هل تلعب واشنطن آخر أوراقها في معركة الحُديدة قبل وقف النار؟ بقلم/ قاسم عز الدين
أكبرُ مأساة في العصر نتيجة الحرب السعودية الإماراتية على اليمن، لم تعد واشنطن قادرة على تغطيتها في دعمها للعدوان. ولم تعد الدول الغربية الأُخْرَى كبريطانيا وفرنسا تستطيع أن تستمر في صمّ آذانها من أجل بيع الأسلحة للسعودية.
فضيحةُ السعودية في قتل خاشقجي، عرّت السعوديةَ في كشفها أن النظام الذي أنشأ فرقةَ الموت لملاحقة الناشطين والمعترضين وتقطيع أوصالهم، هو النظام الدموي الذي يرتكب المجازر في اليمن بقتل المدنيين وتجويع الأطفال والشيوخ. ففي قضية خاشقجي يتفلّت حتى الآن محمد بن سلمان من الملاحقة والمحاكمة؛ بسببِ الحماية التي يتلقاها من ترامب وكوشنير، وبسبب البازار التركي الذي يكتفي بتسريب المعلومات غير الرسمية ولا يُقدِم على إنشاء هيئة اتهامية لمحاكمة المتهمين، ولا يتقدّم خطوة أكثر من التهديد في الطلب من الأمم المتحدة التحقيق مع المتهمين ومحاكمتهم.
لكن الحائطَ المسدودَ أمام الوصول إلى ابن سلمان في قضية خاشقجي، أعطى دفعاً قوياً للمنظمات الإنْسَانية والناشطين والبرلمانيين للنيل من محمد بن سلمان في قضية اليمن والضغط لوقف الحرب وإنقاذ ملايين الأطفال من الموت جوعاً وتحت القنابل.
على هامش اجتماع باريس بمناسبة انتهاء الحرب العالمية الأولى، تعقد 35 منظمة إنْسَانية دولية مؤتمراً بمشاركة 40 برلمانياً فرنسياً للضغط على الحكومة الفرنسية الرافضة وقف بيع السلاح للسعودية. وفي هذا المؤتمر ندّد كمال الجندوبي باسم خبراء الأمم المتحدة بالحرب على الحديدة.
وفي السياق تندلع مظاهرات ضد السعودية في شوارع لندن. وتتنامى النشاطات المتتالية في النرويج وفي ألمانيا التي أدّت إلى تعليق مبيعات السلاح والمطالبة بوقف إطلاق النار.
المنظمات الإنْسَانية تحذّر من مأساة 14 مليون شخص على حافة المجاعة. وهو ما دفع برنامج الأغذية العالمية إلى المباشرة بتوزيع الغذاء على الرغم من حدّة المعارك في الحديدة “لأن الوضع الآن أكثر إلحاحاً” بحسب بيان الدعوة إلى زيادة المساعدات.
الضغوطُ المتعددة أجبرت الإدارة الأميركية التي تحمي ابن سلمان في قضية خاشقجي، على الانحناء مع الضغوط في إعلان ترامب “أن السعوديين أساؤوا استخدام أسلحتنا في اليمن”. وفي هذا الإطار تحدّث جيمس ماتيس عن معالم مبادرة حل تفاوضي. كما طالب مايك بومبيو “جميع الأطراف الجلوس إلى طاولة حوار لأنه لا وجود للنصر العسكري”، بحسب تعبيره. وفي هذا السياق يسعى مارتن غريفيث إلى عقد مفاوضات في السويد خلال مهلة 30 يوماً حدّدها بومبيو، من المفترض أن تنتهي في آخر شهر ت2/ نوفمبر.
قبل نهاية المهلة المحدّدة، تسعى واشنطن إلى احتلال ميناء الحديدة في دعمها للهجوم السعودي – الإماراتي على المدينة. في هذا الصدد يذكر موقع “أنتليجنس أون لاين” الفرنسي أن خبراء من وزارة الدفاع الأميركية خطّطوا لهجوم الحديدة في اجتماعهم مع ضباط سعوديين وإماراتيين في الرياض التي تسلّمت لهذه الغاية طائرتي مراقبة واستطلاع إضافيتين. ولا يُعرف إذَا كانت هذه التسريبات دقيقة أم أنها في إطار الضغوط على واشنطن والسعودية لوقف الحرب.
التحالف السعودي يجمع كل القوات الموالية التي تشنّ أعنف القصف في تدمير البنية التحتية، خلافاً لحديث الإدارة الأميركية والمتحدث باسم الخارجية روبرت بالادينو. فهذه القوات تحاول الوصول إلى طريق الشام، وهو الطريق الإضافي بين الحديدة وصنعاء، بعد فشل محاولتها احتلال مستشفى الثورة قرب سوق السمك وقصف شركة مطاحن البحر الأحمر التي تزوّد ملايين اليمنيين بالقمح.
الدعمُ الأميركي للتحالف السعودي في معركة الحديدة، يحلم بإمكانية احتلال الميناء أملاً بأن تتحكم السعودية بالغذاء ضد الجيش اليمني وأنصار الله. ولهذا يعمل التحالف على قصف المطاحن ومصنع “اليمني” للمواد الغذائية جنوبي مدينة الحديدة.
وهذه المراهنة تستهدف الحلم الأقصى فيما تسميه واشنطن “حملة إنهاء الحرب”، بحسب “واشنطن بوست” التي كشفت سبب مساعي واشنطن لتصنيف “أنصار الله” على لائحة الإرهاب وتسجيل الانتصار في اليمن على إيران.
لكن إذَا لم تنجح واشنطن في احتلال الحديدة ومينائها خلال المهلة المحدّدة القابلة للتمديد حتى نهاية السنة الحالية، يحلم ترامب في الاتّفاق على وقف إطلاق النار والتباحث بشأن الحكم الذاتي في الشمال وإقامة مناطق عازلة على الحدود مع السعودية، كما أشار بومبيو.
ولا تحتسب هذه المراهنات كرة الثلج التي تنطلق ضد السعودية والإدارة الأميركية، لوقف الحرب وإنقاذ ملايين اليمنيين من حافة الجوع. ولا تحتسب قدرة الجيش اليمني وأنصار الله على صد العدوان وأضغاث الأحلام.