احتمالات فشل المفاوضات وانعكاسها على محيط اليمن .. بقلم/ فيصل جلول
الواضحُ أن معارِكَ الحديدة والساحل الغربي شكَّلت خلالَ الشهور الماضية رِهاناً حاسِماً للطرفين يُبنى عليه مصير الحرب، ولو قُيّض للتحالف السعودي أن يربح هذه المعركة لتوصّل إلى تطبيق مشروع الأقاليم الستة على الأرض من دون الحاجة إلى احتلال صنعاء. إذ يمكنه أن يفرضَ حصاراً طويلاً على العاصمة اليمنية إلى أن يرضخ الحوثيون. من جهتهم كان أنصارُ الله يُقاتلون في الحديدة قتالاً مصيرياً. إن ربحوا المعركة فكأنهم ربحوا الحرب أو على الأقل استدراج الطرف الآخر إلى طاولة الحوار. وإن خسروها فلا حوار معهم ولا مَن يحاورون.
تقاطعتْ مواقفُ الأطراف المُشترِكة في الحرب اليمنية من أجل البحث عن حَلٍّ تفاوضي لهذه الحرب. فقد كرَّرت الولايات المتحدة الأميركية على لسان مسؤولين كبار فيها وبطريقةٍ غير معهودة، تحذير التحالف السعودي من قصف المناطق السكنية، ودعتْ “أنصار الله” للامتناع عن إرسال الصواريخ البالستية والطائرات المُسيَّرة إلى المدن السعودية والإماراتية، وقالت إنها تهدِّد السلام والأمن في المنطقة. بل وصل الأمر إلى حد تحديد موعد ومكان المفاوضات في العاصمة السويدية أوائل الشهر المقبل.
اندرجتْ مواقف الأطراف الأخرى في السياق نفسه. فقد أكَّد الأوروبيون على وجوب وقف الحرب وأعربوا عن دعمهم للمفاوضات في السويد. وأكَّد الملك سلمان بن عبد العزيز دعم الحل السلمي للحرب اليمنية، ورحَّبت حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي بالخطاب السعودي وأعلنت عن التزامها الموعد والمكان المُحدَّد للحوار.
ووصلت الحال إلى أن ينشر السيّد محمّد علي الحوثي رئيس اللجنة الثورية العُليا مقالاً في “واشنطن بوست” يدعو إلى السلام ووقف الحرب في اليمن، وأعلن في ما بعد مبادرة من طرفٍ واحدٍ، تنصُّ على وقف الغارات البالستية على كُـلّ الجبهات. في حين أدلى وزير الخارجية الإيراني محمّد جواد ظريف بتصريحٍ مُلفتٍ أكّد فيه أن حل الأزمة اليمنية بالتفاوض يحتل مرتبة أولوية بالنسبة لإيران.
هذا الإجماع النادِر على وجوب وقف الحرب في اليمن يطرح سؤالين كبيرين. الأول حول السبب أو الأسباب التي تقف خلف هذا الإجماع، والثاني يتّصل بالآمال التي يحملها هذا الإجماع حول العثور على طريقٍ أو طُرُقٍ الخروج من الحرب والمباشرة ببلسَمة جِراح اليمنيين.
أسبابٌ أساسية أفضت إلى هذا الإجماع، أهمها فشل محاولات التحالف السعودي المُتكرِّرة لاحتلال الحديدة والساحل الغربي. ذلك أن الحرب اليمنية اندلعت عندما أصرَّت المملكة العربية السعودية التي أشرفت على الحوار اليمني-اليمني للخروج من مأزق الربيع العربي في هذا البلد، أصرَّت على تطبيق مُخطَّط لتقسيم اليمن إلى 6 أقاليم، لم يطرحه المُتظاهرون ضدّ حكومة الرئيس علي عبد الله صالح في حينه. كان هذا المُخطَّط سيُفضي إلى عزل “الزيود” في إقليم يُسمَّى “آزال” بلا واجهة بحرية الأمر الذي من شأنه أن يُهمّشهم ويُضعِف أيّ تأثير لهم في بلادهم.
الواضح أن معارك الحديدة والساحل الغربي شكَّلت خلال الشهور الماضية رِهاناً حاسِماً للطرفين يُبنى عليه مصير الحرب، ولو قُيّض للتحالف السعودي أن يربح هذه المعركة لتوصّل إلى تطبيق مشروع الأقاليم الستة على الأرض من دون الحاجة إلى احتلال صنعاء. إذ يمكنه أن يفرض حصاراً طويلاً على العاصمة اليمنية إلى أن يرضخ الحوثيون. من جهتهم كان أنصار الله يُقاتلون في الحديدة قتالاً مصيرياً. إن ربحوا المعركة فكأنهم ربحوا الحرب أو على الأقل استدراج الطرف الآخر إلى طاولة الحوار. وإن خسروها فلا حوار معهم ولا مَن يحاورون.
يمكن القولُ في المدى المنظور على الأقل، إن الحرب اللامُتكافِئة التي تدور في اليمن بين أنصار الله والتحالف السعودي، يتمتَّع فيها الطرف اليمني بأفضليّة القتال على أرضه. إن خسارة الحرب عنده هي خسارة مصيرية على كُـلّ صعيد، لذا رأيناه يُقاتِل بمعنوياتٍ مرتفعةٍ وبقدرةٍ فائقةٍ على المُناورة، تُتيحها مثل هذه الحروب. في حين يتمتَّع التحالف السعودي بهامشٍ أكبر للحركة في حال خسر الحرب، بحيث يعود إلى حل الدولة اليمنية الاتحادية المبنية على إقليمين بدلاً عن ستة أقاليم، ناهيك عن أن هزيمة التحالف في معركة الحديدة لا تحدِّد مصير الحُكم في المملكة العربية السعودية التي يمكنها القول إنها بذلت تضحيات من أجل شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي وإنها تقبل ما يقبله.
يُضاف إلى معركة الحديدة تطوّر القُدرات الصاروخية اليمنية التي باتت قادرة على الوصول إلى كُـلّ مدن المملكة العربية السعودية والإماراتية ناهيك عن الملاحة في البحر الأحمر. ويُشار أيضاً إلى تراجُع قوّة التحالف السعودي بعد أن خرجت منه أو جدت عملها فيه دول عديدة.
ومن بين الأسباب الأخرى للإجماع على التوجّه نحو طاولة المفاوضات، التمرّد الآخذ في التوسّع من طرف اليمنيين الذين يقطنون في المناطق الجنوبية والوسطى من اليمن ممَن تُدير شؤونهم القوات المُسلّحة الإماراتية أو السعودية، وبخاصةٍ في جزيرة سُقطرى وعدن والمهرة وحضرموت. ويُخشى إذا ما تفاقمت الأوضاع الإدارية والمعيشية في هذه المناطق أن يضطر التحالف السعودي إلى مواجهةِ عملياتٍ مُسلّحةٍ تلحق أذى كبيراً بدوره في الحرب وبقدرته على مواصلتها.
ونذكِّر بتفاقُم الأزمة الإنسانية في اليمن والناجِمة عن الحرب حيث تتهدَّد المجاعة والأمراض والبطالة والفقر ملايين اليمنيين. والمُلاحَظ في هذا الصَدَد أن الأمم المتحدة التي غطَّت هذه الحرب بقرارٍ شرعي، بدأت بالتراجُع وبالتالي انتقاد الحرب التي تُلحِق الأذى الأكبر بالمدنيين.
وفي السياق نفسه، يمكن الإشارة إلى قضية الصحافي جمال خاشقجي التي أضعفت الحكومة السعودية. لقد بات على الرياض أن تُدافع عن الحُكم داخل المملكة بمواجهة التدخّلات العالمية في هذه القضية وبخاصةٍ التدخّل المنهجي التركي الذي يُذكي نارها كلما تراجعت حدّتها.
إن اجتماع هذه العناصر وغيرها قد أدّى على ما نظّن إلى نقل الحرب اليمنية إلى طاولة المفاوضات في السويد أوائل الشهر المقبل، فهل يمكن الرِهان على تسويةٍ مُرضيةٍ للطرفين أم أنها لا تعدو كونها محطّة لالتقاط الأنفاس واستئناف القتال في ظلّ ظروفٍ أفضل للتحالف السعودي الذي لم يتوقّف بعد عن تنفيذِ غاراتٍ جويةٍ في محيط الحديدة وفي أمكنةٍ أخرى؟
إن تجارب الأمم المتحدة في حلّ النزاعات الدولية لا تُتيح لنا بناء آمال كبيرة على ما سيدور في السويد، إلا إذا تبيّن أن المبعوث الدولي يتكتَّم على عناصر حلّ الأزمة عبر تعهّدات حصل عليها من الطرفين. ومآلها إلى دولةٍ يمنيةٍ اتحاديةٍ من إقليمين تسبقها حكومة وحدة وطنية وإعادة بناء جيش وطني يتسلّم الأسلحة الثقيلة من كُـلّ المُقاتلين، ومن ثم انتخابات تشريعية تؤدِّي إلى مجلسٍ نيابي مُنتَخبٍ وإلى حكومة إعادة بناء ما هدمته الحرب.
إن احتمالات فشل المفاوضات في السويد وارِدةٌ أيضاً وربما بمستوى التفاؤل نفسه. وفي هذه الحال يرتسمُ سيناريو الدولة الفاشِلة مع فارِقٍ كبيرٍ هو أن فشلها لن يبقى محصوراً داخل أراضيها وسينعكس بأسوأ صوَرهِ على الملاحة الدولية في البحر الأحمر وعلى محيط اليمن وربما الشرق الأوسط برمّته.