أنت أنت وسِواك السِّوى .. بقلم/ صلاح الدكاك
يبحثون عن قيمةٍ لحظيةٍ فيك ولم يعلموا أنك الشمسُ تصنعُ الدهورَ والأحقابَ والعُصورَ ولا ينقدُها المستضيئون بها أجرَها بالفواتير كما ينقدون شركات الطاقة، فأجرُها هو الصَّغارُ أمامها في الأدنى وضبط عقارب ساعات الدهور على وَهَجِها في الأقصى.. وأنت الشمسُ حاضرةٌ في الغياب، يتشوَّقُها الأحرار في ظُلمة الليالي ويخشاها اللصوصُ وخفافيشُ العتمة والرطوبة، وغائبة في الحضور يجبُنُ الجبابرةُ أمامها فلا يرفعون أهدابَهم ليسبروا غَوْرَها البعيدَ حتى لا يفطنَ عبيدُ فُتات صحونهم إلى ضحالتهم ولا تتعرَّى أُلُوهيتهم على ملأ الملحدين بهم.
حاشاك أن تكونَ درجةً في سُلَّمٍ يفضي إلى عِلِّيَّة، فأنت معراج يُفضي إلى عليين.
حاشاك أن تكون قشةً في ماء يلوذُ بها الغرقى المسحوقون وعديمو الحيلة بلا جدوى، فأنت بحرٌ يُغرق الفراعنة ويحمل المساكين بلا أجر ويهب المعدمين الطعامَ بلا مَنٍّ والثوار المد بلا جزر والغائصين في أغواره الدرَّ بلا ضن ولا خشيةِ إملاق…
باذخٌ أنت وكثير بفردانيتك كإله فيك زبدة روحه ونفخته الخالقة، في خضم عبيد الكَثْرة والكسرة وزبائن صالات المرايا وهُواة اقتناء المجسّمات وصنائع الفوتو شوب..
ولستَ واسطةً إلى ضفة بل أنت الغايةُ والجوهرُ والرحلة الأبد المطلق السرمد.. كنتَ – إذن – وتبقى الغايةَ بإيْمَـانك وإلحادك بصحوك ومطرك بخصبك وجفافك بنقصانك وكمالك وبنسائمك وأعاصيرك كنت وتبقى الغاية..
وأنت المولود الذي هو هدف مخاض عظيم فما قيمة مخاضٍ لم يلدك!!
وأنت المخاض الذي يلد كُـلّ عظيم ولم يولد..
عبثاً يحاول المتسلقون على مؤخرات كُـلّ قطار يلوحُ لهم في السكة، أن يفقهوا سِرَّ كونك أولاً ولا يقلك قطار ولا تناكبهم الركض بلا وقار خلف القطارات غير حافلٍ مثلهم بالوجهة والمرفأ فأنت في ذاتك المرفأُ والمرسى والرحلةُ والراحلُ والرحيلُ والنبي وبراق المعراج ومنك إليك فيك ترحل هارباً منك لائذاً بك، لا تفنى إذ يلوحُ للآخرين فناؤك في وجودك ولا تُستحدث إذ يحاول الآخرون صهرَك لكي تكونَ ذا مغزى استعمالي في فهوم من يرون وجودَك لغزاً بلا مغزى..
أنت الصائح المحكي وسواك الصدى..
وأنت الصرخةُ وغيرُك رجعُها الباهت المرتعش المجبول على المحاكاة كسبيل للاستدلال على وجوده الموجود بالمعية والتبعية في محراب الله أَوْ في حظائر الشياطين والأبالسة.