أنظمة بلا هوية! بقلم/ محمّد لواتي
* رئيس تحرير يومية المُستقبل المغاربي
المؤكّد أن السعوديّة ارتبط نظامها مند نشأتها الأولى بمظاهر العنف الديني وأحياناً بالتكفير، فضلاً عن ارتباطها العضوي بالصهيونية العالمية (أميركا وإسرائيل) وأن “داعش” وأخواتها ما هم إلا مطرقة بيدها لتفتيت الدول العربية والإسْـلَامية. فلا مشروع سياسيّ أَوْ حزبي فيها يشترك فيهما الجميع ما عدا ابن سلمان الآمِر والناهي معاً؛ لأَنَّ الرأي الأحادي مُقدَّس لديها وتدعمه بعنف المؤسّسة الدينية بزعامة آل الشيخ!!
ولأن العنف لا يحفر عشّه السياسيّ إلا في غياب الممارسة السياسيّة المُعترَف فيها بالرأي الآخر، فإن الرفض لها وفق هذا المنظور صار ظاهرة مُلازِمة للمجتمع السعوديّ مند تأسيسه إلى الآن، لم تواجَه الظاهرة ويُقضى عليها في المجتمعات المتطوّرة (أوروبياً وعربياً) إلا بالديمقراطية، وإذا كان الأمر هكذا تاريخياً وسياسيّاً فلماذا تخلّف النظام السعوديّ عنها وبقي محشوراً في زاوية الحُكم القبلي!!
ومعروف أن ظاهرة العنف السياسيّ تتّخذ مع مرور الوقت إن لم تعالج سِمة الفوضى الحقيقية، إذ يتّخذ العنف فيها شكل التعدّدية من حيث المفاهيم والمطالب، وهذا الحَرَج السياسيّ لا يمكن مسحه من الخارطة إلا بحوارٍ مُتكافئ تتلاقي فيه الأطراف على وفاقٍ يمسح الأزمة ويُعيد الترابط الاجتماعي إلى ما كان عليه قبل الأزمة، ومن الغباء عدم الاعتبار بحوادث التاريخ.. إذن، لكل ذلك نرى حرائق عاصفة تعصف بالسعوديّة سياسيّاً وأخلاقياً، وربما تدفع بها إلى المجهول، وحرائق سياسيّة وطبيعية وأخلاقية عاصفة أيضاً، بسيّدها الرئيس دولاند ترامب؛ لأَنَّه مارس ويمارس العنصرية بشكلٍ يتناقض والدستور الأميركي، فلا الأولى (السعوديّة) قادِرة على الخروج من قلب العاصفة من دون دفع الثمن، والثمن بالتأكيد هو رأس ابن سلمان، وبالتالي نهاية الحُكم السلالي ككل.
ويبدو ذلك في مرحلةٍ متقدّمةٍ من النهاية، وبالنسبة للرئيس ترامب فما عاد لديه قول في أن البقرة الحلوب تعصمه من أخطائه بضرعها وحتى بلحمها، فالحقيقة التي كشفت عنها وكالة المخابرات المركزية الأميركية، (CIA).. بقولها “نعتقد أن ابن سلمان هو مَن أمرَ بقتل خاشقجي” حيث تشير بوضوح إلى أن مَن أمر بقتل جمال خاشقجي هو المُتهوّر محمّد بن سلمان، وذهبت النخبة المنتخبة في مجلس الكونغرس أَوْ النواب وفي الصحافة الأميركية أيضاً إلى الأخذ بما نشرته الواشنطن بوست وهو” ما يعقّد” جهود الرئيس دونالد ترامب للحفاظ على العلاقات مع حليف رئيسي للولايات المتحدة، طبعاً حليف المصالح الخَاصَّـة ولا فائدة ترى منها لابن سلمان والمملكة. “إن تقلّب المزاج اليومي لترامب يوحي للمؤسّسات الفاعِلة في الولايات المتحدة الأميركية بأنه رئيس غير ذي صواب، وآخر هذا المزاج ما كشفت عنه صحيفة نيويورك تايمز الأميركية” أن كريستين فونتين روز مسؤولة السياسة الأميركية تجاه السعوديّة في البيت الأبيض، قدّمت استقالتها الجمعة16/11/2018..؛ لأَنَّ البيت الأبيض لم يعد أبيضاً بعائلة ترامب، بل صار مثاراً للسخرية لدى كل الأميركيين”.
فهل القتل المباشر وغير المباشر لليمنيين والسوريين من الإسْـلَام ومن الإنسانية؟ إن الفاكهة الإسْـلَامية التي يبشّر بها يومياً دُعاتها في السعوديّة لا تسقط بعيداً عن شجرتها “داعش”، وإن الولاء لأميركا لا يسقط هو أيضاً بعيداً عن ملّة الخطأ الفادِح، وهذان أمران خطيران عليها وعلى الأمّة الإسْـلَامية. إن محاولات تثقيف السياسة بما لا صلة له بها لدى كل دول “التعافن” الخليجي، إنه يدعو للحيرة بل يبدو جلياً أن المنظّرين له هم في عالم لا يمتّ لعالم البشرية بكل مُعتقداتها أصلاً، فهل من السياسة اتّهام إيران بأنها “مجوسية” وأكبر بعثة للحجّ هي إيرانية، وإنها العدوّ الأساس لهم بدل إسرائيل التي أضحت نساؤها تغزو المنطقة “للتطبيع” والطاعة العمياء، وهي أصلاً لأسبابٍ لا تُخفى على أحد، إن منطق المال الذي تحتمي به لا يُغيّر في الواقع غير مظاهر العمارة، ولا يُعطي إلا المزيد من البذخ الموصل إلى التخلّف الحضاري، والأمم بحاجة إلى صناعة الحضارة والوعي بالتاريخ، التاريخ الذي يصنع الأمم لا إلى مخلّفات ما تستهلكه البطون ويُرمى في المزابل، إن فائض المال في كل دول الخليج أتاح لها الموت في الإغماء والإغراء معاً بدل النهوض بالمستوى السياسيّ والعقيدي لشعوب المنطقة، وكأن المنطقة ما زالت بعد تعيش عصر عُمر بن أبي ربيعة وامرؤ القيس..!!
أكيد الدخان لا يحجب الحريق، وإن الاكتفاء بالمواعظ المغشوشة لا يجلب إلا الخطأ، ليُضاف لاحقاً إلى خطايا أخرى أكثر منها، فهل من السياسة رفض الرأي الآخر حتى وإن كان سليماً..؟ بل هل من الدّين قتل أصحاب الرأي الآخر أَوْ الزجّ بهم في أعماق السجون المُظلمة كي يبقى الرأي الأحادي مُسيطراً وإن كان مهلكة سارية المفعول..؟
إن منطق “ما أريكم إلا ما أرى “هو منطق فرعوني وإنه إن لم يكن قائماً على البغي، فهو قائم على العصبية الجاهلية، وهذا هو مبدأ التعالي الذي تتبنّاه دول الخليج كلها بناء على التراكم المالي الذي أعطاها إياه الغاز والبترول.. ثمة واقع منضبط بضوابط الحكمة القائلة ” مادح نفسه كذّاب”، وهو اقع ينطبق على حكّام الخليج وبعض النُخَب المُثقّفة فيه، وثمّة واقع مبني على” الحكمة ضالّة المؤمن أنّى وجدها التقطها” أَوْ “خذ الحكمة ولو من فم الشيطان”، وهو حاصل دول الممانعة أَوْ محور المقاومة، والفرق بين الإثنين كالفرق بين الأعمى والبصير.. إن التحوّل في السياسة لا يأخذ شكل المُنظّف لما حوله بل المُنظّف لما هو عليه وإلا كان الإهمال له والجيّد لغيره، وهذا بالضبط ما تقوم به أطراف عدّة في منطقة الخليج وعلى رأسها السعوديّة.. إن السباق نحو الأقوى في مَن يبني بروجاَ أعلى يُناطح بها السحاب هو سباق نحو اللاوعي بالحقائق المُضرّة من هذه الأبراج، فما تأكله في التنظيف والحرائق التي تصيبها هو أكبر بكثير مما يقدّم للإنسان من وعي اجتماعي وثقافي وحضاري.