لماذا يُصرّ تحالف العدوان على استنزاف وحداته في اليمن؟ بقلم/ شارل أبي نادر
ليست المرة الأولى التي تترافقُ فيها الدعوةُ الدولية أَوْ الإقليمية لوقف الحرب والذهاب نحو التفاوض والتسوية السياسية في اليمن، مع التصعيد العسكري وتفجير جبهات المواجهة والحشد الواسع.
المحاولةُ الأخيرةُ اليومَ تهدفُ إلى السيطرة على مواقع أَوْ مناطق يتواجد فيها الجيش واللجان الشعبيّة، وهي التي تشهد أشرس المعارك الدائرة في اليمن منذ قرابة الأربع سنوات.
هذه المناورةُ رأيناها سابقاً في معارك الجنوب (عدن ولحج) عند بدايات العدوان على اليمن، ولاحقاً في مأرب والجوف، وبعدها في نِهْم شمال شرق العاصمة صنعاء، ومواجهات الساحل الغربي الاستراتيجية أَيْضاً، وكان يسبقها أَوْ تترافق عملياتها مع دعوات ملغومة ومشبوهة للتفاوض، في الوقت الذي كان يتم فيه حشد ونشر الوحدات العسكرية المختلفة ومحاولة التقدم والسيطرة، ويمكن تحديد أسباب هذه المناورة بالتالي:
– الخداع الذي يلجأ إليه تحالفُ العدوان؛ بهدفِ محاولة تخفيف تركيز الجيش واللجان الشعبيّة في الدفاع أَوْ المواجهات على جبهات الداخل وجبهات ما وراء الحدود، أَوْ بهدف إلهاء قادتهم عن مواكبة العمليات العسكرية، ومحاولة تحويل اهتمامهم أكثر لتحضير الناحية السياسية أَوْ التفاوضية.
– التصويب الإعْـلَامي الواسع لتأليب الرأي العام ضد الجيش واللجان الشعبيّة لناحية اتهامهم برفض التسويات السياسية، وذلك بعد تضمين دعوات التفاوض شروطاً مستحيلة، تتعارض مع الميدان ومع وضعية الجبهات ومع الواقع السياسي والعسكري في اليمن، بحيث لن تكون مقبولة لأنها تشبه الاستسلام.
– محاولة انتزاع أكبر قدر ممكن من المناطق أَوْ المواقع قبل التفاوض فيما لو سلك، على اعتبار أن ذلك يؤمن نقاطاً إيجابية تستخدم لمصلحة العدوان عند المفاوضات.
من جهة أُخْرَى، وبالعودة إلى الميدان الملتهب اليوم، ما يجري حالياً على جبهات الساحل الغربي، وتحديداً في الحديدة ومحيطها، من معاركَ شرسة ومواجهات عنيفة، لا يبتعد كثيراً عما حدث في أغلب جبهات المواجهة خلال الحرب على اليمن، والذي يمكن تلخيص مضمونه من الناحية العسكرية والميدانية بما يلي:
– خلال جميع المواجهات التي خاضتها وحدات الجيش واللجان الشعبيّة في اليمن، برهنت أنها لا تستسلمُ مهما كان حجم العدوان، ومهما كان يتمتع من قدرات عسكرية متطورة جوية أَوْ بحرية أَوْ برية. وكانت هذه الوحدات دائماً تتبّعُ مناورة مركّبة، من الثبات في المواقع، حيث يسمح الميدان والوقائع العسكرية، أَوْ من خلال إعَادَة الانتشار أَوْ الانسحاب التكتيكي، حيث تقضي مناورة الاستدراج أَوْ الايقاع بالعدوّ أَوْ جره وسحبه إلى منطقة قتل أَوْ بقعة روع؛ بهدف إيقاع أكبر قدر ممكن من الاصابات في وحداته، وقد رأينا ذلك في مواجهات ما وراء الحدود بين عسير ونجران وجيزان، أَوْ في جبهات الداخل، في الوسط والشرق أَوْ على الساحل الغربي.
– مثلما برهنت وحداتُ الجيش واللجان الشعبيّة اليمنية، أنها تبرع في الاستفادة من خبراتها القتالية في الجبال، برهنت أيضاً أنها تتقن عمليات الاستنزاف في المناطق الساحلية والسهلية، ومجزرة الاستنزاف المتواصلة لوحدات العدوان على الساحل الغربي، والتي سقط له فيها عدد كبير من الخسائر في العديد والعتاد، هي أكبر دليل على ذلك.
– في متابعة للوقائع العسكرية والميدانية لأغلب جبهات المواجهة الحساسة، وأهمها في حرض وميدي على الساحل الشمالي الغربي اليمني، أَوْ في الوسط في منطقة نهم على مداخل العاصمة صنعاء الشمالية الشرقية، كانت وحدات الجيش واللجان الشعبيّة تناور في عمليات الاستدراج أَوْ عمليات إعَادَة الانتشار في مواقع تعتبرها غير مفصلية، والتي يمكن استهداف العدوان عليها بفعالية، وكانت في المواقع المفصلية والحيوية والتي تعتبرها خطاً أحمر في الدفاع، تصمد وتثبت وتتماسك بشكل لافت، مهما كان حجم قوى ووسائط العدوان ضخماً وكبيراً.
انطلاقاً مما سبق، أولاً لناحية عرض عناصر مناورة العدوان الدائمة، في إطلاقه المبادرات للتفاوض بالتزامن مع تصعيده العسكري على جبهات حساسة، وثانيا لناحية طبيعة وخصوصية ما ميّز ويميّز طريقة قتال الجيش واللجان الشعبيّة اليمنية، يمكن استنتاج ما يلي:
أولاً: لم تعد مناورة العدوان (الخداع من خلال عرض التفاوض بالتزامن مع التصعيد العسكري) تنطلي على وحدات الجيش واللجان الشعبيّة، بالتالي أصبحت دون أي معنى وقدرة على التأثير في الميدان وفي المواجهات العسكرية.
ثانياً: لن يتغير شيء في مواقف أَوْ في مفاهيم أَوْ قرارات الجيش واللجان الشعبيّة، مهما سيطر العدوان على مواقعَ أَوْ على مراكزَ، وستبقى لديهم ميزة القتال والصمود والمواجهة ثابتة حتى الوصول إلى حل عادل وتسوية سياسية متوازنة تحفظ حقوق ومواقع الجميع.
ثالثاً: لقد برهن الميدان وأثبتت الوقائع العسكرية في جميع المواجهات في اليمن، أن معارك العدوان مهما كانت قاسية وعنيفة ومهما وضع لها من جهوده ومن امكانياته، لن تكون إلّا فرصة لاستنزاف وحداته ومرتزِقته، ومهما طالت الحرب وناور رعاتها، لن تكونَ إلّا مضيعة للوقت وتأخيراً للحل والتسوية.
أخيراً، وحيث أن هذه المواجهة العنيفة التي يشهدها الساحل الغربي اليمني اليوم قد تكون الفرصة الأخيرة التي أعطيت للعدوان لتحسين نقاطه، وسيخسرها طبعا كعادته، يبدو أن المجتمع الدولي الغائب الاكبر عن الجرائم، أَوْ المتواطئ الأكبر في العدوان، لم يعد يملك الامكانية لتغطية جريمة العصر هذه التي ترتكب في اليمن، والأخير بإذن الله سائر نحو الحل العادل الذي فرضه أبناؤه بصمودهم وبدماء شهدائهم.