يمَن اليُمن .. بقلم/ منصر هذيلي
* كاتب تونسي
آلامُ اليمنيين قياسيةٌ.. مشاهدُ الدماء والأشلاء التي تعرضها الشاشاتُ لا تكشفُ إلا جانباً بسيطاً ولا يتوفّر اليمنيون على شبكاتٍ إعلامية ضخمة تحدّث عنهم وتبلّغ معاناتهم. ولكنّ الثبت أنّ حلفَ آل منشار يرتكبون هناك بشاعاتٍ بحجم جزعهم وإحساسهم بأنها الآزفةَ تطرق أبوابهم وتوشك أن تأتيَ على عرشهم الزقّوم.
يرى اليمنيون ألمَهم ويُفزِعُهم صمتُ العالم من حولهم ويذوقون ذلك الصّمتَ خذلاناً لإنْسَانيتهم وتنكُّراً للخيرية والفطرة. يذوقون أمراضاً وأوبئةً خلنا أنها غادرت الأرضَ منذ عقود. يذوقون جوعاً يضطرُّهم إلى الأعشابِ وأوراق الشجر.
المرافقُ معطّلةٌ ولا تحويلاتٌ عبر البنوك ولا جرايات. قد يضيق الصّدرُ وتخترقُه الآه والزفرةُ ويدبُّ إلى نفوسِهم اليأسُ. الرضّعُ يُذبخون كما الشيوخُ، وتقصفُ طائراتُ الموت المدارس والمشافي والأعراس والمقابر.
هي ساعةُ زلزلة ولا شكّ وعند الزلزلة يسأل المؤمن المكابد: متى نصرُ الله. ونصرُ الله لأنّه نصرُ الله قريبٌ ولأنه نصرُ الله لا يشوبه نقصٌ، فكم من نصر أتى به العددُ وضمنته العدّةُ وتحوّل نكسة ونكبة. نصرُ الله لا يكون إلّا ضخماً ممتداً فاتحاً على سعة بلا حدّ ومؤسّس بما لا تحيط به العقول.
على اليمنيين إدراك، وهم يدركون بنسب قياسية مقارنة بغيرهم، أنّهم يقارعون عتاةَ العالم ويقفون بوجه شياطينه المردة. هذا يعني أنّهم يضطلعون بقدر تأريخي غير مسبوق ولا يؤهّل هذا وذاك لهكذا دور.
العبرة ليست بكثرة عندما تكون مواجهة بهذا الحجم وبهذه التداعيات. هناك خصوصيةٌ يمنيةٌ هي من السرِّ فلا نملك لها تفسيراً شافياً ولا نحيط بها ولا نفهمها بسيطَ الفهم. قد نفهم بعد أن تضعَ الحربُ أوزارَها وينفذ أمرُ الله. نحن الآن، وفي أحسن حالاتنا نشمُّ بعيدَ الشمّ وأكثرُنا يتابعُ ملحمةَ البلقيسيين بأنف مزكوم.
عمر عرش آل منشار يقاربُ القرنَ وهو عرشٌ قُــــدّ بمكر ودهاء ليذهبَ بريح العرب والمسلمين ويطوّع رقابَهم لسكاكين الصهيونية والاستعمار. هذا عرش وعوده منذ البداية لمن مكّنوا له أن يمكّن لإسرائيل ويدعمها بكلّ الإمْكَانيات ويعادي من يعاديها كان عربياً أَوْ تركياً أَوْ إيرانياً أَوْ باكستانياً أَوْ غير ذلك من مكوّن من فسيفساء المنطقة السياسية والعرقية. لم يتزلزل ولم يرتعش يوماً كما يحصل له اليوم ببركات اليمنيين، قبضات وصرخات ورصاصات. لا عبدالناصر ولا صدام ولا غيرهما قدر على ما يقدر عليه اليوم اليمنيون. ثلاث سنوات من الصبر والتصدي والثبات كَفَت هؤلاء لتحويل آل منشار إلى مهانة وتحويل ترسانتهم وهي الأضخمُ إلى خُردة يركلُها الأطفال ركلَ كُرة. لماذا يتجوّلُ بنُ سلمان في الأمصار الواهية؟ ليغسلَ بعضَ ذلّه وخزيه. ومن أين ركبه الخزي؟ مَن لعن يمنيين موصولين بربّهم من الصباح وإلى المساء. خاشقجي تفصيل تورّطوا فيه واضطرّوا إليه قتلاً ونشراً وتذويباً من فرط نكبة بيمن تعرّيهم لتأتي عليهم زلزلة عدم.
يألم اليمنيون ويألمون كَثيراً ولكنّهم مفاتيحُ أضخم أمل لبني وطنهم ولأمّتهم وللإنْسَانية. طبيعيٌّ أن يكونَ ألمُهم بما نرى من حجم. متى نصرُ الله؟ ارتبط ذكرُ اليمن في القرآن بسطوة الروح بفعل ما أوتي سليمانُ من مَدَدٍ وسلطان. ارتبط أَيْضاً بالسرعة، فالهدهد أتى سريعاً بأخبار بلقيس وقومِها والذي عنده علمٌ من الكتاب تعهّد باستقدام العرش قبل أن يرتدَّ الطرفُ. مقاييسُنا إنْسَانية والإنْسَانُ هشٌّ ضعيف ولكن لا بأسَ من بعض الاستئناس بما يرد في القرآن عند ذكر اليمن. بسطةُ الروح ثابتةٌ متجذرةٌ هناك ونفاذ أمر الله بأرض باركها اللهُ ومحمدٌ وعليٌّ سريعٌ سريع.
ألا إنّ نصرَ الله قريبٌ وليس اليَمن غير يُمن.