تاريخ دعاية “التدخل الإيراني في اليمن”
المسيرة | ضرار الطيب
بدأت مزاعمُ “التدخل الإيراني في اليمن” مع انطلاقة المشروع القرآني الذي أسّسه الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي، والذي يحث على الوقوف ضد السياسات الأمريكية والصهيونية التوسعية في المنطقة العربية والإسلامية بشكل عام وفي اليمن بشكل خاص، ومنذ ذلك الوقت إلى الآن، وبالرغم من أن تلك المزاعم ازدادت انتشاراً بأكثرَ من صورة وبشكل متواصل، إلا أن مردّديها عجزوا تماماً عن تقديم أي دليل يثبت صحة ادّعاءاتهم، بل إنهم اعترفوا في كثير من المرات بأنه لا وجودَ لما يثبت ذلك، الأمر الذي يوضح أن تلك المزاعم لم تكن في الأساس سوى دعايات غرضُها مواجهةُ أي نشاط يعارِضُ التدخلاتِ الأمريكية في اليمن، وازداد ذلك وضوحاً خلال كل الأحداث التي شهدتها بقية دول المنطقة والتي تم فيها استنساخُ نفس المزاعم لاتهام جميع من يعارضون الهيمنةَ الأمريكية بنفس التهمة الكاذبة.
اليوم وبعد قرابة أربع سنوات من قتل وحصار اليمنيين تحت شعارات محاربة “المد الإيراني” بات الواقع مليئاً بالشواهد البارزة على زيف تلك الشعارات، وإن كانت هناك شواهد كثيرة على ذلك من قبل العدوان، إلا أنها اليوم أكثر مباشرة ووضوحاً بما يسقط جميع المبررات، وهو ما يستوجب إعادةَ النظر ـ على ضوء هذه الشواهد ـ في مسيرة الأحداث خلال أكثرَ من مرحلة لرؤية المشهد كاملا.
قبل أسبوع، ظهر السفير الفرنسي السابق في اليمن، جيل غوتيه، في مقابلة مع قناة فرانس 24، وتحدث عن بداية انطلاق تهمة “التدخل الإيراني في اليمن” عائداً بالذاكرة السياسية إلى الحروب التي شنتها السلطة اليمنية الظالمة على السيد حسين بدر الدين الحوثي ورفاقه وتلاميذه عقب إطلاقه للمشروع القرآني المتوج بشعار “الموت لأمريكا الموت لإسرائيل”، حيث لجأ النظامُ اليمني آنذاك إلى إطلاق تهمة الارتباط بإيران على السيد الشهيد ورفاقه لتبرير حروبه الظالمة.
السفير الفرنسي كشف خلال المقابلة أنه التقى بوزير الداخلية في حكومة علي عبد الله صالح، خلال فترة الحروب على صعدة، موضحاً أن الوزير اعترف له بأن السلطة “تدّعي أنها تشن الحرب على صعدة بحُجَّة دعم إيران لأنصار الله، برغم أنه لا يوجد أي دليل على ذلك الدعم إطلاقاً”.
ويضيف غوتيه بوضوح: “لا يوجد إيرانيون في اليمن، وهذه دعاية كبرى والأمريكان يعرفون ذلك جيداً، ولا يوجد هناك أي دليل يثبت الوجود الإيراني”.
حقيقةٌ سمعناها كثيراً قبل أن يقولها السفير الفرنسي، ويتضح في النهاية أن النظام الموالي لأمريكا في اليمن شن 6 حروب ظالمة ومدمرة على صعدة معتمداً على “دعاية” لا أساس لها من الصحة، ليس لأنه تم تضليله بها، بل لأن هدفَ تلك الحروب كان القضاء على شعار “الموت لأمريكا” وحامليه الذين لم ترضَ عنهم الولايات المتحدة.
بعد حروب صعدة، وقيام ثورة 2011، جاءت السلطةُ المواليةُ لأمريكا أيضاً لتسير على خُطَى سابقتها، مستنسخةً نفسَ العُذر لتبرير اتّساع التدخلات الأمريكية في البلاد، فبينما كان السفير الأمريكي يعملُ على خطة تدمير الصواريخ اليمنية وتدمير المؤسسة العسكرية بشكل عام (تم إثبات ذلك بوثائق كشفتها صحيفة الأخبار اللبنانية قبل أسابيع)، وبينما كانت التنظيماتُ التكفيرية التابعة للاستخبارات الأمريكية توغل قتلاً وتدميراً حتى وصلت إلى قلب وزارة الدفاع اليمنية، في العاصمة صنعاء، كانت السلطة آنذاك تتحدث بين كل فترة وأخرى عن “خلايا تجسس إيرانية” ويعقب ذلك تصريحات أمريكية بضرورة مضاعَفة الدور الأمريكي في اليمن، والذي انتهى إلى وصول جنود من المارينز الأمريكي إلى داخل العاصمة، بينما لم يرَ أحدٌ أيَّ جندي إيراني، ليتضحَ أيضاً أن مزاعم “التدخل الإيراني في اليمن” كانت أيضاً ما تزال مجرد شماعة مستخدمة لتعزيز الهيمنة الأمريكية على اليمن، وفتح مظلة واسعة لاستهداف من يفكر في معارضة تلك الهيمنة بتهمة الارتباط مع إيران.
ولم تسلم هذه الدعايات أيضاً من اعترافاتٍ غربية تؤكدُ زيفَها، إذ قال معهد الدراسات الاستراتيجية للكلية الحربية للجيش الأمريكي: إن الحكومات اليمنية سواء بقيادة علي عبد الله صالح أم عبد ربه منصور هادي، لم تقدم دليلاً قاطعاً بشأن التدخل الإيراني، وإن الحديث عن “خلايا تجسس إيرانية” كان محاولةً من السلطات للتغطية على فشلها، بحسب موقع ويكبيديا.
وفي عام 2015 أيضاً، وبعد ثورة 21 سبتمبر، وبينما كان يجري الترويجُ من قبل الإعلام الخليجي لمسألة أن “قائد فيلق القدس الإيراني أمَرَ (الحوثيين) بالتوجه إلى صنعاء) اعترف الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، خلال جلسة مغلقة مع الصحفيين آنذاك بأنه لم تكن هناك أية أوامر إيرانية. الأمر الذي يوضح أن دعايات التدخلات الإيرانية كانت منطلقة بغرض شيطنة الثورة التي كان من أبرز أهدافها التحرر من الهيمنة الخارجية.
بعد ذلك جاء العدوانُ الأمريكي السعودي الأمريكي على اليمن، وكان شعاره الأبرز هو مواجهة “التدخل الإيراني في اليمن”، وكان ذلك مفارقة مضحكة من حيث أن العدوانَ بنفسه كان أبرز تجسيد للتدخلات الخارجية السافرة، إلى جانب أن دولَ العدوان برغم إمكانياتها الهائلة التي سخّرتها للتضليل الإعلامي بشأن “التواجد الإيراني في اليمن” عجزت تماماً عن تقديم أي دليل يثبت ذلك التواجد، واستمرت فقط في الضجيج للتغطية على الهجمة الأمريكية الشرسة التي تدمر اليمن.
ولم يقتصر الأمرُ على العجز عن إثبات التواجد الإيراني في اليمن، إذ باتت وسائل الإعلام على مستوى العالم تضج باعترافات متنوعة، تؤكد أن كل ما يروجه العدوان حول التدخل الإيراني مجرد ذرائعَ وهمية لا تستطيع الصمود أمام فظائع وحقائق التدخل الأمريكي السعودي الإماراتي المتوحش والواضح، فقد صرّح مسؤولون في إدارة ترامب أنه “لا يوجد أدلة تثبت التواجد الإيراني في اليمن”، وفي مايو 2016 نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية تقريراً بعنوان “كلا، الحوثيون ليسوا في الواقع دمىً إيرانية”، عرض فيه الكاتب توماس جونو، سلسلةَ أدلّة أكد فيها أن الدعايات الخليجية حول التدخلات الإيرانية في اليمن غيرُ واقعية.
أما نائب السفير الأمريكي الأسبق في اليمن، نبيل خوري، فقد أكد قبل عام من الآن، خلال مقابلة تلفزيونية أن محاربة السعودية لإيران في اليمن هو نوعٌ من الخيال، مضيفاً: “هم يحاربون الشعبَ اليمني ويحاصرونه ويجوّعونه ولا علاقة لإيران بكل ذلك”.
وفي 2016 أيضاً أجرى موقع “ذا انترسبت” الأمريكي مقابلاتٍ مع دبلوماسيين أمريكيين عملوا في اليمن والسعودية، وأكد أولئك الدبلوماسيون أن مسألة التدخل الإيراني في اليمن ليست سوى دعاية إعلامية حاولت السعودية استغلالَها لتبرير حربها على اليمن، والأدلة والاعترافات الأخرى التي نسفت مزاعم التدخل الإيراني في اليمن، أكثر من أن تحصى.
سفراء الغرب “مرابطون” في مشاورات السويد
اليوم ثمة مشهدٌ واضحٌ يلخّص مسرحية “التدخلات الإيرانية في اليمن”، إذ يتزاحم سفراء الدول الـ18 الراعية للعدوان في السويد بمناسبة المشاورات اليمنية التي ترعاها الأممُ المتحدة، ومن بين كل الأطراف التي لها علاقة بالعدوان، لا نجد أي ممثل عن إيران التي جاء العدوانُ تحت شعار مواجهتها وإيقاف تدخلاتها.
بالمقابل ينشُرُ السفيرُ البريطاني تقريراً مرئياً يومياً عن المشاورات وعن كيف يجبُ أن تكونَ وما الذي يجبُ أن تتضمَّنَه، واضعاً نفسَه في موضع التوجيه والقيادة لهذه المشاورات، بينما لا يزالُ الحديثُ عن دعاية “التدخل الإيراني” قائماً!
مشهدٌ يوضحُ بما لا يدَعُ مجالاً للشك أن مسألةَ التواجد الإيراني في اليمن، لم تكن من بدايتها سوى تهمة ملفقة غرضُها الحيلولةُ بين اليمن وبين أي توجه يُعارِضُ الهيمنةَ الأمريكية.