النظام السعوديّ منبوذاً: العواصم العربية تثور في وجه قاتل أطفال اليمن
المسيرة: إبراهيم السراجي
يعيشُ النظامُ السعوديُّ عُزلةً غيرَ مسبوقة جعلت منه نظاماً منبوذاً ملطخاً بدماء أطفال اليمن، حيث يحاول هذا النظامُ يائساً الخروجَ من عُزلته دون جدوى، فقد زار وليُّ العهد السعوديّ محمد بن سلمان كُــلًّا من الإمارات والبحرين البلدَين الحليفين والشريكين في جرائم النظام السعوديّ، غير أنه زياراته تلك لم تشهد توقيعَ أية اتّفاقيات أو مناقشة قضايا مطروحة، واكتفى مضيفوه باصطحابه إلى ملهى ليلي ومشاهدة سباق للسيارات. اليوم لا يبحث ابن سلمان عن صفقات أو اتّفاقيات دولية لتوقيعها، جولتُه هذه ليست سوى محاولة للتأكيد على أنه ما يزال معترفاً به، وتعكس مأزق النظام السعوديّ القائم على وَقْعِ جريمة اغتيال جمال خاشقجي وتسليط الأضواء إعلامياً على جرائم العدوان الذي تقوده بلاده على اليمن بدعم أمريكي غربي.
الحفاوةُ التي قوبل بها ولي العهد السعوديّ في أبو ظبي والمنامة لم تكن مؤشراً إيجابياً؛ لأَنَّ العاصمتين ليستا سوى حليفتين للسعوديّة، فجدول زيارة ابن سلمان تمتد إلى كُــلٍّ من مصر وتونس والجزائر، لكن ما حدث ويحدث من حراك سياسيّ وشعبي غير مسبوق رافضٍ لاستقباله يوحي بأن جولتَه لن تمضيَ وفق ما يتمنى، وسط أنباء عن إلغائها على الأقل فيما يتعلق بزيارته لكلٍّ من تونس والجزائر.
خلال الأيام الماضية وبوتيرة مستمرّة، عبّرت الأحزابُ والمنظّمات والنقابات وكذلك أعضاء في البرلمان بتونس عن رفضها القاطع لاستقبال بلادهم لابن سلمان، واصفين إياه بالسفاح، ومعتبرين أن استقبال قاتل أطفال اليمن ينال من قيم ومبادئ الثورة التونسية، تزامناً مع حملة لم تتوقف في مواقع التواصل الاجتماعي من قبل كُتّاب وصحفيين ونشطاء تونسيين تحت شعار “لا أهلاً ولا سهلاً بالسفاح”.
في مبنى مقر نقابة الصحفيين التونسيين، رُفعت صورةٌ على طول المبنى تتضمن صورةً خلفيةً لمحمد بن سلمان يمسك بمنشار كهربائي، كُتب عليها “لا لتدنيس أرض تونس الثورة”، فيما كان الشارع التونسي يشهد مظاهراتٍ واسعةً في الاتّجاه ذاته الرافض لهذه الزيارة رفع خلالها المتظاهرون صوراً لأطفال اليمن الذين قتلتهم غارات العدوان السعوديّ الأمريكي.
وفي تعبير عن حجم الرفض التونسي لزيارة ابن سلمان، أصدر 14 حزباً ونقابة ومنظّمة تونسية بياناً مشتركاً نص على أن الموقعين على هذا البيان “يعتبرون أن هذه الزيارة تسيء لصورة تونس، التي ضحى من أجل استقلالها وتحرّرها من الاستبداد آلافُ الشهداء، لا سيما في تزامنها مع استمرار الحملة العسكرية، التي تقودها المملكة السعوديّة في اليمن غير عابئة بتردي الأوضاع الإنسانية في هذا البلد وانتشار المجاعة بين أطفاله، وذلك في ظل استهتار كامل بتقرير لجنة خبراء الأمم المتحدة حول انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن برئاسة كمال الجندوبي، وموقف استكبار وغطرسة من لا يخشى حساباً ولا عقاباً ولا يقيم وزناً للتوصيات الأممية”.
وشنّ زعيمُ الجبهة الشعبية المعارضة في تونس، حمة الهمامي، هجوماً حاداً على وليّ العهد السعوديّ محمد بن سلمان، على إثر الزيارة المزمع القيام بها لتونس التي يفترض أن تتم اليوم الثلاثاء، معتبراً أن الزيارة استفزازٌ للشعب التونسي ولثورته ومبادئه.
وأضاف ”لا أهلاً ولا سهلاً بقاتل الشعب اليمني.. بمدمّر ومخرّب هذا البلد، لا أهلاً ولا سهلاً بمتزعّم التطبيع مع الكيان الصهيوني على حساب الشعب الفلسطيني، لا أهلاً ولا سهلاً بالمشتبه به في قتل الصحفي جمال خاشقجي بطريقة بشعة”.
وكانت مجموعةُ الخمسين محامياً في تونس دشّنت الحراك الشعبي والسياسيّ برفع دعوى قضائية بتكليف من مدونين وصحفيين طالبوا بمنع زيارة ولي العهد السعوديّ محمد بن سلمان إلى تونس.
وعلى وَقْعِ هذا الحراك الشعبي والسياسيّ، تحدثت وكالات أنباء أن ولي العهد السعوديّ قرّر إلغاء زيارته لتونس التي قالت الناطقة باسم رئاسة الجمهورية التونسية بأنها جاءت بطلبٍ منه.
ولم يختلفِ الأمرُ في الجزائر وموريتانيا عمّا هو عليه في تونس، فقد أكّدت الأحزاب والمنظّمات والنقابات الجزائرية والموريتانية رفضَها لاستقبال ولي العهد السعوديّ باعتباره مجرمَ حرب وقاتلاً لأطفال اليمن، غير أن الجديدَ جاء من قبل الخارجية الجزائرية التي اختارت هذا التوقيتَ لتعبر لأول مرة عن إدانتها لجريمة اغتيال الصحفي السعوديّ جمال خاشقجي، وهو ما جرى اعتبارهُ صفعةً جزائرية في وجه ابن سلمان وتعبيراً جزائرياً خاصاً؛ رفضاً لاستقباله.
في مصر، تشهَدُ مواقعُ التواصل الاجتماعي حملةً واسعة رافضة لزيارة ابن سلمان للقاهرة تزامناً مع بيان صادر عن 94 صحفياً وكاتباً مصرياً يرفُضُ هذه الزيارة.
بيانُ الصحفيين المصريين عبّر عن إدانته لزيارة ابن سلمان ووضع عدة أسباب لهذا الموقف، منها أنه “ليس بخافٍ جرائمُ السعوديّة وحلفائها باليمن، حيث تسببت في موت طفل كُــلّ عشرة دقائق وفق تقديرات الأمم المتحدة”.
السلطاتُ في كُــلٍّ من تونس والجزائر وموريتانيا أكّدت أن الزيارة المفترضة لابن سلمان للعواصم الثلاث جاءت بطلب من الأخير الذي يحاول أن يخرج من عزلته الدولية، غير أن المواقفَ التي قوبل بها كشفت كيف بات النظامُ السعوديّ منبوذاً ويحاول يائساً انتزاع أيِّ اعتراف به بعدَ ما كان قد أخذ على عاتقه إسقاط الأنظمة المقاومة لإسرائيل كما حدث في سوريا وكذلك غزو دول كما هو الحال في اليمن.
من جانبه، اعتبر الناطقُ الرسمي لأنصار الله محمد عبدالسلام أن “ارتفاعَ أصوات بين أوساط الشعوب الحرة ترفُضُ قدومَ بن سلمان إلى بلدانها هي تأكيدٌ على أن الشعوب قد ضاقت ذرعاً بتصرفات داعش الكبرى وأميرها الذي بات يُلَقَّبُ بالسفاح ومجرم حرب وجلاد اليمن ومرتكِب جريمة القنصلية وغيرها من الألقاب التي تنزع عن المملكة صفةَ الدولة وتكشفُها وكراً للإجرام الدولي”.