اليمن.. بين “الانقلاب” والثورة .. بقلم/ صفوان سلام
هل قد سمع أحدٌ أَوْ قرأ عن دولة في التأريخ أُسقطت بفعل فاعل أَوْ (بانقلاب)؟ الانقلاب إذَا نجح يُسقِطُ حكومةً ولا يُسقِطُ دوله. الثورة تُسقِطُ نظاماً ولا تسقط دولة. ما يسمى بثورة 11 فبراير أسقطت نصف نظام ولم تستطعْ أن تكمل. وخلقت شبهَ فراغ وفوضى ولم تَبْنِ نظاماً بديلاً. إذَا كان الحوثيون قد أسقطوا دولة فما قاموا به أَكْبَــرُ من ثورة. بل معجزةٌ تخرق قوانينَ التأريخ وطبائع العُمران.
الدولُ تسقُطُ بذاتها لا بفعل فاعلٍ، وتنهار من داخلها أَوْ لعواملَ موضوعيةٍ من خارجها، وَفي حالات وظروف معينة ومحدّدة.
إذَا انتهى عمرها الطبيعي؛ لأَنَّ للدول أعماراً (نظرية الدورة العصبية وأعمال الدول للعلامة ابن خلدون) وصعدت عصبية جديدة.
إذا كانت دولة فاشلة (الدول تمرض وتفشل)..
غزوٌ خارجي قد يُسقِطُ الدولةَ ولكن ليس بالضرورة. اليابان مثلاً ضُرِبَتْ بالقنابل النووية ولكن الدولةَ صمدت. ولكن نظام الرايخ في ألمانيا انهار وقُسِّمت الدولة الألمانية.
إذا تفسّخت الحضارةُ أَوْ الثقافةُ الحاملةُ وأدّى إلى انهيار اجتماعي (الإمبراطورية الرومانية، الخلافة العباسية… إلخ).
منطقياً إذَا كانت مليشيا توصف بأنها أقليةٌ أَوْ هامشيةٌ أسقطت دولةً، فهذا يعني أن هذه المليشيا أقوى من الدولة. هذه الحُجَّةُ تعطي المليشيا قيمةً أَكْبَــرَ من حجمها وقدرتِها.. وهو تناقض.
إذا سقطت دولةٌ بيد مليشيا أَوْ عصبية (بالمعنى الخلدوني) أَوْ حركة اجتماعية، أَوْ قوة سياسيّة… إلخ. هذا يخلُقُ فراغاً والطبيعةُ تكرهُ الفراغَ. هذا يعني أن الفراغَ الناجمَ عن سقوط الدولة ملأته هذه القوةُ، ولا يحصل ذلك إلّا إذَا كانت مؤهَّلةً أَكْثَــرَ من غيرها لملء هذا الفراغ. وهذه يضفي عليها مشروعيةً أَكْبَــرَ من الناحية الفعلية؛ لأَنَّ الإمساكَ بالسلطة وحفظ الأمن مهما تكن القوةُ التي تقومُ بذلك أفضلُ من الفراغ وما ينجم عنه من فوضىً ومفاسِدَ في حالة انهيار الدول ويجعلُ من الإمساك ِبالسلطة ضرورةً بل واجباً على أية قوة قادرة على ذلك. وهذا يزيدُ من ميزان حسناتها وليس العكس.
هذا إذَا كانت الدولة هي فعلاً التي سقطت أَوْ انهارت وخلفت فراغاً دستورياً أَوْ سياسيّاً، وليس السلطة السياسيّة أَوْ النظام السياسيّ أَوْ الحكومة أَوْ “الرئيس” المؤقَّت الذي انتهت صلاحيتُه.
ولهذا فإن ما حدَثَ في 21 سبتمبر 2014 لا انقلاب ولا ثورة. وإنما شيءٌ آخر..
أولاً. ليس انقلاباً؛ لأَنَّه تلاه حوارٌ والانقلاباتُ لا يَعقُبُها حوارٌ..؛ ولأن الانقلاب يُسقِطُ حكومةً، وأصحابُ نظرية الانقلاب يقولون إنه أسقط دولةً، والانقلاب لا يُسقِطُ دولة..؛ ولأن الانقلابَ ينجح أَوْ يسقط، وهذا الحدَثُ لم تستطعْ حربٌ شبهُ عالمية أن تُسقِطُه وبالتالي فهو ليس انقلاباً.
ولا هو ثورة.
لأن الثورة تُسقِطُ نظاماً ولا تسقِطُ دولةً..؛ ولأن الثورة تكتسبُ هُويتَها بنتائجها وليس بنوايا أصحابها.
فما هو إذَا هذا الذي أسقط دولة؟
الدول ُلا تسقط بفعل فاعلٍ لا بالانقلابات ولا بالثورات ولا بالحروب ولا حتى بالضرب بالقنابل الذرية. الدولُ تسقُطُ بنفسها وَمن داخلها بعواملَ موضوعيةٍ كالأمراض والشيخوخة والزمن… فللدول أعمار، كأعمار البشر، قدَّرها ابن خلدون بثلاثة أجيال في المتوسط. الذي حصل انهيار الدولة التدريجي؛ نتيجةَ أزمة أسفرت عن وجهها بعد الوحدة لعدة عواملَ يطولُ شرحها. الفصل الأخير سمّوه أزمةً دستوريةً وفراغَ سلطة.
هذا الفراغُ ملاًته “عصبيةٌ” جديدةٌ تماماً، كما وصف ابن خلدون هذه الظاهرة المتواترة في التأريخ. صادف أن هذه العصبية كانت أنصار الله. وهو ما لم يرُقْ لابن سلمان فشَنَّ عليها حربَه العبثيةَ المجنونة، في تكرارِ لم يكن مصادفة لحرب 76- 62 مع انقلاب الأدوار.
نظريةُ أن “الانقلابَ سبب الحرب” سقطت نهائياً بجريمة خاشقجي. جميعُ ويلات اليمن والمنطقة الأخيرة سببُها الرئيسي جنونُ ابن سلمان الإجرامي- ودخول ترامب وكوشنر على الخط لدعمه- وليس إيران ولا أنصار الله.
لا دفاعاً عن أنصار الله، ولكن قراءة لطبائع العمران.
هل صمودُ جماعة توصفُ بأنها ميليشيا وأقلية للسنة الرابعة في مواجهة صلف ومقدرات هجمة سعودية وَتحالف 10 دول ومدعوم من أمريكا والناتو وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل والمخابرات الأمريكية، فضلاً عن حكومة هادي وجيشه “الوطني” وما تسمى بالمقاومات الجنوبية والتهامية وغيرها والعمالقة وقوات طارق صالح… إلخ.. هل هو فشل أم أنه في موازين القوى يعني أن هذه الجماعةَ نِــدٌّ لكل هذه الجحافل مجتمعة؟ الجحافل التي جُمِعَت بالأموال السعوإماراتية ولتلاقي المصالح الجشعة للغرب الاستعماري مع المطامع التوسعية للجيران مع غِلِّ ذوي القُربى الذي أعمى الحقد بصائرهم؟
إنَّ هذه الجماعة لا تُهزم وغيرُ قابلة للهزيمة مهما طال الزمنُ لثلاثة أجيال قادمة، على الأقل.