هل أنهت واشنطن حربَها غير المعلَنة في اليمن؟ بقلم الدكتور/ حسن مرهج
لم تعد الحربُ على اليمن تُحسب بعدد السنوات، فالذي حدث في اليمن وصمة عار على جبين الأمة العربية وَالاسلامية، فهذا التحالف الإرهابي ضد الشعب اليمني الأعزل لم يتمكّن بالرغم من آلاف الأطنان من الأسلحة التي أُلقيت على الشعب اليمني، لم يتمكّن من تحقيق أي مُنجز عسكريّ، وَإن كان آل سعود يدّعون بأن هذه الحربَ لإعادَة الشرعية إلى اليمن، فقد بات واضحاً أن هذه الحرب لم تكن سوى انتقام أحمق لا يملك إلا الأذى للشعب اليمني، فبأي حق يقوم آل سعود باستهداف اليمن وَاليمنيين، وَيمنعون عنهم المساعدات الإنسانية وَالطبية وَالإغاثية، وَبإشراف مباشر من واشنطن، وَعليه يمكننا القول بأن هذه الحرب ما هي إلا استعراض قوة أمريكي وَتنفيذ سعوديّ.
منذ بداية الحرب الهمجية على اليمن، كان هناك ضوءٌ أخضرُ أمريكيٌّ للإجرام السعوديّ، لكن اليوم وَمع تغير حسابات الغرب وَتطلعاتهم الاستراتيجية نحو الشرق الأوسط، بدأت تتعالى الأصوات المندّدة بالإرهاب السعوديّ في اليمن، حتى أن مراكز الدراسات الغربية حذرت مما أسمته التمادي السعوديّ بدعم الإرهاب في اليمن وَسوريا وَالعراق، ما يُفسر جلياً تصريح وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس بضرورة وقف الحرب على اليمن وَجلوس كافة الأطراف على طاولة المفاوضات، كما حث وزير الخارجية الأمريكي ما أسماه التحالف السعوديّ الإماراتي على وقف استهدافاته الجوية ضد المدنيين وَالمناطق المأهولة، في مقابل إيقاف الحوثيين استهدافاتهم الصاروخية ضد مناطق حيوية في السعوديّة وَالإمارات، مشدداً في الوقت ذاته على البدء بعملية المفاوضات التي دعا إليها المبعوث الأُمَـمي إلى اليمن مارتن غريفيث.
الواضحُ أن تصريحات المسؤولين الأمريكيين تحمل رسائل مبطنة للدعم الذي يقدمه ترامب لولي العهد السعوديّ، وَمن جهة أخرى هي تصريحات تحذيرية للرياض من أجل كبح جموحهم الإرهابي الذي لا طائل منه، وَلكن إن تعمقنا أكثر في مضامين التصريحات الأمريكية الداعية لإيقاف حرب اليمن، نجد أن هناك الكثير من المعطيات التي أدت بدورها إلى الاعتراف بالهزيمة لمحور العدوان على اليمن، فضلا عن أن قضايا مستجدة أدّت إلى التغير المفاجئ في الموقف الأمريكي، وَلا شك بأن قضية الصحفي السعوديّ جمال خاشقجي الذي قُطعت جثته داخل قنصلية بلادة في اسطنبول، أرخت بظلالها السياسيّة الضاغطة على الإدارة الأمريكية أمام الرأي العام العالمي، وَبذلك باتت واشنطن في زاوية الأمر الواقع، بمعنى أنها باتت مجبرة على رفع الغطاء عن آل سعود، فضلا عن أن المستقبل السياسيّ لترامب بات مهدّدا جراء دعمه للحرب السعوديّة على اليمن، خَاصَّـة وَأن انتخابات الكونغرس النصفية لم تكن لصالح ترامب وَحزبه، وَبات ترامب مضطرا للبحث عن سياسيّة داخلية وَخارجية جديدة، لترميم انكساراته في العديد من القضايا الدولية وَالإقليمية، وَعلى ما يبدو أن ترامب استشف مبكرا خسارته في هذه الانتخابات ليطالب وَبشكل علني ضرورة إنهاء حرب اليمن.
وَمن المفيد التذكير بأن قضية الأمراء وَالمسؤولين السعوديّين المحتجزين، لا تزال تتفاعل دولياً، وَمن الواضح أن هذه القضية ستأخذ أبعادها في الفترة المقبلة، حيث أن محمد بن سلمان ما كان ليجرؤ على هذه الخطوات لولا الإشارة المباشرة من واشنطن، فهذا يمكن تصنيفه بالإرهاب الدولي، ناهيك عن قضية احتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، وَالوساطة الفرنسية التي أفضت إلى إطلاق سراحه، وَبالتالي نلاحظ أن المجتمع الدولي لم يعد بإمكانه السكوت عن تعاظم إرهاب آل سعود، حتى أن واشنطن بدأت بمناورات للتنصل من دعمها للسعوديّة، السعوديّة التي ابتعدت عن واقعها العربي وَالاسلامي، لترقى إلى مستوى الدول المارقة.
في المحصلة، يبدو أن واشنطن قد خسرت أَهْدَافها الاستراتيجية في اليمن، وَمن غير المفيد الاستمرار بالتغطية على أدواتها صاحبة العدوان على اليمن، وَمن جهة أخرى لم يتمكّن ترامب من منع روسيا وَايران وَالصين الاستفادة من موقع اليمن الاستراتيجي عبر فرض السيطرة الأمريكية على مضيق باب المندب، بل على العكس بات ترامب وَأدواته في عنق زجاجة اليمن، وَباتوا في طريق مسدود مع انعدام الخيارات، وَلا بد لـ واشنطن من البحث عن طريقة للخروج من اليمن، أقله لحفظ ماء وجهها أمام المجتمع الدولي.