برنامج رجال الله: ملزمة {ولْتَكُنْ مِنْكُم أمَّة} .. التثبيط مِعْوَل هدم خطير على الأُمَّـة.. فإذا لم نتعامل مع قضيتنا بجدِّية سنكون فعلًا جديرين بالخزي والعار
{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} (آل عمران:106) كفرتم بعد إيْمَانكم؛ لأنكم رضيتم لأنفسكم؛ لأنكم قصرتم؛ لأنكم فرطتم؛ لأنكم توانيتم فأصبحتم ضحية لأهل الكتاب فردوكم بعد إيْمَانكم كافرين، وهذا موقف خزي لكم؛ لأن الله يقول في القرآن وحدثنا عن أهل الكتاب أنه ليس فيهم ما يشدنا إليهم، ليس فيهم ما يجعلنا نتأثر بهم، أنهم في خبثهم ومكرهم على النحو الذي يجب أن نكون حريصين على الاعتصام بالله من أجل أن ننجى من كيدهم ومكرهم وخبثهم حتى لا نتحول بعد إيْمَاننا كافرين.
عندما تعاملنا مع القضية هذه ببرودة فأصبحنا نفتح أذهاننا وقلوبنا لهم، أصبحنا نفتح بيوتنا وأسرنا لهم، أصبحنا نؤيدهم، أصبحنا نتحَـرّك في خدمتهم، أليس هذا هو الخزي؟ أليس هذا هو الكفر بعد الإيْمَان، أن يكون الله قد عمل على إنقاذنا من أول مرة – عندما كنا قد أصبحنا على شفى حفرة من النار فأنقذنا منها – ثم على يد من؟ على يد اليهود والنصارى وبخبثهم ومكرهم نعود من جديد إلى النار.
فإذا لم نتعامل مع القضية بجدِّية كما ينبغي أن نكون في مواجهة خطورتها سنكون فعلًا جديرين بالخزي والعار فنقدم على الله – ونعوذ بالله من أن نكون من هؤلاء – نقدم على الله ووجوهنا مسودة فيقال لنا {أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ؟ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} (آل عمران: من الآية 106)، أي أنه حصل كفر بعد إيْمَان، كفر بعد إيْمَان حصل، وكيف حصل؟ نحن قلنا بالأمس أن اليهودي لا يأتي إليك فيقول لك: أكفر بالقرآن، اكفر بمحمد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، ولا يقول لك: تَيَهود تنَصْرَن. سيوصلك إلى الكفر من حيث لا تشعر، ومتى سيوصلك إلى الكفر من حيث لا تشعر؟ عندما تكون إنْسَانًا لا يبالي، عندما تكون مجتمعًا لا يبالي، عندما تظل مجتمعًا متفرقًا، عندما لا تهتم بهذه القضية فإنك قد هيأت نفسك لتكون بيئة صالحة توصلك إلى الكفر، توصلك إلى الارتداد بعد الإيْمَان فتقدم على الله – كفرد أَوْ كمجتمع – بوجوهٍ مسودّة {أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ؟ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} (آل عمران: من الآية 106)؛ لأنه هنا كفر حصل بعد الإيْمَان، على يد من؟ أليس على يد أهل الكتاب.
المجتمع الذي لا يتحَـرّك على هذا النحو هو المجتمع القابل لأن يرتد بعد إيْمَانه فيصبحوا على يد أهل الكتاب كافرين، وإلا فمن؟ هل المجتمع الذي ينطلق على هذا النحو هو الذي يمكن أن يرتد بعد إيْمَانه كافرًا؟ لا. الأُمَّـة التي تتحَـرّك وتعتصم بحبل الله جميعًا، الأُمَّـة التي تتحَـرّك لتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتدعو إلى الخير، الأُمَّـة التي تتحَـرّك جسدًا واحدًا لا تسمح للتفرق والاختلاف أن يفرق صفوفها وكلمتها، هل يمكن أن تكون هي التي تكفر؟ لا. هؤلاء قال عنهم: {هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، الكافرون عند الله يصفهم بأنهم خاسرون. فـ{الْمُفْلِحُونَ} عند الله كلمة لا تطلق على من يمكن أن يكون كافرًا أَوْ فاسقًا أَوْ ضالًا في هذه الحياة، أَوْ مقصرًا في أمر الله، {الْمُفْلِحُونَ} تُطلق على المؤمنين في أرقى درجات الإيْمَان، على المتقين في أرقى درجات التقوى، على السائرين على هدي الله.
إذًا فالمفلحون هم الذين لا يمكن أن يكونوا كافرين بعد إيْمَانهم، هم الذين يمكن فعلاً أن يكونوا هم من يضربوا أولئك الذين يعملون على أن تكفر الأُمَّـة بعد إيْمَانها، وليسوا هم الذين سيكونون ضحية لأهل الكتاب فيرتدوا بعد إيْمَانهم كافرين فتكون وجوههم ملطخة بالعار.
أولئك الذين يتحَـرّكون في تثبيط الناس والإرجاف عليهم وتخويفهم: [بَطِّل مالك حاجة]. الذين كنا نسمعهم من زمان: [بَطِّل با يقولوا أنت إرْهَابي، مالك حاجة] هؤلاء ماذا يعملون بكلامهم هذا؟ أليسوا ممن يهيئ الأُمَّـة إلى أن تكون كافرة بعد إيْمَانها؟ هم من يثبِّطون الأُمَّـة، ويثبّطُون الناس عن أن يسيروا على هدي الله فيصبحون متقين لله حق تُقاته، يصبحون أُمَّـة واحدة معتصمة بحبل الله بشكل جماعي، يصبحون أُمَّـة تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.
هل هذا هو هداية لأناس يتحَـرّكون أم يقعدون؟ هل هو هداية لناس يعملون وينطلقون في ميادين العمل أم لأناس يجمدون؟ الذي يقول لك: [بَطِّل.. بَطِّل] وفي كُـلّ فترة يقول لك: [بَطِّل] أليس يدعوك إلى الجمود والتخلي عما هداك الله إليه، وتقعد عن العمل الذي أرشدك الله وألزمك أن تعمله؟ أليس ممن يعمل على أن يجعل منك شخصًا يمكن أن تكفر بعد إيْمَانك؟ فتكون ضحية للكافرين، لأهل الكتاب؟ إنهم ممن يقدمون على الله ووجوههم ملطخة بالعار، إنهم ممن يخدم اليهود والنصارى، ويخدمون من إذا خَلَوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ، من تحبونهم ولا يحبونكم إنهم يخدمون من هم حساد لنا، من هم أعداء لنا، من هم مبغضون لنا، من هم لا يودون أي خير لنا، ما أسود وجوههم!، وما أعظم ما لطخوا به وجوههم من الخزي والعار! فيقدمون على الله ووجوههم مسودة.
إن الآيات توحي بأن من يُقصّرون ويفرطون قد يكونون ممن يقدمون على الله ووجوههم مسودة، فكيف إذا كان ممن يعمل ويتحَـرّك، وتنطلق من فَمِه تلك الكلمات المثبطة للناس عن أن يسيروا على هدي الله فيحافظون على إسْلَامهم وينطلقون في مواجهة أعدائهم، فتنطلق منهم الكلمات المرعبة المخوفة المرجفة، ويصبغون أنفسهم بصبغة الناصحين المشفقين، أليس هؤلاء ممن يسودون وجوههم ممن يقدمون على الله ووجوههم مسودة فيقال لهم: {أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (آل عمران: من الآية 106)؟ بل كنتم ممن يهيئ الساحة لتكفر بعد إيْمَانها، ممن يساعد على أن يترسخ في الأُمَّـة ويسري في الأُمَّـة الكفر بعد الإيْمَان.
التثبيط هو مِعْوَل هدم خطير على الأُمَّـة؛ لهذا قال الله مهددا لأولئك الذين كانوا يسلكون مثل هذا الطريق في أوساط المجتمع في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا} (الأحزاب: من الآية 61) ملعونين أينما تحَـرّكوا، أينما التقيت بهم هم ملعونين، أينما التقيت بهم فاعرف أن الفارق فيما بينك وبينهم مليء بلعنة الله عليهم.