تحذيرات أممية ودعوات غربية: شفرة أخرى للتصعيد واستهداف ميناء الحديدة!
المسيرة: إبراهيم السراجي
لم تمر سوى ساعاتٍ على تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، أمس الاثنين، محذّراً من كارثة قد تحدث في حال جرى استهدافُ ميناء الحديدة، المنفذ اليمني الوحيد الذي يغذّي أكثرَ 20 مليون يمني باحتياجاتهم، إلا وأقدم العدوانُ الأمريكي السعودي على استهدافه، في تحدٍّ للتحذيرات الدولية، أو أن تحالُفَ العدوان فهم تلك التحذيرات على أنها “شفرة” أخرى للاستهداف على غرار الدعوات الأمريكية لوقف الحرب والتي أعقبها تصعيدٌ غير مسبوق في من قبل الغزاة والمرتزِقة في الساحل الغربي بهدف احتلال الحديدة.
وأفادت المصادرُ المحلية في الحديدة بأن طيران العدوان استهدف الميناءَ بعدة غارات جوية أسفرت عن أضرار مادية جسيمة، بالإضافة لوقوف إصابات في صفوف المدنيين، تزامناً مع استمرار القصف الوحشي المتواصل من قبل طائرات وبارجات تحالف العدوان على أحياء مدينة الحديدة.
هذا الاستهداف أعقب تحذيرات الأمين العام للأمم المتحدة في مقابلة مع إذاعة “فرانس انتر” قال فيها إنه “إذا حصل تدمير للميناء في الحديدة، فقد يؤدي ذلك إلى وضع كارثي بالتأكيد”، مذكراً بأن “اليمنَ يعيشُ في الأصل وضعاً إنسانياً كارثياً”.
غوتيريس اعترف بعرقلة تحالف العدوان للحل السياسي، عندما أكّد على ضرورة وقف القتال في اليمن، مضيفاً أن تحالف العدوان يصر على احتلال الحديدة، معتبراً أن ذلك “يعرقل بدءَ حَـلٍّ سياسي فعليٍّ”.
كما أن تحالفَ العدوان مهّد للاستهداف ميناء الحديدة في تصريحات قبل أيام عندما وجّه الناطق باسمه اتهاماتٍ مضللةً للجيش واللجان بسعيهم لتفخيخ الميناء، لكنه تراجع، أمس الاثنين، في مؤتمر صحفي وقال إنه كان هناك مخاوفُ لدى حكومة المرتزِقة من احتمال حدوث ذلك، تراجُعٌ تزامن مع إقدام طيران العدوان على استهداف الميناء، وهو ما يؤكّد صحة ما جاء على لسان الناطق الرسمي لأنصار الله محمد عبدالسلام في تعليقه على التصريحات الأولى لناطق العدوان، معتبراً في ذلك الحين أنها “تبشيرٌ بتدمير البُنَى التحتية واستهداف ميناء الحديدة وخزانات النفط”.
وفيما لم تعلق الأمم المتحدة لحدِّ الآن على جريمة استهداف الميناء، قال رئيس اللجنة الثورية محمد علي الحوثي إن “تعمد قصف ميناء الحديدة اليوم بعد تحذير أمين عام الأمم المتحدة هو رسالة تحدٍّ من دول العدوان”، معتبراً أن القصفَ يأتي “ضمن الخطّة المقرة من قبل الأمريكيين”، مؤكّداً أن ذلك “دليلٌ على استهتار دول العدوان بالمجاعة وعدم الاعتراف بالدور الأممي”.
وبالنظر إلى توقيت استهداف العدوان للميناء فإنه -ومن خلال تجاربَ سابقةٍ- عودةٌ من قِبَلِه إلى استخدام ورقة التجويع والحصار في ظل تعثره العسكريّ على امتداد الساحل وفشله في تحقيق أي اختراق استراتيجي، إضافة إلى مقتل وإصابة الآلاف من عناصره في فترة وجيزة وإحراق المئات من آلياته.
ومرة أخرى يقدم طيران العدوان على التصعيد، ولكن هذه المرة باستهداف الميناء؛ بهدفِ تشديد الحصار والتجويع، تزامناً مع تجدّد الدعوات الأمريكية والغربية لوقف القتال في اليمن، وهو يؤكّد أن تلك الدعوات مجرد تغطية على جرائم العدوان ولفت الأنظار عنها بالحديث عن السلام الذي يتم التعبير عنه ميدانياً بالجرائم والتصعيد، رغم امتلاك واشنطن والعواصم الغربية الأدواتِ والنفوذَ، بما تقدمه من دعم للعدوان، لاتخاذ قرار مُلزِم بوقف العدوان.
وفي سياق هذه الدعوات التي باتت مكشوفة وتتناولها الصحف الغربية، قالت الخارجية الأمريكية في بيان، أمس: إن الوزير مايك بومبيو “جدّد دعوةَ أمريكا لوقف القتال في اليمن ولتفاوض الأطراف للتوصل إلى حَـلّ سلمي”.
من جهته، طالب وزير الخارجية الفرنسي، جان ايف لودريان بوقف فوري للقتال، وقال مقابلة أجرتها معه إذاعة فرانس2 الفرنسية إنه “يجبُ على المجتمع الدولي أن يقولَ كفى للحرب في اليمن، هذا ما سبق وقلناه وما قالته الولايات المتحدة وبريطانيا”، مؤكّداً أنه “لن يكون هناك منتصر في هذه الحرب لهذا يجبُ وقف تغذية هذه الحرب القذرة” بحسب وصفه.
وعلى غرار نظيرَيه الأمريكي والفرنسي، قال وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت، خلال زيارته، أمس للعاصمة السعودية، إنَّ “التكلفة البشرية للحرب في اليمن هائلة في ظل ملايين المشردين والمجاعة والأمراض وسنوات من إراقة الدماء، والحل الوحيد الآن هو اتخاذ قرار سياسي بتنحية السلاح والسعي إلى السلام”، مضيفاً أنه سيزور عدداً من الدول الخليجية؛ “لمطالَبة جميع الأطراف بالالتزام بهذه العملية”.
كذلك صدر بيان عن الاتحاد الأوروبي أكد أن “استهداف ميناء الحديدة يفاقم معاناة المدنيين”.
وتعد كُـلّ من أمريكا وبريطانيا وفرنسا على التوالي، أبرزَ الدول الغربية المتورطة في العدوان على اليمن، وهو ما يضاعف الشكوكَ حول حقيقة الدعوات الصادرة عنها لوقف الحرب، خصوصاً أن تلك الدعوات يعقبها تصعيدٌ ميداني أكبرُ، فيما تستمر تلك الدول في تقديم دعمها العسكريّ للعدوان وكذا عرقلة صدور قرار ملزم من مجلس الأمن لوقف العدوان بصفتها دائمة العضوية وتملك حق النقض “الفيتو” والنفوذ الأكبر لإصدار قرار من هذا النوع.