المعركة الفاصلة .. بقلم/ صلاح الدكاك
أهميّةُ مثّلث الشرفة المائية المؤلفة من البحرَين الأحمر والعربي دولياً، تتجلّى بصورةٍ أوضح في السعي العسكري المباشر الأمريكي الصهيوني للاستحواذ عليها باحتلال (عدن- تعز- الحديدة) وَتتيح حالة الصمود والمواجهة الفذة على الجانب اليمني متنفساً لتعبير دول أخرى عن مخاوفها من هذا الاستحواذ عبر تأليف روابط تعاضدية ثنائية ومتعددة الرؤوس تعمل على مناكبة أمريكا مائياً؛ بغية كبح مسعاها الاستحواذي لجهة قسرها على توسيع دائرة تشاطر المصالح دولياً بمحدّدات توافقية غير تلك المحدّدات الأُحادية التي تحكُمُ بها أمريكا الخارطة العالمية منذ وراثة الكوكب عام 1990-1991 وقبولُ أمريكا بذلك يعني دخولَها في طور الاحتضار كإمبراطورية كونية أُحادية الهيمنة وضعت سقفاً نهائياً لـ(التأريخ البشري) قوامُه التجربةُ الأمريكية (المُثْلَى) في كُـلّ المجالات والمناشط البشرية.
إن معرفةَ ذلك مفيدةٌ جداً لجهة إدارة القيادة الثورية لريوع الصمود اليمني على نحو أمثل لا سيما بحراً والتداعيات غير المرئية التي يحدثها ويحركها هذا الصمود الواعي في فضاء العلاقات الدولية، بما يعمق تناقضاتها المخبوءة خلف كياسة منافقة إزاء مقامرات أمريكا.
اليابان – مثلاً – كحال روسيا لم تندمل جراحات مآلها المهين من امبراطورية قارية إلى دولة تحت الوصاية الأمريكية يتعين على شعبها نكران هُويته القومية لإثبات سلامة نواياه إزاء الغرب وتأكيد التزامه التام بجوهر بنود وثيقة الاستسلام، وهكذا الحالُ بالنسبة لروسيا السوفياتية وألمانيا (الرايخ النازية) بفارق أن الأخيرةَ تنتمي لسياق النشأة الصناعية الأوربية بكل تراكماته القيمية وملابساته التأريخية التي أفضت للتناحر اللاحق بين أقطاب النهضة الصناعية الغربية في طورها البورجوازي القومي؛ بُغيةَ حسم السيادة على الأسواق الإقليمية والخامات والموارد وتأمين الصناعات القُومية من جائحة التنافس العابر للحدود البينية الأوروبية بعضها البعض ثم حدود المصالح الاستعمارية خارج أوروبا.
إن قدراتِ الرد البحري اليمني مع تقنين اللجوء إليها في المعركة بوعي يستشرف أثر إدراك العالم لهذه القدرات ويرصد ما تستدعيه من تناقضات دولية ومخاوفَ معلَنةٍ إزاء كارثية المقامرة الأمريكية في هذه الشرفة المائية الأهم والواصلة بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، هو أمرٌ يثمّن هذه القدرات لجهة إمْكَانية انتزاع الاعتراف بسيادة اليمن على بره وبحره وجوه. والسعي الدولي لإقامة صلات ندية دولية مع قيادته الثورية والسياسية كنتاجٍ للقليل من المدخلات العسكرية المدمجة في المعركة ذات المردود السياسي الوفير.
في هذا السياق تتجلى أهميّة معركة الحديدة بالنسبة للعدو الغازي وبالنسبة للمدافعين عن الأرض والسيادة على حدٍّ سواء… فهي بالنسبة للأول (العدو الأمريكي ) معركةُ وجود يكونُ بنتائجها قطباً أُحادياً يطوِّعُ خارطة العالم وفقَ مشيئته أو لا يكون سوى حدود مصالحه القُطرية القومية، وبنتائج ذات المعركة وجدارة إدارتنا العسكرية والسياسية لها نكون بلداً مستقلاً ودولة وازنة ومؤثرة في واقع المنطقة والإقليم وحاضرة بندية في الفضاء الدولي أو لا نكون إلا ما كنا عليه قبل ثورة 21 أيلول وأسوأ من ذلك كانتونات ممزّقة عاجزة بالقصور الذاتي عن أن تستغنيَ في وجودها عن وُصَاة خارجيين وكنف حمائي أجنبي يقيها بأسَ بعضها مقابل أن تتحول إلى منفضة لنزواته ووقودٍ مجانيٍّ لمقامراته العابرة للحدود.