ترامب يشيد بالسعوديّة.. الفضح بما يشبه المدح! بقلم/ صلاح السقلدي
بعدَ التصريحاتِ الصريحة والخالية من أي تغليف أَوْ دبلوماسية التي أطلقها ويطلقُها تباعاً الرئيسُ الأمريكي “دونالد ترامب” بخصوص علاقته وعلاقة بلاده بالمملكة العربية السعوديّة على خلفية جريمة مقتل الصحفي “جمال خاشقجي” نستطيعُ القولَ بثقة كبيرة إن ترامب قد نزَعَ بُرْقُع الحياء السياسيّ عن وجهه تماماً، بل عن وجه الولايات المتحدة الأمريكية، وأماط لثامَ الدبلوماسية الأمريكية الذي لطالما أخفتْ الولاياتُ المتحدة الأمريكية وجهَها الاستعماري الحقيقيَّ خلفه طيلة عقود كثيرة مضت سيما تجاه الشعوب العربية، وتجاه ثروات وأنْظمة الحكم في الخليج العربي بالذات.
صار ترامب يتصرّفُ على سجية رجُل الأعمال الجشع المتجرد من كُـلّ القيم والمبادئ.. فأبرز ما أورده ترامب بهذا الشأن قبلَ أيّام قليلة كان منصبّاً على ما تقدمه السعوديّة لبلاده من خدمات مجانية هائلة نظير الحمية الأمريكية لها من البعبع الإيراني المزعوم، استحقت “السعوديّة” معها المدح “الترامبي” المقزز، إلى درجة أظهر فيها المملكةَ بموقف المنقاد الذليل الذي لا حول له ولا طول أمام الجشع والابتزاز والغطرسة الأمريكية، حين صورها” السعوديّة” بأنها ذلك التابع المستكين الذي يضع ثرواته النفطية وقراره السياسيّ تحت تصرف الإملاءات والمصالح الأمريكية والإسرائيلية”، وكأن الرجُــل من حيث لا يقصد- وربما من حيث يقصد، مَــنْ يدري- قد فضح تخاذل وانحدار الموقف السعوديّ المريع تجاه الشعوب العربية، وتجاه ثروات شعبها حين قال من جُمــلة ما قاله:
(أسعار النفط تنخفض -عظيمٌ- فهذا يعني خفضَ الضرائب الكبيرة لأمريكا والعالم، استمتع، أصبح السعر54 دولاراً فقط، بعد أن كان 82 دولاراً، شكراً للمملكة العربية السعوديّة، لكن دعنا نذهب إلى الأسفل) ثم فعلاً يذهب إلى الدرك الأسفل من الشرشحة بالموقف السعوديّ المتطأطئ الرأس أمام جشع وخطاباته النهبوية، وتعمُّــده الإعلان على رؤوس الأشهاد كشف طبيعة المواقف السعوديّة الانهزامية التي تبعثر ثرواتها يُــمنة ويسرة؛ إرضاءً لحكّام البيت الأبيض وتل أبيب، وكشْــف سلوكها التآمري تجاه قضية العرب المحورية” قضية فلسطين” لمصلحة صفقة القرن المزعومة ولخدمة العدوّ الإسرائيلي الغاصب للأراض العربية والقدس ومسجدها الأقصى الشريف، وحرصه على إظهارها أي السعوديّة بأنها مجرد صولجان بيد حاكم البيت البيضاوي، يلوِّح بهِ بوجه إيران، الخصم اللدود لبلاده ولحليفتها المدللة إسرائيل، حيث يقول:
(لولا السعوديّة لكانت إسرائيل في مأزق” ورطة ” كبيرة، أنها حليف عظيم في كفاحنا المهم جداً ضد إيران”، الولايات المتحدة تنوي البقاء شريكاً راسخاً للسعوديّة لضمان مصالح بلادنا وإسرائيل، لو نظرتم إلى إسرائيل فإنها ستكون في ورطة كبيرة من دون السعوديّة، فلولاها ما كانت لدينا قاعدة عسكرية كبيرة ولا أي سبب لوجودها)، ثم يمضي لتبلغ صراحته- بل قُــل صفاقته- مبلغا ليس لها نظير من قبل، وهو يزهو بنهبه للثروات السعوديّة وصفقات ملياراته الدولارية الضخمة مع تلك المملكة الثرية التي يجب عليها أن تدفع مزيداً من ثرواتها لحامي حماها- بحسب المنطق الترامبي طبعاً- بقوله: (هل يردونني أن تخذ موقفا متهورا تجاه السعوديّة ولدينا معها صفقات بمليارات الريالات التي ستوفر قيمتها مئات الوظائف الأمريكية، وهل يريدون حقا مني التخلي عن مئات الآلاف من الوظائف؟).
ترامب الذي يتعرّى يوما إثر يوم منذ تفجّــر واقعة مقتل الخاشقجي أمام الداخل الأمريكي والدولي بتخليه المتسارع عن القيم والمبادئ تحت وطأة شعوره بالهلع من فقدان المصالح المالية والاقتصادية الأمريكية مع حليف ثري كالمملكة السعوديّة لمصلحة موسكو وبكين يبدو بنظر قطاع واسع من المؤسسات الأمريكية والدولية في وضع مشين وصعب للغاية وهو يحاول أن يجمع الذئب والسخل في قفص واحد، ويوازي بين قطبَي معادلة صعبة الجمع: الحفاظ على صورة أمريكا الأَخْــلَاقية أمام العالم ومصالحها مع أنْظمة حكم عربية مصنفة بأنْظمة استبدادية حتى داخل أمريكا ذاتها كالعربية السعوديّة.