المولد النبوي الشريف (إحياءُ أُمَّـة) .. بقلم د/ أحمد عبدالله الشيخ أبو بكر
إن الاحتفالَ بمولده صلى اللهُ عليه وآله وسلم هو امتثالٌ لأمر الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى القائل: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)، هذا الاحتفالُ هو ربطٌ بين الأجيال ومناسبة تجمع شمل المسلمين وتجمعهم حول نبيهم، وهو أمر ضروري خَاصَّـة في هذه الأَيَّـام التي ضعف فيها ارتباط المسلمين بدينهم ورسالتهم ونبيهم وقدوتهم وأسوتهم، الذي قال لنا القُــرْآن الكريم فيه: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)..
ما أحوجنا اليوم أن نقتدي برَسُـــوْلنا صلى الله عليه وآله لا سيما في هذه الظروف العصيبة فالأمة اليوم تواجه هجمة شرسة للإجهاز عليها، على حركة الإسْـلَام المجاهد والإسْـلَام المقاوم.
فهي إذاً أمام امتحان صعب وعسير، وإذَا نظرنا في تأريخنا سنجد أن الرَّسُـــوْلَ الأكرم (صَلَّـى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ) ومن معه قد تعرضوا لمثل هذه المواقف وهذا الابتلاء ليمحص الله المؤمنين، يقول الله تَعَالَـى في سورة العنكبوت: (آلم * أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم، فليعلمن اللهُ الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين)، وكما تكالبت أحزاب الكفر واليهود على رَسُـــوْل الله والمسلمين، تتكالب علينا اليوم قوى الشر والبغي والعدوان، عندها أيقن المؤمنون بصدق رسالتهم ولم يهنوا أَوْ يضعفوا أَوْ يستسلموا فما زادهم ذلك إلا إيْمَـاناً وتصديقاً كما أخبرنا الله في قوله: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا).
إن الأنبياء والرسل وأن كانوا بشرا ولكن الله يصطفيهم وهم أفضل أهل الأرض قاطبة، وصدق الله العظيم، إذ يقول: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ، إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ).
إن مهمة الأنبياء الشاقة والكبيرة تحتاج إلى تهيئة وَالى اعداد مسبق حتى يستطيعون أن يتحملوا أعباء الرسالة وتأديتها وفي هذا قال الله لسيدنا موسى (ولتصنع على عيني) وَكما قال لسيد الخلق محمد صلى الله عليه وآله سلم: (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ).
إِنَّ الأُمَّـة اليوم هي أحوج ما تكون إلى التوحد والتكاتف بين كُــلّ مُكَـوِّناتها، هذه الأُمَّـة التي وحد الإسْـلَام عقيدتها ووحد الإسْـلَام شريعتها ومنهجها ووحد الإسْـلَام قلوبها ووحد الإسْـلَام أسوتها وقدوتها، هي اليوم في خضم معركة مع من يريدون القضاء عليها، فاذا لم نجتمع ونتوحد في هذه المعركة فمتى نجتمع؟؟ وإذَا لم يتحد المسلمون عند الشدة فمتى يتحدون؟؟ وإذَا لم يكن محمد -صلى الله عليه وآله – هو من يوحدنا، فمن يوحدنا إذاً؟؟
إن حالة العجز العربي والإسْـلَامي أمام هذه الهجمة تعود إلى ابتعادنا عن منهجنا القُــرْآني الذي جاء به محمد (صَلَّـى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ) فحينما ابتعدنا عن قدوتنا وتركنا التأسي به وبأهل بيته الطاهرين، فقدنا بوصلتنا في حركتنا، مما أَدَّى إلى فقدان الثقة وبالتالي زادت من اتساع الهوة بين المسلمين، الأمر الذي جعل اليهود وعملائهم من الحكام يستفيدون من هذا الضياع، للقضاء على دين الله ووجدوا في الحكام الذين لا يهمهم سوى الحفاظ على كراسيهم ضالتهم، ولذلك نجد أنهم يعملون ضد مصالح شعوبهم وأمتهم، وخير دليل على هذا ما نراه اليوم من هرولة هؤلاء نحو التطبيع مع أعداء الله وأعداء أمتهم وتقديم فروض الولاء والطاعة لأمريكا وإسرائيل، وهذا ما يُلزم الشعوب اليوم أن تهب لمواجهة هذا الخطر، وأن تعرف ما يراد بها.
نحن اليوم مطالبون أكثر من أي وقت مضى أن نعرف من نحن ومن هم؟
وأن لا نبقى مغيبين عما يحاك ضدنا وما يراد بنا تارةً بذريعة محاربة الإرْهَـاب الذي صنعته أمريكا باعتراف قادتها، وتارة باسم العولمة البراق، التي هي الوجه الجديد للاستعمار القديم، والتي تقوم على مبدأ التبعية واكتساح ثقافات الشعوب واقتصادياتها وخصوصياتها ولتذويب حضارات الشعوب في النموذج الأمريكي ولكن ومع ذلك كله وبفضل الله وتوفيقه، فقد توفرت في الساحة العربية والإسْـلَامية مؤشرات ومستجدات ايجابية هي مزيج من الوعي والتحدي المستنير، وبرزت في الأُمَّـة قيادات ربانية في بلادنا وفي غيرها تقود هذا المد للعودة إلى المنهج الرباني القُــرْآني رغم هذا التكالب العدواني غير المسبوق والله بالغ أمره ولو كره المشركون.. فلنعد إلى منهجنا الذي جاء به أسوتنا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وآله سلم فتالله إنه لا صلاحَ لآخر هذه الأُمَّـة إلا بما صلح به أولها.
والحمد لله رب العالمين..