السيد عبدالملك الحوثي في محاضراته الثانية بذكرى المولد النبوي الشريف 1440هـ:
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِيْنَ، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَـلِكُ الحَـقُّ المُبِيْن، وأشهَدُ أن سَيِّـدَنا مُحَمَّــدًا عَبْـدُه ورَسُــوْلُه خَاتَمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إِبْـرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْـرَاهِيْمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارْضَ اللَّهُم برِضَاك عن أَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ المنتجَبين وعَنْ سَائِرِ عِبَادِك الصالحين.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ والأخواتُ..
السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه:
نواصِلُ الحديثَ على ضوء الآيات المباركة من سورة الجُمُعة في الحديثِ عن نعمة الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- ومِنَّتِه الكبرى لبعثة الرَّسُــوْل صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْـهِ وَعَلَـى آلِـهِ.
ومَرَّ بنا الحديثُ بالأمس عن نقاطٍ مهمة وأساسية وتحتاجُ الأُمَّـة إلى استيعابها بشكل جيدٍ؛ لتبني عليها تفاعُلَها المطلوبَ مع الرسالة الإلهية، اللهُ جَـلَّ شَأْنُــهُ عندما قال في كتابه المبارك (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ) الرسالة هي رسالة الله والرَّسُــوْلُ هو رَسُــوْلُ الله والمنهجُ هو منهج الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- برحمته فما فيه من توجيهات وإرشادات وتعليمات من منطلق رحمة الله من منطلق حكمته من منطلق عزته وله هذا الأثرُ في حياة الناس إذَا تمسكوا بهذه الرسالة فهي رسالة تتسم بالعزة بالرحمة بالحكمة بالخير بالصلاح بالفلاح، يستفيدُ الناسُ منها وليس هناك أيُّ بديل يساويها أَبْـدًا أَوْ يكون هناك مبرّر للتمسك به بدلاً عنها، ثم أضف إلى ذلك أنها ترتبطُ بمُلك الله بملك الله جَـلَّ شَأْنُــهُ؛ لأَنَّه هو ملك السماوات والأرض ملك هذا العالم بكله وهو أَيـْـضاً ملك الناس الذي له حق الأمر والنهي فيهم والتشريع لهم وإليه هدايتهم (إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى) كما قال جَـلَّ شَأْنُــهُ في كتابه الكريم هي مسألة تعود إلى الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- والبشر يحتاجون إلى الله جَـلَّ شَأْنُــهُ في الهَداية كما يحتاجون إليه في بقية أمور حياتهم كما وهبهم الحياة كما وهبهم الرزق كما من عليهم بسائر النعم المادية والنعم المتنوعة والمتعددة التي لا تحصى ولا تعد، يحتاجون إليه في هذا الأمر فيما يتعلق بالهداية، الهداية المتصلة بمسؤوليتهم في هذه الحياة وواجباتهم في هذه الحياة ونظّم هذه الحياة بمنهج يتحدّد لهم فيه ما يعملون وما يتركون، ثم المسألة يرتبط بها ثوابٌ وعقابٌ وجزاء، جزاءٌ على الإحسان بالإحسان وجزاء على الإساءة بالعقاب؛ لأَنَّ اللهَ هو الملك ومن عزته أن يجازي وأن يعاقب ولا أن يهمل ولا يمكن أن يهمل ويتركهم في هذه الحياة في حالة من الفوضى والعبث، ثم كما أكّدنا على نقطة أُخْــرَى بالأمس.
المنهجُ الإلهيُّ والرسالة الإلهية هي من جهة في كُـلّ ما فيها من مضامين وتوجيهات وأوامر وتشريعات خير للإنْسَـان وصلاح للإنْسَـان توجيهات حكيمة ورحيمة وخير لهذا الإنْسَـان وهي كذلك يرتبط بها جزاء، جزاءٌ على الخير بالخير وعلى الإساءة بالعقاب وهي كذلك متصلة بتدبير الله ورعايته يعني ليست المسألةُ منحصرةً في أنها توجيهاتٌ إيجابيةٌ للأخذ بها أثرٌ إيجابي في واقع الحياة وكذلك تصل بها الجزاء في الآخرة إما بالجنة ومرضاة الله وإما بالنار وسخط الله إذَا انحرف الإنْسَـان وخالف نهج الله ورسالته، المسالة أَيـْـضاً يتصل بها تدبير إلهي مباشر في كُـلّ مناحي الحياة كما تحدثنا بالأمس على هذه النقطة وضربنا بعض الأمثلة مثل قوله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) نجد هذه الرعاية الإلهية الواسعة والشاملة التي تدخل إلى كُـلّ شؤون حياتهم إلى أرزاقهم إلى مرافق حياتهم تأتي مرتبطة بهذا التفاعل الإيْمَاني والتقوى في التعامل مع رسالة الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- والالتزام بها، نجد مثل قوله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) نجد مثل قوله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ) وهكذا نجد كَثيراً من الآيات المباركة مثل قوله تعالى (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) فيأتي التدبير الإلهي والرعاية الإلهية متصلة بهذا الهدى بهذا النور بهذه الرسالة الإلهية كلما اتجه الإنْسَـان في جانبٍ من الجوانب يجد في ذلك رعاية إلهية تسانده تمده تعينه تيسر له تحقّق له الكثير من النتائج هذا جانب مهم جِـدًّا وجذاب للغاية جذاب بشكل كبير إلى الإتباع لهدى الله إلى التمسك برسالة الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- وليس هناك فيما يتجه إليه البشر من بدائل أي شيء من هذا القبيل ليس له كُـلّ هذه المميزات الثلاث الكبرى بحيث أن له إيجابية كبيرة جِـدًّا في واقع الحياة إذَا نفّذ إذَا طبق إذَا التزم به وله نتائج عظيمة في الآخرة سلامة من عذاب الله وفوزٌ بأَعْظَـم نعيم بالحياة السعيدة الأبدية الجنة التي عرضها السماوات والأرض التي هي مستقر أولياء الله وعباد الله الذين استجابوا له في هذه الحياة واتبعوا رسالته، فإذًا ليس هناك أية بدائل لها هذه الإيجابية لها هذه القيمة لها هذه الأهميَّة ويتصل بها رعاية إلهية مباشرة وتدبير من الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- متصل بها تنفّذ توجيه الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- مع تنفيذك لذلك التوجيه الإلهي تحظى برعاية مباشرة من الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) وهكذا تجد كَثيراً من الآيات المباركة التي تؤكّد على هذا الجانب، فما الذي يصرف الناس إلى بدائل، بدائل ليس لها أي قيمة في جنب القيمة والإيجابية العظيمة للرسالة الإلهية.
نجدُ هنا أَيـْـضاً في قول الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- (هو الذي بعث في الأميين رَسُــوْلاً) أنها من أَعْظَـم النعم الإلهية أن يبعثَ اللهُ رَسُــوْلاً فلا خلاص ولا مناص ولا حل لمشكلة البشرية فيما تعاني منه باتباعها لرموز آخرين ولبدائل من الأطروحات والثقافات والقرارات والتوجهات والنظّم كبّدائل عن رسالة الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- وبدائل عن رسل الله لا خلاصَ لها بذلك ولا فلاح ولا خير ولا نجاح، نجاة البشرية وفلاح البشرية وصلاح البشرية وحل مشاكل البشرية يتوقف على اتباع الرسالة الإلهية، وخلاصهم عن طريق الرسل والأنبياء وما أتوا به كُـلّ البدائل الأُخْــرَى هي الضياع وتصنع المزيد من المشاكل مهما امتلكت من إمكانات مهما كانت سيطرتها في الأرض في عصرنا هذا في زمننا هذا جربت بدائلَ لا تزال بعض منها قائمة في واقع الحياة وسلبياتها كبيرة جِـدًّا، جربت الشيوعية بإخلاص وبقُــوَّة وبسطوة وبجبروت فكانت نتائجها كارثية في كَثيراً من أقطار العالم وفي الأخير اضمحلت إلى حَـدٍّ كببر ودخلتها تعديلات كثيرة كثيرة كثيرة حتى أصبحت بشكل آخر، أضف إلى ذلك الرأس مالية اليوم التي تطبق على نطاق واسع في واقع البشر سلبياتها كبيرة جِـدًّا مفاسدها كبيرة جِـدًّا المشاكل الناتجة عن تطبيقها في واقع الحياة مشاكل كبيرة جِـدًّا، الانحرافات التي حصلت في ساحتنا الإسْـلَامية إما انحرافاتٌ محسوبةٌ على الإسْـلَام نفسه وهي محسوبة بالخطأ بالغلط لا تمثل حقيقة الإسْـلَام وحقيقة تشريعاته وتوجيهاته كما هي في القُــرْآن وكما أتى بها الرَّسُــوْلُ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْـهِ وَعَلَـى آلِـهِ بل هي نتاجٌ لتحريف ولتضليل ولأخطاء ولغلط وإما التأثر أَيـْـضاً بما يأتي من جانب الآخرين من خارج الأُمَّـة الإسْـلَامية من خارج الإسْـلَام كانت نتائجها سلبيةً كبيرةً في واقع حياتنا كمسلمين سلبية ومعاناتها إلى اليوم معاناة كبيرة وتزدادُ يوماً بعد يوم تتفاقم المشاكل وتعظم وتطغى الحالة السلبية على واقع الحياة.
فيجب أن ننظر إلى أن نعمة الله عظيمة بالرسل، الرسل الذين يحظون بإعداد إلهي هم بهذا الإعداد لا يخرجون عن واقعهم كبشر الرَّسُــوْل هو بشرٌ وهذه نعمة أنه من البشر؛ لأَنَّه يعيش الجو البشري والواقع البشري في هَمذِه في معاناته في ظروفه، إضَافَـة إلى الأُنس به كإنْسَـان من البشر يتحَـرّك بواسطتهم أَوْ يتحَـرّك بواسطة الرسالة الإلهية فيما بينهم؛ ثم لأَنَّه هو في واقعه في الحياة وفي واقعه العملي يكون معنياً أن يكون هو القدوة في الالتزام بهذه الرسالة في التطبيق لهذه الرسالة في أن يكون هو على رأس الأُمَّـة على رأس البشرية ملتزماً معبِّداً نفسَه لله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- مؤمناً؛ ولهذا يأتي في الآيات القُــرْآنية من مثل قوله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- (وَأُمِرْت لِأَنْ أَكُون أَوَّل الْمُسْلِمِينَ) وهكذا يأتي التعبير بأول المسلمين أول المؤمنين أول من أسلم بهذه التعبيرات القُــرْآنية التي تجعله هو القدوة في الالتزام في التطبيق في العمل ليس كما هو حاصل في واقع البشرية يأتي طاغية يفرض على الناس أنْظمة وقوانين ولا يلتزم هو بها، يكون هناك بعيداً عن التزامات من هذا النوع، أما في واقع الرسل فهم الأَكْثَــر تعبيداً لأنفسهم لله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- الأَعْظَـم طاعة الأَكْثَــر التزاماً القدوة في الالتزام والتطبيق والخضوع لله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- واتّجاههم إلى البشر من حولهم لا يكون قائماً على أساس الاستعلاء ولا التكبر ولا الطغيان ولا الاستعباد ولا الاستغلال أَبْـدًا ويتحَـرّك كعبدٍ لله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- وهو القدوة في تعبيد نفسه لله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- يتعامل مع الناس يبلغ رسالة الله إليهم وفي ونفس الوقت يكون هو رحيماً بهم محباً لهم مريداً للخير فيهم لا مثيل له بينهم في مستوى الرحمة واللين والإحسان والحرص على خلاصهم وإرَادَة الخير لهم مميزات مهمة لا توجد عند غير الرسل والأنبياء (رَسُــوْلاً منهم) وكونه منهم هي نعمة عليهم وحجة عليهم ومسؤولية عليهم، هذا الرَّسُــوْل هل يتحَـرّك مع ما أعطاه الله من كمال، ذكاء على مستوى عالٍ، ملكات ذهنية وفكرية على مستوىً عظيمٍ، حرص وفهم، حرص على الناس حرص على إرَادَة الخير لهم رحمة بهم حكمة عالية نظرة ثاقبة للأمور وعي كبير مؤتمن على التبليغ ومؤتمن على المسؤولية ومؤتمن تجاه الناس فيما يريده لهم ومنهم، مؤتمن أمانة كاملة وشاملة وتامة مع ذلك هل يتحَـرّك من تلقاء نفسه بأطروحات شخصية بأفكار شخصية باتّجاهات شخصية ابتكرها هو اخترعها هو من تفكيره من نتاجه الشخصي أَوْ لحسابات شخصية يتحَـرّك ليحقّق لنفسه مصالحَ ومكاسبَ معينةٍ مادية من الناس أَوْ معنوية أَوْ فئوية لفئته أَوْ قومية لقومه قبيلته أَوْ أوسع من إطار قبيلته مَثَـلاً؟، هل كان يهم رَسُــوْل الله صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْـهِ وَعَلَـى آلِـهِ أن يتحَـرّك لمصالحَ عربية على حساب بقية الشعوب والأمم أَوْ بأي اعتبار كان؟ لا، الرسل يتحَـرّكون بتجرُّد تام عن كُـلّ هذه الأمور لا يتحَـرّك على أساس رؤيةٍ شخصيةٍ من ابتكاره ونتاجه الشخصي البشري الذي سيبقى قاصراً مهما كان إذَا كان منفصلاً عن الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-؛ لأَنَّ الواقع البشري محدود مهما كان الإنْسَـان كإنْسَـان، هناك حدودٌ، حَـدٌّ لقدرته حَـدّ لعلمه تتفاوت حتى في الواقع البشري يمتلك هذا من العلم أَكْثَــر مما يتملك الآخر هناك ذكي هناك من هو أذكى هناك عالم هناك من هو أعلم وهكذا فوق كُـلّ ذي علمٍ عليم حتى تصل المسألة إلى الله والله هو الذي له الكمال المطلق الكمال المطلق، أما الواقع البشري فكل شيء فيه محدود القدرات الذهنية الملكات الفكرية كُـلّ القدرات لدى الإنْسَـان كُـلّ الملكات كُـلّ ما يمكن أن يحصل عليه مكتسبا أَوْ من الأساس شيء محدود محدود محدود محدود كبشر فالرسل لم يكونوا يتحَـرّكون على أساس نتاج شخصي رؤية شخصية اتّجاه شخصي ولا لحسابات شخصية أنه يريد مصالحَ لهم كانوا يقولون دَائماً لأقوامهم (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا) لا أريد من وراء تبليغي للرسالة إليكم أيَّ أجر منكم أيَّ مقابل منكم تعطونني شخصياً لا مال ولا منال ولا منصب ولا أي شيء شخصي تقدّمونه لي كمكافئة على أن أوصلت إليكم الرسالةَ الإلهية، ولا لحسابات أَيـْـضاً فئوية أَوْ شخصية أَوْ حزبية أَوْ قومية.
ولهذا كما نكرّر الإيجابياتِ العظيمة والمهمة جِـدًّا للرسالة الإلهية هذا لا يوجد خارج إطار رسالة الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-، اذهب إلى أية رؤية يتبعها البشر في بلد هنا أَوْ هناك قدّمها رمزٌ معين زعيم وطني أَوْ زعيم قومي أَوْ مفكر أَوْ فيلسوف أَوْ منظر أياً كان سيحسب حساب أولاً ستكون نتاجاً شخصياً بحدود قدراته وستكون متأثرةً بواقعه هو في نفسيته في اهتماماته في واقعه بشكل عام ثم سينظر من منظار معين، البعض ينظر من منظار مصلحة شعبه أَوْ بلده أَوْ حزبه أَوْ قومه أَوْ عشيرته أَوْ أي اعتبار كلها مؤطرة كلها لها حدودها لها اعتباراتها، أما رسالة الله فهي الوحيدة التي تصلح لأن يلتقيَ عليها كُـلّ البشر وأن يجتمع عليها كُـلّ الناس هي صالحة لوحدها أن تكون للناس جَميعاً؛ لأَنَّ فيها الخير للناس جَميعاً ليست مؤطرة بأية أُطُرٍ تجعل منها مصلحة شخصية لشخص أَوْ مصلحة قومية لقوم أَوْ مصلحة محدودة بحدود جغرافية أَوْ بحدود سياسيّة معينة، لا، هذه الإيجابية الكبيرة والعظيمة والمهمة فيأتي الرَّسُــوْلُ كنعمة من الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- برؤية إلهية، يأتي ليتحَـرّك ضمن مسؤوليته ووظيفته الرئيسية لهداية الناس بهدى الله ودعوتهم إلى الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-، هو قناة وصل مع الله، يوصل إلى الناس التوجيهات الإلهية، ويتحَـرّك بهم على أساسها، يوصل رسالةَ الله في مضمونها الشامل والكامل، من عقائدَ من تشريعاتٍ من حقائقَ، من كُـلّ ما يتصل بهداية هذا الإنْسَـان وتربية هذا الإنْسَـان وتزكية هذا الإنْسَـان وحياة هذا الإنْسَـان، “رَسُــوْلاً منهم يتلو عليهم آياته”، فهو يتحَـرّك على هذا الأساس، الآخرون الذين يرتبط بهم البشر ويعتمدون عليهم ويتمسكون بما هو منهم وكبّدائل، المصيبةُ هذه كبّدائل عن الرسالة الإلهية، ليست لديهم هذه الميزة المهمة، الرَّسُــوْل هو فقط يوصل إلى الناس ما هو من الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-، قناة وصل ما بينهم وبين الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-، لا يأتي ليستغل الناس لمكاسب شخصية ولا حزبية ولا فئوية ولا قومية ولا لأي اعتبار ولا يأتي بنتاجه الشخصي، “يتلو عليهم آياتِه”، يتلو عليهم آياته، آيات الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-، آياته في حركة الرَّسُــوْل صلى الله عليه وآله وسلم، الكلامُ هنا يركّز عن بعثة الله له كنعمة عظيمة، الآيات المباركة آيات القُــرْآن الكريم، يتلو عليهم آياته.
الرَّسُــوْلُ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْـهِ وَعَلَـى آلِـهِ لم تكن مسألةُ تلاوته لآيات الله على الناس كالحالة السائدة الروتينية المعتادة، الحالة السائدة الآن لدى الكثير من الناس أن مسألة تلاوة الآيات هي عبارة عن قراءة اعتيادية روتينية يرغب الكثير أن تكون بصوت حسن، وأَحْيَاناً تتحول مسألةُ الصوت الحَسَنِ إلى مسألة أساسية ورئيسية، يتلو عليهم آياته لهدايتهم بها، هذه الآيات بما فيها من هدى، بما فيها من نور، بما فيها من بصائر، بما تصنعه من وعي، بما تصححه من مفاهيم، بما تقدمه من تشريعات من توجيهات، من تعليمات، بما فيها من عقائد بما فيها من أحكام، بما فيها من بصائرَ واسعة، تمتد إلى شتى شؤون الحياة، إلى كُـلّ ما له علاقة بهداية هذا الإنْسَـان، ما يحتاج هذا الإنْسَـان إلى معرفته ليهتدي، إلى ما فيه الخير له في الدنيا والآخرة، فلذلك تأتي تلك الآيات لتكون هي فيما تحمله من فكرة ورؤية وتشريعات وأحكام لتكون هي التي يتجه إليها الناس للاهتداء بها للانتفاع بها للاستنارة بنورها، يحملون ما تقدمه من أفكار لتكون هي البديل عن الأفكار الظلامية والأطروحات الأُخْــرَى التي كانت رائجة في الساحة، الناس لا يبقون في حالة من الفراغ، دَائماً ما تكون لديهم الكثيرُ من التصورات والأفكار والنظرة والرؤية تجاه مسائلَ كثيرة، وهذه الحالة كانت قائمةً سواء في الواقع العربي أَوْ في الواقع العالمي بكله، بقية المجتمعات البشرية، لديهم عقائدُ بدءاً من عقائدهم نحو الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-، عقائد باطلة كثيرة، كانت ظاهرةُ الشرك في مقدمتها، الشرك بالله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-، ثم الكثير من العقائد الباطلة التصورات الخاطئة، الأفكار الضالة، كثير والكثير مما هو باطل بشكل عقائد، بشكل رؤية في الحياة بشكل عادات وتقاليد بشكل مواقف، بشكل تصرفات وسلوكيات، الآيات تأتي وما أتت به ليكون هو المتبع، الثقافة تكون هي الثقافة القُــرْآنية، الفكرة تكون هي تلك التي قدمها القُــرْآن الكريم، العقيدة هي تكون تلك التي قدمها القُــرْآن الكريم، السلوكيات تكون منضبطةً ملتزمةً على أساس تلك المضامين القُــرْآنية والتوجيهات التي أتت في القُــرْآن الكريم، وهكذا كانت حركة الرَّسُــوْل صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْـهِ وَعَلَـى آلِـهِ، لم تكن تلاوتُه مُجَـرَّد تلاوة صوتية يستمع الناس إليها ليستحسنوا ذلك الصوت الجميل، أَوْ مُجَـرَّد تلاوة يتأثر الناس بها وجدانياً فحسب وينتهي الموضوع، لا، ما يقدم للواقع العملي ليتم الالتزام به عملياً، يعني تلاوة بهدى يسير الناس عليه، يتمسكون به، يلتزمون به، مشروع للحياة، منهج للحياة، وهكذا كانت حركة رَسُــوْل الله من موقعه كرَسُــوْل، موقعه في الرسالة الإلهية كرَسُــوْل، يتحَـرّك ويقدم هذا الهدى إلى الناس، يتلو عليهم آيات الله ليهتدوا بها فيغير بتلك الآيات الكثير من الأفكار الظلامية والخاطئة والرؤى الخاطئة وليصلح بها في واقع هذه الحياة، وليقدم بها تعليمات وتوجيهاتٍ وأوامرَ من الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- إلى ميدان الحياة وإلى واقع الحياة، وهذا ما يجب أن نركز عليه في واقعنا من جديد، واقعنا العربي واقعنا الإسْـلَامي، الذي ابتعد كَثيراً عن طبيعة هذه العلاقة مع آيات الله، علاقة الاهتداء والاتباع، كم هناك من أفكار من أطروحات تقدم في الساحة بعيداً عن القُــرْآن الكريم، كم هناك من مواقف لدى الكثير من الناس والأطراف والجهات بعيدة عن القُــرْآن الكريم، كم هناك من ولاءات وعداوات وتوجهات، وكم ظهرت في الساحة من مشاكل نتيجة هذا الابتعاد عن القُــرْآن الكريم.
“يتلو عليهم آياتِه” فهو كان كرَسُــوْلٍ من عند الله، قناةَ وصلٍ مع الله، لا يقدم من تلقاء نفسه وليست له أَهْدَافٌ شخصية أَبْـدًا، يدعو إلى الله ويأتي بهدى الله، ويتحَـرّك على هذا الأساس، آيات الله كلماته نوره، هديه، “الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه”، آيات الله التي هي من كتابه الحكيم، كلها آيات أحكمت، كُـلّ ما فيها حكمة، وحق وخير وهداية، ونور، نور، آيات الله التي ينقذنا بها كما قال الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-: (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)، (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور)، الظلمات بشكل مفاهيمَ مغلوطة، أفكارٍ ضالة، اتّجاهات خاطئة، عقائد باطلة، سلوكيات منحرفة، كلها ظلمات يحتاج الإنْسَـان للإنقاذ منها، تؤثر على حياة الإنْسَـان، وتشكل خطورة على الإنْسَـان في الدنيا وفي الآخرة، يتلو عليهم آياته، الآيات التي تضمنها القُــرْآن الكريم، وهي نور وهي هدى وهي حق محض لا باطل فيه، وهي التي تقدم لنا البصائر والحقائق في كُـلّ أمور الحياة المهمة، ذات الصلة بمسؤوليتنا وما يترتب عليه في حياتنا خير أَوْ شر، تقدم لنا في ذلك الهداية اللازمة التي فيها الخير والصلاح والفلاح، ثم تمثل تلك الرؤية حلا لمشاكل الحياة في كُـلّ اتّجاهاتها.
عندما جاء الإسْـلَامُ كم كان هناك من مشاكلَ وأزماتٍ في الواقع العربي ثم في الواقع العالمي؟ مشاكل كثيرة كانت قائمة وكثير منها باتت اليوم قائمة بقدر ما ابتعدت الأُمَّـة عن القُــرْآن بقدر ما خالفت منه، بقدر ما جهلت من هديه، نشأت مشاكل كثيرة، آنذاك كانت هناك مشاكلَ كثيرة، أزمات كثيرة، المشاكل السياسيّة المشاكل الاقتصادية، المشاكل الاجتماعية، كثير من المشاكل كانت قائمة، آيات الله بما فيها من هدى بما فيها وبما لها من عطاء تربوي، وبما فيها من تشريعات مثّلت حلاً وتوجيهات وتعليمات، مثلت حلاً للمشاكل التي يعاني منها الناس، مشكلة الاختلاف والتناحر والعداوات، والتشرذم، كانت من أبرز المشاكل في الواقع العربي، العرب فيما بينهم كانوا مختلفين، ومتشرذمين ومتباغضين، وكانت تسودُهم العصبية، كانت سائدةً في الواقع العربي إلى حَـدٍّ كبير، العصبية بكل أشكالها، كانوا يختلفون على المستوى الديني، في كثيرٍ من العقائد حتى في الأصنام، قبيلة معها صنم وقبيلة معها صنم آخر، وقبيلة معها صنم ثالث، أُولئك اسم صنمهم اللات، والآخرون العُزّى والآخرون مناة وآخرون هُبَل، قائمة طويلة من أسماء الأصنام يختلفون في كثيرٍ من المواقف، العصبيات فيما بينهم، العصبيات العنصرية، بنو فلان وبنو فلان وبنو فلان، أَوْ القبلية، قبيلة كذا وقبيلة كذا وقبيلة كذا، الخلافات بكل أشكالها كانت موجودة في الواقع العربي، كلها عالجها الإسْـلَام عندما التقت الأُمَّـةُ على رؤية واحدة، ليس فيها أحد يستغل أحداً، الكل عبيد لله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-، الكل يتجهون ليس على أساس رؤية لطرف يستغل بها طرفاً آخر، لا، هدى الله الذي هو خير للناس جَميعاً، هدي الله الذي يلتقي عليه الكل من الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-، السقف واحد العبودية لله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-، فكانت تمثل حلاً لمشاكلهم وصلاحاً لحياتهم، وإذا جئنا لنقيم النتائج ماذا بعد؟ بعد أن تحَـرّك الرَّسُــوْل بتلك الآيات في الواقع، سنأتي لنشير إلى ذلك إن شاء الله بعد أن نصل إلى هذا الموطئ، فيزكّيهم ويعلمهم الكتابَ والحكمة، بعد ذلك نعود إلى تقييم كيف كانت النتائج، (يتلو عليهم آياته، ويزكيهم)، يتجه أَيـْـضاً ليس فقط ليقدم لهم التوجيهات الإلهية كمعارف ومعلومات وتنتهي المسألة عند هذا الحد، أَوْ حتى كمنهج للحياة يلزمون به عمليا هكذا من دون أن يؤخذَ بعين الاعتبار، تزكية النفس البشرية، مهما قدم للإنْسَـان من أفكارٍ عظيمة من توجيهات صالحة، مهما طلب منه من أعمال إيجابية أَوْ مواقفَ إيجابيةٍ، إذَا لم يلحظ جانب التزكية للنفس، تبقى هذه مشكلة كبيرة جِـدًّا لدى الإنْسَـان، يمكن أن يعرف الإنْسَـان أشياءَ مهمةً في هذه الحياة ذات قيمة أَخْــلَاقية وإنْسَـانية كبيرة ولها إيجابيةٌ في واقع الحياة وأثر طيب في واقع الحياة، فيها خير فيها مصلحة، ولكن إذَا لم تكن نفسه زاكية، وإذا لم يتجه بدافع هذا الزكاء في النفس للأعمال الزاكية يمكن أن ينحرف، يمكن أن يتعمد التوجه للأعمال السيئة والأعمال السلبية والسلوكيات السلبية وهو يعرف أنها أعمال سيئة وأنها تصرفات سيئة ويتعمد فعل ذلك، لماذا؟؛ لأَنَّ عنده خللاً في زكاء نفسه، النفس البشرية خلقها الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- وجعل فيها قابليةً للزكاء والخير والصلاح وقابلية للفساد وللانحطاط وللظلم والظلام والانحراف يمكن أن تزكوا هذه النفس ويمكن أن تتدنس هذه النفس وتفسد هذه النفس؛ ولذَلك يقول الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) فالنفس البشرية قابلة لأن تزكوَ لأن تصلُحَ لأن تطهُرَ لأن تسموَ لأن تنموَ فيها البذراتُ التي فطرت النفسُ البشرية عليها بذرات الخير، الإنْسَـانُ في فطرته يحب الخير يحب السمو يحب الشرف يحب مكارم الأَخْــلَاق، يشعر بعظمتها بقداستها ينجذب إليها؛ ولهذا نجدُ في الساحة البشرية وفي الواقع البشري حتى الأشرار كيف يسعَون دَائماً أن يقدموا لما هم عليه عناوينَ إيجابيةً مَثَلاً لا يُحَبِّذُون أن يرفعوا عنوانَ الباطل صراحةً فيسمون باطلهم بحق ويقدمون أنفسهم أنهم أهل الحَـقّ؛ لأَنَّ الإنْسَـانَ في فطرته مفطور على أن يتبع الحَـقّ وأن يعظم الحَـقّ وأن يؤمنَ بأن الشيءَ الصحيحَ الذي يفترض أن يتبع في هذه الحياة وأن يلتزمَ به هو الحَـقّ ولذلك كُـلّ فئات الباطل لا تأتي لتعترفَ على نفسها بصراحة على أنها جهات باطل فكانت هناك حالات نادرة وشاذة لا اعتبار لها ولا حضور لها في الواقع البشري بشكل كبير ولكن يحاولون حتى فرعون يقول لقومه (وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) يرفع عنوان الهداية ويرفع عنوان الرشاد تجد كذلك عناوين لفسادهم للإصْلَاح يحكي الله عن المنافقين (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) فيسمون فسادهم بالصلاح.
الواقعُ البشريُّ يعترف بسموِّ القيم والأَخْــلَاق العظيمة والأشياء السيئة يعترف البشر بسوئها وقبحها، إنما يشتغلون على تبريرات لها أَوْ فلسفات أَوْ عناوينَ، ويتعبون في ذلك، يتعبون في التبرير لها وفي التفلسف لها، النفسُ البشرية قابلة للزكاء لكن إذَا لم يكن أي اهتمام لها بتزكيتها تفسد وإذا فسدت انحرف الإنْسَـان وكان عنده اندفاع داخلي للانحراف اندفاع نفسي نحو الانحراف وحينئذٍ لا ينفع فيه معرفة الحَـقّ ولا معرفة الخير.
عمليةُ التزكية هذه التي تتجه نحو الإنْسَـانِ لإصْلَاح نفسه ولتنمية مشاعر الخير في نفسه ولتنمية الاتّجاه الإيجابي في نفسه الاتّجاه نحو القيم الفُضْلى ونحو مكارم الأَخْــلَاق ونحو الحَـقّ ونحو السمو ونحو الأعمال الزاكية الإصْلَاح للنفس البشرية لإبعادها عن الخذائف من الأعمال والتصرفات والسلوكيات وإبعادها عن الرذائل وإبعادها عن المفاسد والسمو بها حتى تحمل اهتمامات زاكية واتّجاهات زاكية وميول صالحة تحب مكارم الأَخْــلَاق تعشق حميد الصفات تنشد إلى ما فيه خير وسمو وشرف تترفع عن الرذائل والخسائس والنقائص المسيئة للإنْسَـان في أَخْــلَاقة وشرفه وفي حياته والمضرة بواقع حياته، يحتاج الإنْسَـان إلى جهد أَعْظَـم برنامج لتزكية النفس البشرية هو في رسالة الله، أشياء كثيرة في رسالة الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- تتجه نحو تزكية الإنْسَـان وتترك أثراً عظيماً في تزكية نفسه بدءاً بإيْمَانه بالله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- الإيْمَان الصادق الإيْمَان الواعي الإيْمَان الفعلي الذي يترك أثراً عظيماً في مشاعر الإنْسَـان تمتلئ بالمحبة لله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- هذا له أثرٌ في طُهر المشاعر في نقائها في صفاء الوجدان الإنْسَـاني إلى حَدٍّ كبير، إذَا سكنت في مشاعرك محبة الله المحبة لله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- ونمت وعظمت تركت أثراً إيجابياً في شعورك ووجدانك واتّجاهك في هذه الحياة وسمو روحك.
الخوفُ من عذاب الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- التعظيمُ لله والاستشعار لعظمته ولرقابته، الإيْمَانُ بالمعاد والحساب والجزاء، كُـلّ هذا له أثرٌ مهم في تزكية النفس البشرية والانطلاقة في هذه الحياة بمسؤولية وإدراك لقيمة هذا الوجود البشري وماذا يعنيه وما هو دور هذا الإنْسَـان في هذه الحياة وما ينتظره من حساب ومن مستقبل كبير جداً إما في الخير وإما في العقاب.
ثم كثيرٌ من العقائد كثيرٌ أيضاً مما ورد في القُــرْآن الكريم مما يحبِّبُ للإنْسَـان الخير مكارمَ الأَخْــلَاق ما ورد عنها مما يحببها لهذا الإنْسَـان مما يشدُّه نحوها مما يرغِّبُه فيها لما تراه فيها من إيجابية في هذه الحياة فما يترتب عليها من نتائجَ لما تمثله من سمو للإنْسَـان وزكاء وارتقاء وصلاح لحياته، ثم كذلك التدخل الإلهي الرعاية الإلهية التي تساعدُ في صلاح هذا الإنْسَـان (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- يقول: (وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ) (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًاً)، فاللهُ بفضله وبرحمته هناك جانب أساس من رعايته يتجه نحو الإنْسَـان لتزكيته، عطاءٌ إضافي من الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-، تشريعات كذلك مهمة تحميك من الأشياء التي تدنِّسُ نفسَك، تلوّثُ مشاعرَك تصيب قلبك ومشاعرك ووجدانك بالرجس فتأتي كثير من التشريعات لتحميك منها وتبعدك عنها فتصونك وتحافظ على وجدانك ومشاعرك.
كثيرٌ من التشريعات والأعمال التشريعات الإلهية والأعمال المهمة التي يأمُرُنا الله بها أَوْ يرشدنا بها ويحثنا عليها تترك أثراً من الزكاء في نفس الإنْسَـان، وهكذا برنامجٌ واسعٌ يساعدُ على تزكية هذا الإنْسَـان، والرَّسُــوْلُ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْـهِ وَعَلَـى آلِـهِ) من موقعه في الرسالة فيما يدعو إليه فيما يربّي عليه فيما يحرّك الأُمَّـة فيه فيما يقدمه من إرشادات وتوجيهات وتعليمات ليزكِّيَ الأُمَّـة، مسار رئيسي في حركة الرسالة وفي مضمونها يتجه نحو تزكية الإنْسَـان، إذَا لم تتزكَّ نفسية الإنْسَـان لو بلغ ما بلغ، يمكن أن يصل إلى مستوى عالم ديني بالمفهوم السائد يعني يحملُ معلوماتٍ كثيرة يحمل كثيراً من المعلومات عن الدين عن الشرع الإلهي عن المعارف الدينية وفي نفس الوقت يكون في غاية السوء مثلما سيأتي (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ) كمثل الحمار هل يمكن أن تقول إن الحمار يحمل نفساً زكية وتوجهات زكية وأَخْــلَاق فاضلة ويحمل من مضمون ما يحمل من كتب أَوْ من حتى لو حملوه أسفار التوراة هل سيحمل مضمونها الأَخْــلَاقي والعملي في نفسيته وشعوره وسلوكياته وفهمه وبصيرته؟ لا، حمار، ولذلك هذا الجانب أساسي جداً حتى في الواقع العملي والاستقامة العملية لا تتحقّق إلا بهذا، إذَا أُهمل هذا الجانب لا تنفع الجوانب الأُخْــرَى، ويزكيهم، ويريد الله للمجتمع المسلم أن يكون مجتمعاً زاكياً في النفسيات والتصرفات والأعمال، أن يبتعد هذا المجتمع عن المفاسد عن الرذائل عن القبائح عن الفواحش عن الجرائم، يتزكى فيبتعد عن ذلك حتى بدافع نفسي.
(وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) ويعلّمهم الكتابَ كيف كانت عملية التعليم هذه، من رَسُــوْل الله صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْـهِ وَعَلَـى آلِـهِ، هل هي كالحالة الروتينية التي سرنا عليها؟ مدارس لتعليم القُــرْآن الكريم وتحفيظ القُــرْآن الكريم، يتم الاهتمامُ فيها بحفظ النص القُــرْآني أَوْ قراءة النص القُــرْآني ثم المرحلة التي تلي ذلك التجويد وأحكام التجويد فإذا تم القفز إلى مرحلة أعلى فتلك المرحلة هي بعض المعاني للمفردات ويتدخل الكثير من اتّجاهات مذاهب بأفكارهم بتوجهاتهم في بعض المعاني لفرضها كمعاني بالنص القُــرْآني مما يلائم ما هم عليه من مذاهبَ وأفكارٍ واتّجاهاتٍ وتُحسب على القُــرْآن على أنها تفسير لمعانيه، وهي بعيدةٌ، وهذه الحالةُ لم تؤثر في واقعنا البشري في واقعنا في الساحة الإسْـلَامية الأثرَ المفترَضَ للقُــرْآن الكريم، الأثرَ العظيمَ الذي يصلح واقع الحياة الذي يجعلنا أُمَّةً مستنيرة مُبصرة واعية، ترى الكثيرَ ممن يتجهون هذا الاتّجاه ممن لديهم هذه المنهجية يتجهون في واقع الحياة في مواقفهم في تصرفاتهم بعيداً عن القُــرْآن الكريم.
الرَّسُــوْلُ في عملية التعليم هذه كان ضمن مسيرة عملية، مسيرة عملية ارتبط بها واقع عملي لم يعمل له مَثَـلاً مدرسة معينة ويجلس فيها ليبدأ بعملية التعليم يُقرِئُ من بجنبه سورةً سورةً أَوْ صفحةً صفحة من أول القُــرْآن من الحمد لله رب العالمين إلى سورة الفاتحة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين إلى سورة الناس ويختم من الجنة والناس وانتهى الموضوع وعلّمهم الكتاب وانتهت المسألة عملية تعليم الكتاب كانت عمليةً مرتبطةً بواقع عملي، هذا ما يجبُ على الأُمَّـة أن تلحظه كيف يعودُ ارتباطُنا العملي بالقُــرْآن الكريم ضمن مسيرة عملية، طيب أن يكون هناك اهتمامٌ بتعليم القُــرْآن واهتمامٌ بتحفيظ القُــرْآن وعنايةٌ بحفظ النص القُــرْآني وعناية بالقراءة للنص القُــرْآني هذا أمرٌ مطلوب، نحن لا نقول إنه خطأٌ في نفسه بحد ذاته، الخطأُ هو الاقتصارُ عليه، الخطأُ عندما يتحوَّلُ هو المفهومُ عن عملية تعليم الكتاب حصراً، الخطأ عندما يتم الاقتصارُ عليه كمسارٍ يكفي في طبيعة العلاقة مع القُــرْآن الكريم، الرَّسُــوْلُ صلواتُ الله عليه وعلى آله تنزل عليه القُــرْآن الكريم ضمن مسيرة الرسالة على مدى سنوات طويلة منذ أن بُعِثَ حتى العام الذي توفي فيه وكان القُــرْآن يأتي ضمن واقع عملي في كثير من الحالات وكان يقدم القُــرْآن الكريم مرتبطاً بواقع عملي عندما تأتي آيات النفير للجهاد تقرأ على الناس لماذا؟ ليحفظوها وينتهي الأمرُ عند حفظها (انفروا خِفافاً وثقالاً) ويهتمون فيها بأحكام التجويد والإدغام وما إلى ذلك، وانتهى الموضوع أَوْ عند ما نجدُ التفسيرَ للمفردات ماذا تدُلُّ عليه مفردة النفير كانت تأتي لتدفع الناس إلى الميدان (انفروا خِفافاً وثقالاً) فيتحَـرّك الناسُ، تعليمٌ يرتبط به عملٌ، يرتبط به تطبيق يرتبط به اتّجاه في الحياة للالتزام بهذا الكتاب لما فيه من تعليمات كانت تأتي آيات تصلح للناس كَثيراً من أفكارهم، تأتي إلى واقعهم في الحياة بما فيه من مشاكل آية تحل مشكلة آية تدفع إلى عمل آية لتحدّد موقفا وعليهم أن يتبنوه آية لتصحّحَ مفهوماً خاطئاً ويعرف الناس أن عليهم أن يحملوا ذلك المفهوم القُــرْآني ولا يتشبثوا بذلك المفهوم الخاطئ الذي هو مفهوم ظلامي وأن ينبذوه ويتركوه آية تنهاهم عن تصرف معين آية تحل الحلال حلالاً معيناً ليلتزم الناس به وآية تحرم حراماً معيناً ليتركه الناس تأتي آية (اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا) تأتي آيات النهي عن الرِّبا ليلتزمَ الناسُ فيتركوا الرِّبا وهكذا ارتبطت عملية التعليم بمسيرة عملية وبواقع عملي وبالتزام عملي ونزلت إلى واقع الحياة لتربى لتصلح لتجل المشاكل لتعالج الواقع لتبني الحياة، فهكذا كان يعلم هكذا كان تعليم رَسُــوْل الله صلوات الله عليه وآله ولم يكن تعليماً نُخبوياً اقتصر على مجموعة طلاب وتم تسجيلُهم في كشف وأدخلوا إلى المدرسة وحدّدت لهم رسوم وَانتهى الموضوع، مشروعُ الرسالة الإلهية يتجه إلى الناس جَميعاً، إلى الجميع، يوجه لهم الهدى ثم تأتي الاستجابةُ ممن يتوفق في الاستجابة، تتفاوت مستوياتُ الاستجابة في واقع الناس بين مُطيع وعاصٍ وبين مطيعٍ بشكل جيد بين مطيع بشكل أفضل، بين أَكْثَــر طاعة أَكْثَــر استجابة أَكْثَــر إيْمَاناً، هم درجات عند الله، كما في الآية المباركة، ولكن يكونُ هناك واقعٌ هو هذا الواقع فيه أمرٌ بمعروف نهيٌ عن منكر، تَوَاصٍ بالحق، تَوَاصٍ بالصبر، دعوةٌ إلى الخير، دفعٌ بالناس نحو هذا الاتّجاه فيكون هو الاتّجاهَ السائدَ والقائم.
نكتفي بهذا المقدار ونَسْأَلُ اللهَ -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- أن يوفِّقَنا لما يُرضيه عنا، وأن يهديَنا بكتابه ولاتّباع رَسُوْله صلواتُ الله عليه وعلى آلِه.. إنَّهُ سَمِيْعُ الدُّعَــاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه..