مفاوضات السويد حملةُ علاقات عامة .. بقلم/ عبدالملك عيسى
كيف تفهم مفاوضات جنيف في الوضع الحالي؟ وأين من الممكن أن تصل؟ وهل هناك جديةٌ في الوصول إلى حلول تؤدي إلى إنهاء العدوان؟.
للإجابة على هذه التساؤلات لا بد من النظر إلى بيئات ثلاث لتتضح الصورة لدينا..
البيئةُ السياسيّة الدولية
عندَ النظر إلى البيئة السياسيّة الدولية، نلاحظُ أن تحالفَ العدوان يعاني من عُزلة دولية متنامية، فمملكة العدوان السعوديّة ممثلة في ولي عهدها بن سلمان قبل سنة من الآن كان محلَّ ترحيب دولي وشبه إجماع على دوره في الإصلاحات والتغيير ومكافحة الفساد ورمز للتحديث، أما اليومَ فهو كالتلميذ الساقط في الامتحان الذي يبحَثُ عن وسيلة لإرضاء والدَيه، فأمريكا وبريطانيا وفرنسا الداعمون الرئيسيون لبن سلمان يعانون من أوضاع سياسيّة داخلية مناقضة لتطلعاتهم، فلا مجلس العموم البريطاني ولا مجلس الشيوخ الأمريكي في وارد دعم سياسات بريطانيا وأمريكا الرسمية بشكل مطلق، حيث تتم مطالبة تقييد بن سلمان كحد أدنى، أما باقي الدول فتختلفُ مواقفُها نحو بن سلمان من دولة لأخرى، الشيءُ المؤكدُ أن وضعَ بن سلمان سيءٌ بكل المقاييس ولم يعد كما كان قبل خمسة أشهر من الآن، وهناك إعادة نظر في علاقات أغلب الدول مع التعامل مع بن سلمان وإنْ حاولت الإمارات وأمريكا إعادةَ تعويمه عبر الزيارات المرتبة إلى دول قريبة من الإمارات وأمريكا.
البيئة السياسيّة الإقليمية
من المعروف العداءُ المستحكمُ بين إيران من جهة وبين النظام السعوديّ من جهة أخرى، مما يخلقُ بيئةً غيرَ مستقرة إقليمياً ويجعل من وضع السعوديّة أَكْثَــرَ صعوبة، فإلى جانب إيران انضمت قطر وتركيا إلى الصف المعادي لبن سلمان لأسباب مختلفة فتركيا؛ بسببِ دعم السعوديّة للانقلاب ضد اردوغان وقطر؛ بسببِ الحصار المفروض عليها، وبالتالي اتخذت دولٌ أخرى موقفاً محايداً من هذا الصراع كعُمان والكويت والمغرب، مما أَدَّى إلى فقدان الدور السعوديّ والإماراتي، إلى الكثير من الأدوات السياسيّة التي كانت تستخدمها لتبييض جرائمها ضد الشعب اليمني كجامعة الدول العربية.
البيئة السياسيّة الداخلية
لم يعد بن سلمان يحظى بذلك الدعم داخل مملكة الإرْهَاب السعوديّ، لأسباب كثيرة: منها ما يتعلق بالصراع الداخلي في عائلة بني سعود والتي هي مرشحة للتزايد بقُــــوَّة في الفترة القادمة، كما تأثيرات اعتقالات بن سلمان لرجال الأعمال وأبناء عمومته والتضييق على الحريات واعتقال دُعاة الوهّابية والسلفية السعوديّين والإرهاق المالي؛ بسببِ الضغط الذي تسببه طلباتُ الرئيس الأمريكي ترامب والمؤشرات التي تأتي من داخل السعوديّة عن الصعوبات المالية.
لكل هذه المؤشرات فهناك تراجعٌ هائلٌ في قُــــوَّة السعوديّة ما بين الأمس واليوم وساءت الصورةُ أَكْثَــرَ..
بالمقابل كثيرٌ من المحللين يحتارون إذَا كان الحالُ كذلك فلماذا العدوان مستمرّاً ببساطة شديدة؛ لأَنَّ العدوانَ على اليمن هو حرب أمريكية ولمصالحَ أمريكية إسرائيلية بحتة، حاول فيها الأمريكي الاختباءَ خلف المرتزِق المحلي هادي، ثم حاول الاختباء خلف الوكيل الإقليمي السعوديّ، وعندما سقطت هذه الأدوات ظهر صاحبُ المصلحة الحقيقية في استمرار العدوان وهو الأمريكي؛ لذلك سمعنا بومبيو في إحاطته أمام مجلس الشيوخ الأمريكي يتحدث عن أهميّة السعوديّة وضرورة دعمها في العدوان وخطر إيقاف العدوان على المصالح الأمريكية..
وبالتالي فالمتوقعُ أن مفاوضات السويد لن تكون إلا حملة علاقات عامة لتجميل المأساة ومحاولة إضعاف الضغوط الدولية نحو إيقاف العدوان عبر الإيحاء بأن هناك عمليةً سياسيّةً قائمةً، وهي المفاوضات فلو كانت هناك جدية لتم إيقافُ التصعيد العسكريّ ولسمح للقرار البريطاني المعروض على مجلس الأمن بالصدور رغم مساوئه الكبيرة، كما أن المرتزِقة لم يسمح لهم بتوقيع اتفاق الأسرى وغيرها من المؤشرات التي تدفع نحو الاعتقاد بأن المشاورات القادمة لن تخرج بنتيجة ذات جدوى رغم أنها تمثل حملاً ثقيلاً على السعوديّ لكن القرار ليس بيده بل بيد العدوّ الأصيل وهو الأمريكي ومن بعده الإسرائيلي والإماراتي.
وما يدفع لإقامة المشاورات في هذا التوقيت الضغوطُ الممارسة دولياً لإيقاف العدوان ضد اليمن وما سيؤدي لإيقاف الحرب هو التغيير في الميزان العسكريّ لصالح الجيش واللجان الشعبية، مما يدفع الأمريكي لليأس من الحسم العسكريّ واللجوء للحل السياسيّ كعادته في كُــلّ الملفات الدولية.