معنى: مــحــياي ومماتي لله؟
أوضح الشهيد القائد -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ- كيف تكون حياة الإنسان لله، وأنه بالعمل الصالح سيكون محط رضوان الله، وأنه يجب عليه أن يعرف الله المعرفة الحقيقية الكاملة، وأن يعرف الإنسان ما هي علاقته بالله، وأن يرسخ الشعور في نفسه بأنه عبد لله، فتكون بذلك حياته لله، حيث قال: [وأن يعبِّد الإنسان نفسه لله معناه في الأخير أن يسلِّم نفسه لله، فيكون مسلِّما لله ينطلق في كُــلّ عمل يرضي الله باعتباره عبداً لله همُّه أن يحصلَ على رضوان الله، ويتعامل مع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى باعتباره هو ملكه وإلهه وسيده ومولاه. في هذه الحالة يكون الإنسان أقرب ما يكون إلى الإخلاص، وفي هذه الحالة يكون الإنسان قد رسم ومعنى أن حياتي لله: أنني نذرت حياتي لله في سبيله في طاعته، ومماتي أيضا لله، كيف يمكن أن يكون موت الإنسان لله؟ من الذي يستشعر لنفسه طريقاً يسير عليه هو نفسه الذي أمر الله به رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) عندما قال له: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}. هذه هي الغاية، وهذا هو الشعور الذي يجب أن يسود على نفس كُــلّ واحد منا، ويسيطر على نفس كُــلّ واحد منا].
وأضاف أيضاً: [لا يتحقّق للإنسان أن تكون حياته لله إلا إذا عرف الله أولاً، وعبَّد نفسه لله ثانياً، حينها سيرى أن هناك ما يشده إلى أن تكون حياته كلها لله، سيرى بأنه فخر له: أن ينذر حياته كلها لله، سيرى نفسه ينطلق في هذا الميدان برغبة وارتياح أن ينذر حياته لله فتكون حركته في الحياة، تقلباته في الحياة مسيرته في الحياة كلها من أجل الله وعلى هدي الله وإلى ما يحقّق رضاء الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى].
وفي ذات السياق شرح -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ- قوله تعالى: [ومماتي لله رب العالمين]، بأن الإنسان عندما ينطلق مجاهدا لأعداء الله، فإذا ما استشهد فهو لله، وفي سبيله، حيث قال: [أمرت أن يكون مماتي لله أن يكون موت الإنسان لله هو عندما يجند نفسه لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، عندما يطلب الشهادة في سبيل الله، عندما يستعد للشهادة في سبيل الله، عندما يكون موطنا لنفسه أن يموت في سبيل الله.. لا أتصور معنى آخر يمكن أن يحقّق للإنسان أن يكون موته لله إلا على هذا النحو وليس فقط أن يكون مستعداً، بل يسعى لأن يكون موته في سبيل الله، بأن يحظى بالشهادة في سبيل الله، وهذه هي صفة القرآن الكريم جعلها من الصفات اللازمة للمؤمنين أن لديهم هذا الشعور هو الشعور نفسه الذي نتهرب منه، هو الشعور نفسه الذي قد ينصحنا حتى بعض المتدينين به [بطِّل ما لك حاجة إمش على شغلك وعملك…] إلى آخره. بينما القرآن الكريم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يصف عباده المؤمنين بأنهم هم من يعرضون أنفسهم للبيع من الله عندما قال: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} وهذه الآية: {إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أليس هذا يعني: أن المؤمنين هم دائماً يحملون هذا الشعور، هو: أنهم ينذرون حياتهم لله وأن يموتوا في سبيله].
وأضاف -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ-: [ولا يمكن للمؤمنين أن يعلوا كلمة الله، ولا أن يكونوا أنصاراً لله، ولا أن يكونوا بشكل أمة تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ما لم يكن لديها هذا الشعور هو: أنهم نذروا حياتهم وموتهم لله، هو أنهم يريدون أن يموتوا في سبيل الله. من رحمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الواسعة بعباده – وهو يفتح أمامهم المجالات الواسعة والمتعددة لما يحصلون من ورائه على رضوانه وعلى ما وعد به أولياءه – فتح أمام الإنسان إمكانية أن يستثمر حتى موته الذي هو حتمية لا بد منها، قضية لا بد منها لكل إنسان سواء كان براً أَوْ فاجراً كبيراً أَوْ صغيراً لا بد أن يموتَ، فإن اللهَ لرحمته بعباده فتَحَ أمام الإنسان هذا الباب العظيم هو: إمكانية أن يستثمر موته على أعلى وأرقى درجة، أعلى وأرقى درجة].