خاشقجي اليمن .. بقلم/ أحمد سليمان العمري
قُتل خاشقجي واحد، قامت الدنيا ولغاية الآن لم تقعد. على صعيد القرار السياسي العالمي بدءاً من أميركا التي وضعت ابن سلمان في “خانة اليك” وعَلَّ تركيا مشتركة معها لابتزاز السعودية، وأنا لا أريدُ أن أقلِّلَ من حجم الجريمة التي مُورست بحق الإعلامي السعودي، غير أن دولاً عظمى مثل روسيا والصين تتصدّرُ أكثرَ الدول لاعتقالات الإعلاميين، ولا أنسى تركيا ومصر، حيث تجاوز عددُ القتلى الصحفيين أكثرَ من إثنين وثلاثين قتيلاً، حسب إحصائية الاتّحاد الدولي للصحفيين وسجن ما يزيد عن الثلاثمائة حتى هذا العام، ولم يندّد أحدٌ لا على المستوى العربي وَلا العالمي.
هل مساهمة ابن سلمان الرئيسية ومعه دول الخليج في الحرب على أبناء اليمن سببُها الحفاظُ على المنظومة الخليجية وعلى حدوده فعلاً؟
إن كان الأمر كذلك، أفليس من المنطقي أن يقفَ ابن سلمان بين الرؤساء والملوك العرب للتصدّي للكيان الصهيوني وهجومه الدائم الغاشم على غزّة بدلاً من العلاقة الحميمة معه وتأييده في حربه ضدّ الفلسطينيين؟
عاصفة الحزم”، التي بدأت في 26 مارس/آذار 2015م كانت الغارة الأولى. وتجاوزت الحملة الـ 70 غارة جوية غير شرعية حسب “Human Rights Watch” “هيومن رايتس ووتش” والتي راح ضحيتها أكثر من 1000 مدنيّ عدا الإصابات التي وصلت لـ 3500 معظمهم من العُزّل، إضافةً لتدمير منازل ومؤسّسات مدنيّة مثل المدارس ومنشآت دينية كالمساجد، ممّا أدّى لردود فعلٍ شبيهةٍ من القوات الحوثية وأُخْرَى من الجانب الآخر بهجمات مدفعية عشوائية في المناطق المدنية، حيث كان السواد الأعظم أبرياءً مدنيين. أشبه ما تكون بجرائم حرب على أبناء الجلدة الواحدة.
ما الذي يسهّل قراراتُ الحروب في الساحة العربية ويسهّل آليات التطبيع، ويسمّى حيناً سلام مع الكيان الإسرائيلي؟
كيف لدولة مثل عُمان استطاعت على مدى قرون فصْلَ نفسها عن الجسد العربي وكأنها بعضٌ من الهند، تدخل اليوم مع إسرائيل بمعاهدات سياسية وإبرام خطط اقتصادية؟ هذا في ذات الوقت الذي تقفُ فيه عُمان متفرّجةً في الحرب السعودية ودول التحالف على اليمن.
لقد سبق في الماضي ومارست مسقط دوراً دبلوماسياً محورياً وإنْ لم يكن بشكل واضح وصريح للتقريب بين الأطراف اليمنية المتناحرة، هذا يعني بالضرورة أن عدمَ تدخّلها بحدّ ذاته هو تدخّلٌ بشكل ملتوٍ لصالح دول التحالف؛ لأَنَّها قادرةٌ على مطالبة الحوثيين لطاولة المحادثات في جنيف، ممّا يؤدي إلى تسهيل عملية السلام بين الطرفين.
الملفتُ للنظر توقيتُ تشديد شروط الدول الأوروبية على صادرات الأسلحة للسعودية مع مقتل خاشقجي، رغم الترويج المرتبط بالحظر المؤقت هو منع استخدامها في حرب اليمن، رغم التعريض وعدم المنع للإمارات والدول المشاركة، فلمَ محاولات حظر السعودية دوناً عن الدول المشاركة؟ وهناك نقطة مهمة حول ما قدّمته ألمانيا في حظر السعودية المؤقت والذي رفضته الشركات المصنّعة بذريعة الشروط الجزائية، فالحقيقةُ هي منعٌ من اليمين وسماح بالشمال.
منذ أن بدأت الحرب على اليمن لغاية اللحظة وحجم الخسائر بين المدنيين هو الضررُ الأكبرُ في اليمن بين جوع وتشرّد وقتل على مرأى من العالم العربي والغربي من دون أي تدخّل لإنهاء الصراع العقيم، لا بل شاركت الدول الغربية الداعمة مثل بريطانيا وأميركا وهي المعنية ببقاء المجازر البشرية في المنطقة. فلو راقبنا حملات حمامة السلام الأميركية “باراك أوباما” في 2016م لوجدنا أنها وصلت إلى 37 غارة جوية من غير طيّار وتابع خليفته بأكثرَ من 103 غارات أيضاً من غير طيّار حسب إحصائية “مكتب الصحافة الاستقصائية” هذا عدا الهجوم الأرضي واحتجاز أسرى يمنيين في “غوانتانامو”.
أمّا قاصمة الظهر، فهي منعُ السعودية المساعداتِ الإنسانيةَ لأكبر شعب يعيشُ أزمةَ حرب في العالم، فهناك أكثرُ من ثمانية ملايين يمني يعاني المجاعةَ وما يقارب المليون يصارعون المرض الذي سبّبته الخلافات العسكرية.
أين هو المنطقُ في تسخير كُــلّ الجهود والنفوذ التسليحي العربي لتدمير بلد مثل اليمن وخلْق بلدٍ منه يُشبِهُ أفغانستان قبل خمسة عشر عاماً وتسيير كُــلّ سُبُل التطبيع مع الكيان الصهيوني العنجهي؟ مَن هو المستفيد من بقاء الحال على وضعه، لا بل تفاقمه؟
ذريعةُ السعودية ومعها دول التحالف، حفاظُها على الحدود سببٌ ركيكٌ لا يؤمنُ به إلّا الراغبون ببقاء المنطقة في حرب أشدّ ضراوة من “داحس والغبراء” ولا يُعتدّ بتبريراته. أم هو القضاء على دولة الحوثيين حليفة لدولة إيران، حسب الادّعاءات الرائجة، وإذا كان الأمر حقاً فلا ضير، هذا لأنّنا الآن في طور تجاوز التطبيع مع دولة الاحتلال اليهودي حتى آل إلى إتّجار وصداقات، فلمَ لا نبرم مثل هذه الاتّفاقيات مع إيران المسلمة؟
قُتل خاشقجي واحد، قامت الدنيا ولغاية الآن لم تقعد. على صعيد القرار السياسي العالمي بدءاً من أميركا التي وضعت ابن سلمان في “خانة اليك” وعَلَّ تركيا مشتركة معها لابتزاز السعودية، وأنا لا أريدُ أن أقلِّلَ من حجم الجريمة التي مُورست بحق الإعلامي السعودي، غير أن دولاً عظمى مثل روسيا والصين تتصدّرُ أكثرَ الدول لاعتقالات الإعلاميين، ولا أنسى تركيا ومصر، حيث تجاوز عددُ القتلى الصحفيين أكثرَ من إثنين وثلاثين قتيلاً، حسب إحصائية الاتّحاد الدولي للصحفيين وسجن ما يزيد عن الثلاثمائة حتى هذا العام، ولم يندّد أحدٌ لا على المستوى العربي وَلا العالمي.
متى تستبدل قوى التحالف على اليمن ومعها ما تبقّى من الدول العربية طاقتها لفضّ النزاع وتقديم أممّ تُقتل على حساب فرد كان ضحية مصيدة أميركية للسعودية، والدور الأميركي وسلوكه الاستبدادي المتمثل برئيسه “دونالد ترامب” وتعمّده المفرط في الهجوم على ما يسميه “التطرّف الإسلامي”؟ الذي راح ضحيته منذ أيلول/ سبتمبر 2001م أكثر من نصف مليون شخص حسب إحصائية نشرتها جامعة “براون الأميركية” هذا مع التعتيم الإعلامي بعدد ضحايا حرب اليمن.
التعتيم الإعلامي المبالغ فيه في ما يتعلق بالقتل اليوميّ في اليمن وتقديم قضايا حقوق الحيوان في العالم على أطفالٍ تخالهم أشباحاً وهياكلَ عظمية، وهذا بشكل يوميّ وممنهج هي سياسة الدول العظمى في التطبيق العسكري في المنطقة.
أين الضميرُ السياسيُّ الإنساني تجاه هذه الأمّة التي نراها تموت جوعاً وجلّهم أطفال، يُستخدَم أكثرهم بين القوّتين المتقاتلتين كدروع بشرية وزواج القاصرات الجبريّ وعلى مرأى ومسمعٍ من العالم العربي الإسلامي الجبان ودول الجوار والغرب من خلفهم لا يرى فينا غير أجهزة آلية تخدم مصالحهم في المنطقة.
أميركا تستخدمُ العائلةَ السعوديةَ الحاكمةَ ومعها دول الخليج والدول العربية الأُخْرَى لرسم خريطة جديدة في المنطقة على أنقاض قتلى الوطن في سوريا وفلسطين والعراق وفي اليمن صوَر تقشعّر لها الأبدان.
فبالله أنقذوا أطفال اليمن.
* كاتب أردني.. بتصرُّف يسير