ميلادُ النور المتجدّد .. بقلم/ حمود أحمد مثنى
التبشيرُ بميلاد سيد الأنبياء والرُّسُلِ محمدٍ صلى اللهُ عليه وآلَه وسلم كان مع دعوة الأنبياء كي تتهيأ الإنْسَـانية عبر الاجيال لاستقباله، كان ذلك في صحف إبراهيم وآيات موسى التوراتية وترنيمة داوود وبشارة عيسى في الانجيل علي جميع الرسل والأنبياء الصلاة والسلام منذ آلاف السنين وهي باقية مع اتباعهم إلى آخر الزمان وفي اللحظة الزمنية التي ظهر فيها سيدنا محمد صلى لله عليه وآله وسلم إلى الوجود بحث أحبار يهود يثرب عمن رُزِق ولداً فيهم قائلين: يا معشر يهود لقد وُلد نجم محمد، من رزق منكم بغلام هذه الليلة؟ لم يجب أحد في كُـلّ تجمعاتهم الاستيطانية في الأرض التي هاجروا إليها الموصوفة في كتبهم بصحراء أشجارها النخيل؛ لكي يستقبلوا آخر الأنبياء والرسل فيها (على الاعتقاد أنه منهم)، كانت الفاجعة الكونية الأعظم بالنسبة لهم لم يعد منهم أَوْ فيهم النبوءة فتأريخ الإنْسَـانية سوف يتغير على غير هواهم فالمكيدة والحيلة والخداع له ولأتباعه كما قال حُيي بن أخطب مخاطباً أخاه بعد التيقن من صدق نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
ولما رأى رهبان النصارى في أطراف الشام ومصر من تغيير معالم السماء أدركوا بأن بيزنطةَ مصيرها الأفول والجلاء عن أرض الأديان فقد بشّرهم النبي عيسى عليه السلام (بأن نبيَّ آخر الزمان سيأتي من بعده واسمه أحمد فَالحذرَ من عصيانه ومخالفته) فأعدوا مكيدة لكي يقتلوا عيسى؛ لأَنَّه بشّر بالنبي من أبناء النبي إسماعيل عليه السلام فمضى الزمان وتغير المكان فاحتفلت ملائكة السموات بيوم ميلاده ولم تحتفل بأحد من البشر قبله وبعده ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) فأمه آمنة عليها السلام لم تشتكِ مما تشكو منه نساء العالمين في الحمل والولادة اكراما لها؛ لأَنَّها حملت النور الذي من أجله مُلئت السماء حرساً وشهباً في وجه الشياطين إلى الأبد وعصمه اللهُ من الناس وهو الذي صعد إلى السماوات العُلَى جسداً وروحاً دون أن يتشرف بذلك أحدٌ ممن خلق الله فكان (فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ) وجمع الله الأنبياء والرسل في بيت المقدس ليتشرفوا ويقروا ويسلموا بإمامة سيد الأنبياء على العالمين، جاع فعصب على بطنه وتدمى قدماه وكُسرت إحدى ثناياه من أجل الإنْسَـانية كلها. (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ، وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) استثناه الله بالوصف (العظيم) فخاطبه الله (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ)..
ومحمد سيد الخلق كانت علاقته وطبيعته وسلوكه مع المؤمنين قوله تعالى:
(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) من صفات الله التي اختص بها محمداً صلى الله عليه وآله وسلم.
وميّزه الله سبحانه وتعالى بأنه سينعم عليه بعطاء يرضيه (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) فلم تكن رسالته لشعب بعينه مثل بني إسرائيل أَوْ أمة من الناس، فقبل مولده بقرون ارتحل بعضُ قبائل اليمانيين إلى الأرض التي ستكون مستقرَّ هجرته وأجزل الملك سيف بن ذي يزن العطاء لجده عبدالمطلب؛ إكراماً للنبي فأخواله من اليمن وهم أنصارُه وأنصارُ حفيده، فذكر النبي بالصلاة عليه عند اليمنيين (نور وفرج وهداية وصلح وعبادة وحصن وسكينة) وهم أول من احتفل به من البشر وآمن به قبل بعثته سلمان الفارسي وصهيب الرومي وعمار بن ياسر وبلال الحبشي وهم أبناء أمراء وملوك تحملوا ذل العبودية وإهانة الناس وإيذاءهم؛ تعظيماً لسيد الكون فكان لهم ولأقوامهم من إكرام النبي الخاتم ما يستحقون من رفعة وعزة في الحياتين الدنيا والآخرة، فبشّر آل ياسر بالجنة فكانوا السابقين من البشر إلى الجنة، وعمار يُعرَفُ به الحق وضم سلمان إلى آل البيت عليهم السلام، بهذا الفعل ضم قوم سلمان إلى الإسْلَام وصعد بلال إلى سقف الكعبة دون أحد من أشراف العرب فكانت أفريقيا القارَّة الوحيدة التي يغلب عليها الإسْلَام، وأعلن في الإنْسَـانية بأن ربحَ الرأسمال في البيع هو بيعُ صهيب الرومي.
وميلادُه يتجدّدُ برحمة الله واللطافة ونصر وتأييد رباني لكل أمة تحتفلُ بميلاده وتتبعُ قُرْآنه، فقد فرض وأمر بالصلاة عليه في كُـلّ زمان ومكان: (إِنَّ اللَّه َ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).