقة بالشؤون الاجتماعية والإنْسَانية والحقوقية.
فالتعاون والتراحم والتضحية والبذل والإيثار قيم إنْسَانية ترسخ مبادئ المحبة والتسامح وتعزز روح المسؤولية نحو المجتمع، ولا يخفى أيضاً الدور والتأثير الإيجابي للهوية الدينية والوطنية في تعزيز وحدة الصف اليمني واستقراره وأمنه وما لذلك في الحفاظ على وحدة الوطن وسلامة أراضيه وقراره السياسيّ المستقل وسيادة الدولة على أراضيها التي لا تقبل انتهاكاً أَوْ وصاية أَوْ تبعية للأجنبي المحتلّ، ومن أجل أن يسود السلام والأمن في المجتمعات ينبغي أن تكون هناك عدالة اجتماعية في إحقاق الحقوق بين فئات المجتمع مبنية على الاعتراف بالحق الإنْسَاني للآخرين وبحرياتهم الأساسية في جميع المجالات السياسيّة والاقتصادية والاجتماعية والثقافية مع الاحتفاظ بالثوابت الدينية والوطنية وعدم مساس وانتهاك السيادة والقرار السياسيّ.
كما ينبغي التنبيه إلى أن مسألة عملية الإصلاحات السياسيّة والاجتماعية والاقتصادية بحاجة إلى احتواء معظم المكونات السياسيّة الوطنية والاعتراف بدورها ومواقفها المناهضة للعدوان على اليمن وعدم التنكر لتلك المكونات أَوْ التمييز أَوْ الإقصاء فالكثير من تلك المكونات والتوجهات لها أثر في بناء الوطن ثقافياً ومجتمعياً وسياسيّاً خلال السنوات الأخيرة إلا من كانوا شواذاً وارتضوا لأنفسهم أن يكونوا رهينة في يد الأجنبي وجعلوا من أنفسهم أداةً حقيرة بيد تحالف العدوان فأولئك لا يعتبرون إلا عُمَلاء ومرتزِقة؛ لأَنَّهم تخلو عن المبادئ والقيم والعادات المجتمعية السليمة وخلعوا ثياب الوطنية وفضّلوا أن يكونوا أحذيةً للمحتلّين والغزاة، وبالمناسبة ولكي نكشف زيف الادعاءات الأممية التي تتغنى بالحقوق والحريات ونقيم الحجة على المجتمع الدولي والأمم المتحدة ينبغي أن نذكر وننبه الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإعلان الصادر بشأن الألفية فيما يتعلق بكفالة تقديم المساعدات لجميع السكان المدنيين الذين يعانون بصورة جائرة من آثار الكوارث الطبيعية وعمليات الإبادة الجماعية والصراعات المسلحة وغيرها من حالات الطوارئ الإنْسَانية، وَعن تنفيذ الأمم المتحدة لقراراتها في توسيع نطاق حماية المدنيين وتعزيز هذه الحماية وفقاً للقانون الإنْسَاني الدولي وَحماية المستضعفين بكفالة تقديم المساعدات والحماية الممكنة إلى السكان المدنيين الذين يعانون بصورة جائرة من آثار الكوارث الطبيعية، ولذلك نقول هذا هو الواقع الذي نعيشه وهذه هي الظروف التي نمر بها وهذا هو الحصار الخانق الذي نواجهه وتلك أدبياتكم ومبادئكم ومواثيقكم لم نرَ منها إلا أحباراً على أوراق..
قال تعالى (قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ، فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ، إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ).