نضطر للحرب .. بقلم/ عبدالحميد الغرباني
يجبُ أن نظلَّ في غمرة الاندفاع المناهض للعدوان وأدواته..؛ لأن إشغالَ الناس بالحديث عن المفاوضات والمبادرات وبشكل كبير ينعكسُ سلباً على الصمود الشعبيّ وصمود مقاتلي اليمن البواسل في مواقع الجهاد.
إن المفاوضاتِ بالنسبة للغزاة سلاح آخر يسلبنا أحر ما فينا وَهو الخوفُ على الوطن من المحتلّ وَمُخَطّطاته، لا نخاف من أحد ولكن على وطننا أن يتسرطن جزءٌ جديدٌ منه..
العدوان يركز سياسيًّا وإعلاميًّا وبشتى السبل، على أن يُفقِدَ الجبهةَ الوطنية سلاحَ الزخم الشعبيّ والحس الوطني المتقد والذي أحبط أشرس الهجمات التي شُنَّت لاختطاف الحديدة.. وبشكل مستمرّ يطرُقُ أعداء اليمن كُـلّ مدخل؛ للولوج إلى ضرب متانة الولاء المطلَق لله والوطن والقيادة الثورية الذي أبداه أحرار اليمن..
من هُنا يجبُ أن يُشغَلَ الشارعُ باستمرار بأولوية الدفاع عن اليمن والحشد المستمرّ إلى معسكرات التأهيل والتدريب التابعة للقُــوَّات المسلحة..
وهذه روحُ الرئيس الشهيد صالح الصمّاد تحلق في سماء اليمن، في سماء الحديدة على وجه الخصوص تستنفرُّ الجميعُ وعلى مختلف الصعد باستمرار حالة التعبئة الشاملة والنفير العام إلى الجبهات والخروج إلى ميادين التظاهر ومقاومة أية لحظة لتخدير الشارع.
على الجميع أن يستذكرَ أن الهدفَ الأبرز لهذا العدوان هو تقسيمُ اليمن، وهذا المشروعُ لا يمكن أن يمُرَّ وما يزال عمق اليمن الإستراتيجي في أمان وما تزال محافظةُ الحديدة الإستراتيجية محافظةً حرة ولا تخضعُ لجنرالات بريطانيا وأمريكا وإسرائيل وغيرهم من مرتزِقة الخليج الذين يريدون اختطافَ ميناء الحديدة؛ للتحكم بإمدادات البلد الغذائية والدوائية والإمساك بسلاح التجويع عبر أدواتهم من المرتزِقة وخَوَنَة الوطن الذين ينفّذون أسوأ المؤامرات ضد بلدهم وفي أسوأ صور للانحطاط على مر التأريخ..
لماذا الحديدة؟
العالَمُ من منظور الجغرافيا السياسيّة بُقَعُ قُــوَّة، ينظر لتراتُبيتها والأدوار التي تلعبها وإذَا ما وزنا قُــوَّةَ وأهميّة الحديدة وجدناها عمودَ الوطن والبقعة الأهم في شبه الجزيرة العربية.
_ الحديدة أرضٌ زراعية هامة، سهول ووديان كبيرة وتوفر التكامل والتنوع في المحاصيل الزراعية..
_ ساحل يمتد على الضفة الشرقية للبحر الأحمر بطول 300 كم.
_ 112 جزيرةً تنتظم قبالة ساحل الحقلاع، عسكريّة طبيعية في بحر يربط شرق العالم بغربه، عددٌ منها يسيطر بشكل مباشر على خطوط الملاحة الدولية وتعد جزيرة زقر أعلى قمة جبلية في البحر الأحمر..
_ ثلاثة موانئ تجارية مهمة في صدارتها ميناء الحديدة وعدد آخر من الموانئ المحلية..
“إن محافظةً واحدةً في اليمن تمتلك أَكْثَــر من أربعة موانئ، فيما دولة عظمى مثل روسيا برمتها تعد دولةً مخنوقةً تشكو عوزَ الموانئ على المياه الدافئة وَتتنفسُ من مسار ضيّق ميناء نوفوروسيك”..
_ ساحل الحديدة من المناطق الواعدة بالنفط وغيره.
_ الثروة السمكية..
يقول عمالقةُ السياسة في الغرب: إن جوهرَ السياسة هو القُــوَّة وتوزيعُها بين أطراف الفعل السياسيّ، بمعنى أن كُـلّ عنصر من عناصر الجغرافيا يضيف أَوْ يضعف مِن قُــوَّة الدول كفاعل سياسيّ تماماً كما يأتي ضمن العوامل الإستراتيجية لفاعلية أية دولة رؤية قادتها وطموحاتهم وَقدراتها وإمكاناتها واحتياجاتها ومخاوفها وأثر تحَـرّكها على القوى الأخرى..
اليمن تملك في هذه المرحلة من التأريخ القيادةَ والرؤية التي تتكامل مع الميزات الإستراتيجية المختلفة والتأريخ العميق لليمن.
ثم إن الأخطرَ من منظور الاستعمار هو الرؤى والقيادة الطموحة؛ ذلك أن إمكانات الدول البشرية والمعرفية ورقعة الأرض والقُــوَّة العسكريّة والقوى الاقتصادية والقوى الإعلامية ودرجةَ الجاذبية الحضارية كلها لا تعني شيئاً بدون القيادة المستقلّة وَالإرادة الحرة التي تعاظمها وتحَـرّكها..
ورباعية الشر (أمريكا. بريطانيا. السعوديّة. الإمارات) لم تختر مأزقَ العدوان على اليمن إلا حين وجدته يفرُّ من قبضة وصايتهم ونفوذهم وشمّر لاستعادة موقعه ودوره في المنطقة وفق ما يملكه من ميزات.. الموقع.. الإنسان.. الإرث الحضاري و… إلخ..
هجموا على اليمن متجاوزين بذلك الشرعيات والأَخْــلَاقيات وإذَا كانت الأطماع (المصالح) هي التي ساقت عكاكيزَ المحتلّ وَالمحتلّ نفسَه إلى بلدنا، فإنَّ مصالح الوطن ومستقبلَه وَالشرعية الوطنية والأَخْــلَاق والقيم الدينية والمبادئ الإنسانية، تفرضُ علينا المواجهةَ والجهادَ، والتضحياتُ العظيمةُ في النهاية توصل إلى جلاء المحتلّ وتشريده، إن الشعبَ الذي يبذل الشهداءَ يمتلك كُـلّ وسائل النصر..
إن دوامَ غمرة الدفاع عن الكرامة الوطنية يعاظم المقاومةَ هذا أمرٌ، وأمرٌ آخر أن اختيار القتال ضرورةٌ لا حباً للحرب، ولكن كراهيةً للعدوان وَإحباطاً لمشاريعه الإذلالية التدميرية، ثم إن قهر هذا العدوان هو حُبٌّ للحياة وليس كراهيةً لها.
إن تشبُّعَنا بخيار التحرير وضرورته الملحة بل الوجودية لنا كشعب يحفَظُ كرامته وَيملك قرارَه، هو يسهّل علينا المهمة، مهمة تحرير الأرض المحتلّة.. ومهمة هزيمة العدوان وفرض المعادلات وفق استحقاقاتنا الوطنية.