بن همّام يناشد العالم استقلالية البنك المركزي .. بقلم د/ أحمد الصعدي
قبلَ أن يتخذَ الرجلُ الشؤمُ قرارَه المشؤومَ في 18/ سبتمبر/ 2016 بإقالة محمد عوض بن همَّام من منصب محافظ البنك المركزي، وتعيين محافظ وَإدارة من الرياض ونقل مهام البنك صورياً إلى عدن وفعلياً إلى البنك الأهلي السعودي، كان هذا الرجلُ يقودُ البنك المركزي بحيادية وكفاءة مكّنته من تجاوز شتى الصعاب ودفع مرتبات كُـلّ موظفي الدولة أينما كانوا. لكن مرتزِقةَ التحالف -من رئيسهم إلى أصغر كُتّابهم- استمروا يشكّكون بنزاهة وَوطنية بن همّام وَكانوا يعتبرون عدمَ تركه لمنصبه وَالانضمام إلى جوقتهم العميلة خطيئةً لا تُغتفر.
حتى عندما قام بزيارة إلى مسقط رأسه حضرموت لحضور حفل زفاف نجله صالح في شهر أغسطس 2015 بشّرت صحيفة (الثوري) في العدد (2340) 13/8/2015 بأن ((بن همّام لن يعودَ إلى صنعاءَ وَسيمارس عملَه من عدن)). وفي عام 2016، وَبعد أن تبيَّنَ لقيادة العدوان أن الحربَ لم تكن نُزهةً، أَوْ عطلة نهاية الأسبوع كما وصفتها بربرا بودين السفيرة الأمريكية السابقة في صنعاءَ، قرّرت اللجوء إلى حرب التجويع التي من أهمّ أسلحتها تعطيلُ عمل البنك المركزي.
اشتدَّ سُعارُ المشككين بحيادية البنك المركزي ومحافِظِه، وكان أَكْثَــر المسعورين نُباحاً أحمد عبيد بن دغر وَعبدالملك المخلافي، لكن بن همّام الرجل الأمين على أقوات الناس ظل يناشدُ ضمائرَ وَعقولَ ((الشرعية)) المحافَظة على أرزاق الناس من خلال عدم المساس بالبنك المركزي.
فور صدور قرار نقل البنك جنَّ جنونُ أنصار العدوان من الفرحة، إذ اعتقدوا أن هذه الخطوةَ ستجعلُ دخولَ صنعاء سهلَ المنال في غضون أَيَّـام، وَأسرفوا في أوصافه وَمما قالوه إنه ضربة معلم.
لكن سَرعانَ ما تبيّنَ أن نقلَ البنك -أَوْ تعطيلَه إذَا شئنا التعبير الأدق- كان “ضربةَ مُؤَلِّـــم”؛ لأَنَّ جميعَ اليمنيين يتألمون من آثاره بمَن فيهم من يستلمون مرتبات فقدت الجزء الأَكْبَــر من قيمتها؛ نتيجةً لتدهور قيمة الريال بفعل لجوء حكومة المرتزِقة إلى طباعة مئات المليارات بدون أي غطاء.
وَاليوم من جديد يطل علينا الرجلُ الشريفُ المحترم محمد عوض بن همَّام وَلكن من محرابه في غرفة جلوسه في الشحر. قال الصحفي الألماني كرستوفر رويتر ((من المستحيل تفويت المرارة في صوت بن همام وَهو يطلق مناشدة للعالم))، وَقال بن همام في مناشدته ((يمكنُ للمجتمع الدولي إيقافُ السقوط لو كان يريد ذلك، إذَا أعادوا تأسيس بنك مركزي مستقل بشكل حقيقي مع ضمان دفع إيرادات النفط إليه بحيث يحصل الموظفون على رواتبهم.. إذَا قاموا بتثبيت استقرار الريال مع ما يقارب أربعة مليارات دولار، بدلاً عن اثنين مليار دولار، يمكنهم إنقاذ البلاد)). وَكما حذّر بن همّام من كارثة نقل البنك من صنعاءَ، ها هو اليوم يحذِّرُ: ((نحن نسقط في كارثة. يمكن أن يزدادَ التضخمُ سوءاً)) (صحيفة المسيرة 13/11/2018).
وَكما تجاهل العدوانُ -الذي يلهَثُ لتحقيق النصر بأيِّ ثمن- تحذيراتِ وَمناشداتِ وَنصائحَ بن همّام عام 2016، سيتجاهل تحذيراتِه وَمناشداتِه التي قالها في أول ظهور له على الإعلام من خلال مجلة ((دير شبيغل)) الألمانية؛ لأَنَّ هذا العدوانَ الفاشي يبحَثُ عن نصرٍ بأي ثمن في الساحل الغربي، وَمرتزِقتُه الذين صفّقوا لنقل البنك ينتظرون “ضربة مُؤَلِّـــم” أخرى.
وَعجبي لهذه العماهة السياسيّة وَالأخلاقية التي أصابت بصائرَهم وَأبصارَهم.