الِقيمُ الإنْسَانِية وَالأعْمَالُ الصّالحَات .. بقلم/ مطهر يحيى شرف الدين
يستنكرُ الإنْسَانُ العاقل أي جُرم أَوْ انتهاك يُرتكَبُ بحقه أَوْ بحق غيره بل ويدافع عنه وعن عرضه وماله إن واجه اعتداء أَوْ انتقاص من كرامته وعزته وليس بإنْسَان طبيعي وعاقل من يرضى أن يُنتهك عرضه أَوْ يُؤخذ ماله أَوْ تُسلب حقوقه فيصمُت ويلزم الحياد إزاء تلك الانتهاكات.
وفضلاً عن ذلك ما تفرضه القيم الإنْسَانية وَالفطرة السليمة للإنْسَان التي تتجلى في معرفة الخير من الشر والتفريق بين الحق والباطل والنزعة للحمية على الدين والأرض والعرض وكذلك واجب الانتصار للضعفاء والمظلومين والدفاع عن حقوقهم من أن ينالها انتهاك أَوْ يسعى إليها منتهك للحقوق أَوْ طامع في أرض سعياً لاحتلالها.
إذاً فالقيمُ الإنْسَانية والفطرة السليمة تتجه بنا إلى الحق المشروع والابتعاد عن الباطل والتحلي بمكارم الأَخْلَاق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ترجمة للمنهج القُــرْآني في آيات عديدة، ومثالاً على ذلك لا يتم ذكر الذين آمنوا في كتاب الله الكريم إلا ويقترن معهم مراراً وتكراراً قوله تعالى “وعملوا الصالحات” إذاً فنحن أمام أعمال صالحات تفرضها القيم والفطرة منها أعمال البِر والإحسان وَالخير والاصلاح بين الناس والتعاون والايثار والانتصار للضعيف ومواجهة الظلم ودعوة الناس إلى الخير وتسخير الإمكانات المتاحة لتوفير أسباب العيش الكريم للمجتمعات دون تمييز أَوْ عصبية لفئة دون أُخْــرَى، وفي مقابل ذلك فإن الاستعلاء على البسطاء من الناس واحتكار لقمة العيش وَالنفوذ والتحكم بمصائر الناس وأقواتهم واتخاذ القرارات لمصلحة شخصية أَوْ أسرية أَوْ عنصرية أَوْ مناطقية.
فذلك ليس من الدين في شيء وَبلا شك فإنها تمثل فراغاً للقيم الإنْسَانية وَانهزاماً نفسياً وأَخْلَاقياً، مما يدل على أن المعتدي والمنتهك للحقوق إنْسَان ناقص ويفتقد إلى الكمال وذو عقلية سطحية وَنظرة ضيقة وجاهلة تدخل أصحاب هذه النفوس المريضة في وحل المعاصي وارتكاب المحرمات فتسوق صاحبها إلى الاستعلاء على الآخرين سالكاً الظلم والطغيان منهجاً وتجبراً على عباد الله المستضعفين معرضاً عن الناس غير مكترث لمعاناتهم ومشاكلهم وظروفهم وذلك إنما يرجع إلى أسباب متعلقة بعدم تزكية النفس “قال تعالى قد أفلح من زكاها ” وفي آية أُخْــرَى “قد أفلح من تزكى”.
وبالتالي فتزكية النفس من المعاصي والشبهات هي قيمة الإنْسَان الحقيقية وتتمثل في تقوية الصلة بالله تعالى واتباع أوامره ونواهيه وامتثالاً لتعاليم رسول الإنْسَانية محمد صلوات الله عليه وآله الطاهرين تحقيقاً لأهداف بعثته عليه الصلاة والسلام الذي قال “إنما بعثت لأتمم مكارم الأَخْلَاق”؛ ولذلك فإن الانسياق للأهواء وَالشهوات والخضوع للنفس الأمّارة بالسوء؛ سعياً للأطماع والنفوذ إنما هو نتيجةً طبيعية للإفلاس الأَخْلَاقي وتطبيع النفس على المنكرات والانقياد لها نحو طريق الشر وذلك بلا شك خروج عن الفطرة السليمة، وبذلك يكون الانزلاق إلى الشبهات والمعاصي سهلاً مما ينتج عن ذلك تهيئة ملائمة لأن يجعل الإنْسَان نفسه في محور الشر وفي صف الطاغوت المطرود من رحمة الله؛ وذلك بسَبب سيطرة النفس وتحكمها على الذات والرؤية المادية للحياة التي تعتمد على الحيل والكذب والخداع والتماهي مع الباطل وذلك بدلاً عن الرؤية الروحية للدين والدنيا والآخرة التي تعتمد على الثقة بالله والاتصال الوثيق به عز وجل والعيش من أجل الناس وليس من أجل إشباع الغرائز للذات والقيام بتحمل الأمانة والمسؤولية وواجب الدفاع عن الدين والأرض والعرض والوفاء للقيم ولمبادئ الدين والأَخْلَاق؛ سعياً لتثبيت راية الحق عالية قال تعالى “فِطرَة اللّهِ التي فطَر الناسَ علَيْها لا تبْديلَ لِخلقِ الله ذَلك الدِينُ القَيم ولكِنَ أكْثرَ النّاسِ لاَ يعْلمُون” وقال تعالى “ومن يَبتغِ غيْر الإسْلَامِ ديناً فلن يقبلَ مِنه وَهوَ في الآخرَة منَ الخاسِرين”.
لذلك نجد القُــرْآن الكريم دائماً ما يحث الإنْسَان على العمل الصالح وَالاستقامة والوقوف إلى جانب الحق وأعمال الخير وإلى القيم والمثل فالله تعالى خلق الإنْسَان وميزه عن غيرهِ من الكائنات بالعقل الذي يفكر ويتدبر ويميز الحق من الباطل والمعروف من المنكر ويعرف الحلال من الحرام ويقف على مسائل بعضها قد تكون شائكة وفيها من اللبس ما يجعل الإنْسَان إما تقياً متورعاً يخاف الله وإما شقياً متبعاً لهواه ولو على حساب قيمه وَدينه وعرضه فيبرر لسلوكه وثقافته المغلوطة التي بنيت على الماديات الصرفة دون الاعتبار للنهج القُــرْآني الذي ينجي الإنْسَان من الضلال ويرجع به إلى دين الله وكتابه والغايات النبيلة للرسالة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم قال تعالى “ولْتَكُن منْكم أُمةٌ يَدعُونَ إلى الخَيْر ويأمُرونَ بالمَعروْف ويَنهَونَ عنِ المُنكرِ وَأولئكَ همُ المفْلحُون”.