الرئيس المشّاط: الـ 30 من نوفمبر يومٌ يضع المحتلّين الجدد أمام مصيرهم النهائي
ألقى الرئيسُ مهدي المشّاط –رئيس المجلس السياسيّ الأعلى-، أمس الأول، خطاباً متلفزاً بمناسبة حلول الذكرى الـ51 لعيد الاستقلال، أكّد فيه أن هذه المناسبةَ تُعتَبرُ محطةً تأريخيةً لاستلهام دروس النضال في مواجهة المحتلّ الأجنبي، معبّراً عن أسفه الشديد لما آلت إليه الباسمةُ عدن من مصير مؤلم أعاد لها تأريخ ما قبل 1967، ولكن هذه المرة باحتلال ملون متعدد الجنسيات.
وجدّد الرئيسُ المشّاط التأكيدَ على الموقف المبدأي في مواجهة هذا العدوان الصلف حتى تطهير كُـلّ شبر في اليمن من دنس الغزاة والمحتلّين، داعياً كُـلَّ أحرار اليمن إلى الاستمرار في بذل الجهود بما يحقّق النصر ودحر قوى الطغيان والاستكبار.
كما جدّد التأكيدَ على موقف اليمن -قيادةً وشعباً- في تحقيق السلام العادل الذي يضمن سيادة الوطن وحرية مواطنيه واستقرار قراره، والمبني على قاعدة الاحترام المتبادل وحُسن الجوار وحفظ المصالح المشتركة، لافتاً إلى العديد من القضايا ذات الصلة، وفيما يلي نص الخطاب:
بسم الله الرحمن الرحيم..
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على رسوله الأمين وعلى آله الميامين وصحابته المنتجبين وبعدُ..
بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن زملائي في المجلس السياسيّ الأعلى، أبارك لشعبنا اليمني العظيم حلولَ الثلاثين من نوفمبر المجيد، وبهذه المناسبة أهنئ أَيْضاً رفاقَ السلاح من أبطال الجيش واللجان الشعبيَّة ورجال القبائل الأبية وكل المخلصين والشرفاء في الداخل والخارج..
إنني أهنأكم أَيُّـهَا الكرام بما أنتم عليه من مواقف هي وحدها من سيعيد الاعتبار لهذا اليوم التأريخي المجيد.
أَيُّـهَا الإخوة والأخوات:
إن يومَ الثلاثين من نوفمبر هو يومُ التتويج لنضالات وتضحيات شعبنا ضد الاستعمار البريطاني، وهو اليومُ الذي ابتهجت فيه العزيزة عدن برحيل آخر جندي من جنود الاحتلال الأجنبي، وابتهجت بابتهاجها كُـلُّ المدن والقرى اليمنية حينذاك..
ولذلك فإنَّ من المفارقات المستفزَّةِ في هذا اليوم بالذات أن نرى المحتلَّ نفسَه يعودُ عبر أدواته من جديد، ونرى الباسمة عدن وهي حزينةٌ في يوم عيدها وبهجتها، وتعيشُ تحت وطأة الاحتلال الأجنبي في يوم حريتها واستقلالها..
أَيُّـهَا الشعبُ اليمنيُّ العظيم:
نعم.. لا شيء اليوم أقسى على نفوس الأحرار من مشهد كهذا المشهد، ولا شيء يستفزُّ اليمنيَّ الأصيلَ كهؤلاء الطارئين على التأريخ وأدواتهم.
لذلك يجبُ أن تُشعِرَنا هذه المناسبةُ بحجم التقصير تجاه تضحيات ونضالات أولئك الأمجاد الذين صنعوا يوم الثلاثين من نوفمبر وحقّقوا الاستقلال، مثلما يجبُ أن تشعلَ في نفوس كُـلِّ الغيارى أعلى درجات الغضب، وأقوى براكين الثورة، ضد خَوَنَة يبيعون الوطن بالفتات، وضد غزاة أجانب يدنّسون الأرض، وينتهكون العِرض، ويسفكون الدم، ويخدشون كبرياء الشعب، ويدمّـرون ممتلكاته ومقدراته، ويستلبون خيراته وثرواته، ويصادِرون قرار اليمن، ويعتدون على سيادته واستقلاله، وعلى أمنه واستقراره، ووحدة وسلامة أراضيه.
ولا شكَّ أن التوثُّبَ لمواجهة كُـلّ هذا الصلف هو ما يجبُ أن نستمدَّه من وحي هذا اليوم الخالد، في كفاح مشتعل، وثورة لا تتوقف ولا ينبغي أن تتوقف حتى نرى آخرَ جندي من جنود الاحتلال الملون (متعدد الجنسيات) وقد غادر كُـلَّ شبر في اليمن، وحتى نرى عدن من جديد مبتهجة بحريتها، وباسمة بعد حزنها، كعنوان لليمن كُـلّ اليمن وللأرض كُـلّ الأرض.
أَيُّـهَا الشعبُ اليمنيُّ العظيم:
إنَّ يومَ الثلاثين من نوفمبر يمثلُ محطةً من أهمّ محطات التأريخ اليمني المليئة بالدروس والعِبَر فهو في ظل الظروف الراهنة لا يثيرُ فينا فقط مشاعر الثورة والغضب تجاه بشاعة المحتلّ ودناءة أدواته، وإنما هو أَيْضاً يمنحُنا اليقينَ تجاه المآلات والنتائج النهائية للمواقف والأطراف، سواءً على مستوى الموقف الوطني الذي يعبر عنه الشعب اليمني الرافض للاحتلال والعدوان في شمال الوطن وجنوبه وفي شرقه وغربه أَوْ على مستوى مواقف المعتدي الأجنبي ومن معه من الخَوَنَة والمرتزِقة.
إنه يومٌ يضعُ المحتلّين الجُدُدَ أمام مصيرهم النهائي ويذكرهم بالمشهد الأخير لمحتلّ سبقهم كان أَكْثَــر منهم قُــوَّة وقدرة وأَكْبَـر منهم تأريخاً وسطوةً، وكان يلقب بالإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، لكنه في نهاية المطاف حزم الأمتعة، وشد الرحال، ليعود من أرضنا منتوف الريش ومقصوص الجناح، الأمر الذي يؤكّد لهؤلاء الجدد على نحو قاطع بأن النتيجة الوحيدة والنهائية التي تنتظرهم هي الرحيل ولا شيء غير الرحيل، وأن الاستمرار في ما هم عليه إنما هو ضرب من ضروب العبث، وإساءة ما كان ينبغي أن يقدموا عليها، بل وليس من مصلحتهم الاستمرار فيها.
هو أَيْضاً يوم يذكر خَوَنَة الوطن وأدوات العدوان بالمشهد الأخير لمن سبقهم ممن صفقوا للمحتلّ البريطاني آنذاك..
وأنا هنا أدعو كُـلّ من يقف اليوم في خندق العدوان وكل من تسول له نفسه خيانة الأهل والوطن في مختلف البلدان إلى أخذ العبرة والتقاط الدرس من خلال التأمل في تفاصيل ذلك المشهد الذي سجله التأريخ، والنظر إلى من سبقوهم كيف طواهم الخزي وكيف غمرهم العار والشنار، وكيف كان البعض منهم يتوسلون جنود المستعمر البريطاني، ويتشبثون بأخشاب السفن لعلها تنجيهم من نظرات الشعب، التي ظلت تحتقرهم وتلعنهم وتطاردهم حتى ألجأت بعضهم إلى الانتحار.
أَيُّـهَا الإخوةُ والأخوات:
وفي المقابل، ينقل لنا يومُ الثلاثين من نوفمبر مشهداً مختلفاً تماماً، مشهداً ملؤُه النصرُ والمجد والخلود، وملؤه الفخر والاعتزازُ بكل أولئك الذين خاضوا معركةَ التحرير والاستقلال من قادة وجنود، ومن شهداء وجرحى رجالاً ونساءً ومجتمعاً حاضناً وداعماً، حتى غدا يومُ نصرهم مصدرَ شموخ وإلهام، وعيداً وطنياً خالداً، في تكريم أبدي يسافر عبر التأريخ، ويمتد عبر الأجيال.
فهنيئاً لكل يمني ويمنية يخوضون اليومَ نفسَ المعركة (معركة التحرير والاستقلال) ويسيرون اليوم على ذات الدرب (درب الحرية والكرامة).
وفي الختام وبمناسبة هذه الذكرى المجيدة أسجّلُ بعضَ الرسائل والنقاط السريعة:
1- نؤكّد لشعبنا العظيم حتميةَ المجد والانتصار، وللمحتلّ حتمية الطرد والرحيل، وللمرتزِقة وخَوَنَة الأوطان حتمية الخزي والعار، ونلفتُ نظرَ الجميع إلى أن المتغيرات والتحوّلات المتسارعة، سواء على المستوى المحلي أَوْ الإقليمي أَوْ الدولي، جميعُها تؤكّدُ اليومَ هذه الحتمياتِ الثلاث، مثلما تؤكّدُها حقائقُ التأريخ، ومن قبل ومن بعد تؤكّدُها سُنَنُ الله التي لا تتحول ولا تتبدل في كُـلّ مراحل الصراع بين الحق والباطل وبين العدل والظلم..
2- نعبّرُ عن اعتزازنا بتماسك جبهتنا الداخلية، وبالمواقف البطولية الخالدة لأبطال الجيش واللجان الشعبيَّة، ونشيد بكل المواقف الوطنية المشرفة لكافة القوى والأحزاب السياسيّة، والقبائل اليمن الوفية، كما نثمنُ عالياً دورَ العلماء والمثقفين ورجال الإعلام والتعليم والصحة، وجهود كُـلّ مؤسسات الدولة ومنتسبيها في كافة السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية، ونعتز بما يتحقّق على أيدي المخلصين في مجال التصحيح والبناء وتحسين الأداء، والحفاظ على المؤسسات، وعلى الحد الممكن من الخدمات، إلى جانب تسهيل وصول المساعدات، والتعاون مع العاملين الدوليين والمحليين في المجال الإنْسَـاني، ونشدُّ على أيدي الجميع في مواصلة العمل ومضاعَفة الجهود، وتعظيم خصائص التكافل والتعاون، وندعو كافة القوى والمكونات الوطنية وأبناء الشعب الكرام إلى الرفد المستمرّ والمستدام لرجال الرجال في جبهات الشرف ومتارس الدفاع عن الوطن والشعب.
3- نثمِّنُ غالياً جهودَ العيون الساهرة ونعتز بالنموذج الأمني المشرف الذي يقدمونه في كُـلّ مناطقنا التي تنعم بالحرية والأمن ونشد على أيديهم في مواصلة صون الأمن والاستقرار ورفع مستوى الإحسان إلى المواطنين، والتعامل الراقي مع كافة شرائح المجتمع دون تمييز، وأحث جميع المعنيين على مواصلة الاهتمام بتحسين أوضاع السجون والسجناء وأقول لهم فتشوا ونقبوا وتبينوا والله الله لا يبيتن في السجن يمني واحد بريء ولو لساعة واحدة، وفي المقابل الله الله في الضرب بيد من حديد ضد كُـلّ من تسول له نفسه المساس بحياة المواطن وأمنه وسكينته.
كما لا يفوتني أن أعبّرَ عن بالغ ألمي وحزني تجاه ما يتعرضُ له مواطنونا الأكارم في المناطق المحتلّة من الاعتقال والتعذيب والقتل والاغتيال، وفي هذا السياق نبارك كُـلَّ عمليات التحرّر في هذه المناطق، ونؤكّد وقوفنا ودعمنا لكل الشرفاء والأحرار المناهضين للاحتلال في كافة أرجاء جنوبنا الحبيب، وندعو الجميعَ إلى دعم نضالهم السلمي وإسناد كفاحهم المسلح بالمال والعتاد.
4- نُعَبِّرُ عن اعتزازنا البالغ بالخروج الكبير والمشرّف لشعبنا اليمني العظيم في مناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف وما عكسه هذا الخروج من خصوصية الارتباط برسول الله صلى الله عليه وآله، ومن الاستجابة الجماهيرية المشرفة لقائد الثورة حفظه الله تأكيداً لمبادئ الحق والعدل، وانتصاراً لقيم التسامح والتعايش التي جاء بها النبي محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم، ورفضاً ومناهضة لكل ممارسات الظلم والفساد والإرهاب التي يباشرها ويعمل على تغذيتها تحالف العدوان، ونؤكّد لجميع الشعوب والحكومات بأن هذا الالتفافَ الشعبي المهيب قد ساهم في تعرية زيف الشرعية المزعومة وإبراز ما تعانيه هذه الأدوات من غربة حقيقية، ومن انفصال تام عن كُـلّ ما له صلة بواقع اليمن والشعب، وأثبت وبما لا يدع مجالاً للشك باننا نستند إلى قضية عادلة قوامها النضال من أجل الحرية والاستقلال والسيادة في مواجهة عدوان غير مشروع وغير مبرر يستهدف كُـلّ جميل في هذا الوطن، من قبل أنْظمة قمعية ودكتاتورية وجماعات إرهابية تمارس كُـلّ أشكال الوحشية على أوسع نطاق، وعلى مرأى ومسمع من العالم، قتلاً وحصاراً وتجويعاً وتدميراً للاقتصاد والممتلكات العامة، صانعة بذلك أسوء كارثة إنْسَـانية عرفها العالم خلال المائة عام الأخيرة، في انتهاكٍ صارخٍ لكل القوانين والمواثيق الدولية والإنْسَـانية، الأمر الذي يجعلُ من استمرار مثل هذا العدوان وصمة عار في جبين الإنْسَـانية جمعاء، وتهديداً حقيقياً للسلم والأمن الدوليين، وفي هذا السياق ندعو كُـلّ حكومات وشعوب العالم إلى التضامن مع مظلومية شعبنا، وإدانة دول العدوان على بلادنا، ووقف كُـلّ أشكال الدعم والتعاون معها بما في ذلك وقف صفقات الأسلحة..
كما ندعو إلى تجميد العضوية في مجلس حقوق الإنْسَـان لكافة الدول المشاركة أَوْ الداعمة في هذه الحرب العدوانية على اليمن، ودعم مطالبتنا الدائمة والمحقة بتحقيق دولي نزيه ومحايد في كافة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنْسَـانية المرتكبة في اليمن، وندعو كافة الأحرار من سياسيّين وبرلمانيين وحقوقيين وإعلاميين إلى زيارة اليمن للوقوف على الأوضاع والتعرف على عظمة هذا الشعب وعلى تأريخه وقضيته العادلة.
5- نؤكّدُ بأنه لا يوجدُ في الوقت الحالي أيُّ ممثل للجمهورية اليمنية لدى الأمم المتحدة وأن كُـلّ ما هو موجودٌ هناك باسم اليمن ليس أَكْثَــرَ من وَهْمٍ وزيف لا شرعية لهم ولا يمثّلون مصالحَ الشعب اليمني وليس لهم أية قدرة على الدخول في أية التزامات حقيقية، ونعتبر استمرارَ الأمم المتحدة في التعامل مع هذا التمثيل الوهمي شكلاً من أشكال الاستخفاف بكرامة الشعب اليمني، ووقوفاً ضد مصالحه، وضد آماله وتطلعاته.
6- نؤكّد حرصنا على السلام وعلى دعم الجهود التي يقودُها المبعوثُ الأممي، ونعلن جهوزيةَ وفدنا المفاوض للالتحاق بمشاورات السويد المرتقبة، مؤكّدين على أهميَّة التهدئة لهذه المشاورات وعلى أهميَّة العمل الجاد على إيْجَاد إطَار واضح يعتمد على أُسُسٍ منطقية لهذه المشاورات ونشير إلى خطورة التصعيد القائم والمستمرّ على العملية السياسيّة والإنْسَـانية، مؤكّدين بأننا ما زلنا حتى الآن نلتزمُ درجات عالية من ضبط النفس؛ احتراماً لكافة الجهود والمساعي وحرصاً منا على توفير الأجواء الداعمة لنجاح المشاورات القادمة، متمنين على أولئك الذين بغوا علينا أن يصغوا لصوت العقل ونداءات السلام، ونكرّر دعوتنا إلى حقن الدماء والى المصالحة الأخوية على قاعدة الاحترام المتبادل وحُسن الجوار وحفظ المصالح المشتركة بين بلداننا وبما يعود بالخير والسلام على الجميع.
7- وفي الأخير لا يسعني إلا أن أتوجهَ بالشكر الجزيل إلى كُـلّ الأحرار والشرفاء المتضامنين مع مظلوميتنا، شعوباً وحكوماتٍ، وأحزاباً ومنظّماتٍ، من كُـلّ أشقائنا وأصدقائنا الأحرار على امتداد هذا العالم والشكر موصول لكل الإخوة العاملين في السلك الدبلوماسي، ولشبابنا وجالياتنا في الخارج على كُـلّ ما يبذلونه من جهودٍ حثيثة في التعريف بمظلومية شعبهم، والتعبير عن قضيتهم العادلة..
تحيا الجمهورية اليمنية..
المجد والخلود للشهداء..
الشفاء للجرحى..
الحرية للأسرى..
والسلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه..