الشهيد القائد: الإنفاقُ في سبيل الله فيه وقايةٌ من عذاب النار
المسيرة/ خاص
بعد أن قطع الشهيدُ القائدُ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- شوطاً في هذه المحاضرة في حديثه عن التوبة وأبعادها، وانطلاقاً من تسليط الضوء على اتّباع أحسن ما أنزل الله، سيتنقلُ بنا الشهيدُ القائدُ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- ليستثمرَ الربطَ بين قضية الإنفاق في سبيل الله وبين قضية الإنقاذ من عذاب جهنم، موضحاً صفات المؤمنين على ضوء ذلك.
تصحيحُ النظر إلى الأعمال الصالحة
في البداية تجدُ أن الشهيدَ القائدَ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- انتقد بشدةٍ الثقافةَ المغلوطةَ التي ورثناها عن كُتُبِ الأصوليين في بعض جوانبها التي تتنافى مع القرآن الكريم، وفي مثل هذا الموضع سلط الضوء على قضية الإنفاق في سَبيل الله، التي بات أكبرَ عائق أمامها هو الرجوع إلى المصطلحات الأصولية في تصنيف الأعمال من واجب إلى مندوب ومكروه ومحرم، ولم يعد ثمة معنىً للمسارعة في الاستجابة لله، فيقف المؤمن أمام هذه المواطن متسائلاً: “هل وجب الإنفاق؟ هل هو مندوب وليس إلزمياً؟”، ومن هنا تتبدى لنا معوقات ظاهرها شرعي، وحقيقتها غير ذلك، وصار المجتمع المؤمن ممسكاً عن الانفاق في سبيل الله وفي الأعمال التي تعود عليه بالفائدة؛ بسبب أنه قد أدى الزكاة الواجبة، ولن يقدم أكثر من ذلك الواجب، ولا يحق لأحد أن يطالبه بالزيادة على المقدار المعلوم من الزكاة هذا إن أداها.
ربط الشهيدُ القائدُ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- بين الإنفاق وبين النجاة من جهنم، وجعل النظر إلى المسألة في الإنفاق من هذه الزاوية التي تدفع كُلّ شخص إلى المبادرة، ولا تدع مجالا للمساومة حول وجوب الإنفاق فضلاً عن مقداره، يقول -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ-: “أنت انظر أن أمامك جهنم، أوَليست جهنمُ بالشكل الذي يجعلك تنطلق أنت لتعمل كلما يمكن أن تعمله مما فيه نجاة نفسك منها؟” وفي الأخير ستحقق هذه المعالجة القيمة القرآنية في التحَـرّك في سبيل الله وفي كُلّ ما فيه لله رضا، وهو ما عبرت عن آيات القرآن بالمسارعة إلى مغفرة من الله ورضاه، وبات المقياس الجديد الذي لفت الشهيد القائد -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- إليه هو رضا الله، وليس وجوب العمل أو استحبابه كما هي مخرجات الأصول الفقهية، فكل عمل فيه لله رضا ينبغي أن نتحَـرّك نحوه تحَـرّك المسارعة، وبالشكل المطلوب، وليس ثمة مبرر للتواني والتباطؤ، يقول الشهيد القائد -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ-: ” إذا كنت ترى بأن جهنم شديدة، وأنها تستدعي منك أن تبحث عما فيه نجاة لنفسك فقل: هل هذا العمل فيه وقاية من النار؟ هل هذا العمل فيه لله رضى؟ وستجد الجواب واحدًا. وهذا هو الصحيح، سترى الإجابة واحدة”.
{أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} وفي هذا الزاوية من الحديث يتوسع الشهيد القائد -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- في الحديث على الإنفاق إلى بعد إضافي لأثر ربط العمل الصالح بالمسارعة، وهذا البُعد مرتبط بالجانب السلوكي، حيث حذر من التفاعل ببرود مع هذا الطرح؛ لأن القرآن الكريم قد حكى عن المتحسرين شهادتهم على أنفسهم بأنهم كانوا يقابلون بالسخرية كُلّ المسارعين إلى الإنفاق ونحوه من الأعمال التي لله فيها رضا، وهذا هو ما جعل من السخرية حائلا بينهم وبين الهداية والرشاد في واقعهم، يقول الشهيد القائد -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ-: “بل إن حالةَ السخرية هي مما يُبعِدُ الإنسان عن الاهتداء”، وهنا ينبه إلى أن السخرية في الواقع العملي تمثل حائلا بين أصحابها وبين مصادر الهداية، وهذا ما يسقط فيه الكثير منا حين يجعل السخرية واقعا يتعايش معه في حياته، فيفقد الكثير من فرص التوفيق والنجاح والرشاد في حياته دون أن يشعر؛ بسبب سخريته من فلان أو فلان، كيفما كانت صفته.
التصديقُ بالله وحدَه لا يكفي إنْ لم يرتبط بالعمل
يقول الشهيدُ القائدُ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ-: “نحن آمنا بالله، أليست هذه واحدة؟ إذًا فلننطلق في أن نعمل” ومن هنا مجددا يربط الشهيد القائد -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- بين الواقع العملي وعناصر الإيْمَان على المستوى الوجداني، فكما ربط التوبة بالعمل الصالح، هو هنا يكرّر نفس العملية، حيث أن المتحسرين من المقصّرين في لوازم الإيْمَان والتوبة في واقعهم العمل هم في الأساس من المؤمنين بالله، والمصدقين بالجنة والنار، ولكنهم ليسوا في واقعهم العملي ممن يتقي الله، فيقوم بإداء الكثير من الأعمال التي تفضي إلى تجنيبه عذاب الله، وتؤهله ليكون من أهل الرضوان، يقول الشهيد القائد -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ-: “{لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}؛ لماذا لم يقل: [لكنت من المؤمنين]؟ رأى أهوالًا شديدة قد يكون في الدنيا كان مؤمنًا بها، مؤمنًا بجهنم؛ أليس الناس مؤمنين بهذه؟ لكن هل هم متقون؟” وبهذا التساؤل يلفت الشهيد القائد -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- إلى حقيقة التقوى العملية، فهي قضية فيها جانب عملي أكثر وضوحاً من الجانب الإيْمَاني الذي فيه أبعاد وجدانية ذات صلة بالتصديق المطلق بالله وملائكته وكتبه ورسله.
لقد حث القرآنُ الكريم على مراعاة الجانب العملي سواء في الإنفاق أو في غيره، ومن هُنا سلّط الشهيدُ القائدُ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- الضوءَ على صفات المؤمنين، قال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، وبهذا كانت الصفات الإيْمَانية ذات طابع عملي في هذه الآيات:
1- الإنفاق في السراء والضراء.
2- الكاظمين الغيظ.
3- العافين عن الناس.
4- الإحسان في كافة الأعمال.
وبهذا ترى أن المؤمنَ المستحقَ لمغفرة الله هو من أبعدِ الناس عن واقع الإيْمَان السلبي الذي لم يمتد حتى يتصل بالجانب العملي، وهو الإيْمَانُ الذي سيجلبُ الحسرةَ على صاحبه يوم القيامة، قال الله تعالى: {ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ}، وهنا يختمُ الشهيدُ القائدُ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- هذه القضيةَ المهمةَ بقوله: “هل التصديقُ بالله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- والإيْمَان بالله بمُجَرّد كلام ينفع؟ ألم يقل عن أولئك أنهم كافرون به؟ وهو من حكى عنهم بأنهم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}أليسوا معترفين بالله؟ ومؤمنين بالله؟ ومصدقين بوجوده، وأنه إله؟ الإيْمَان كله عملي في الإسْلَام كله، في القرآن كله، الاعتقادات عملية، الإيْمَان عملي، أما مُجَرّد إيْمَان لا يتبعه عمل تعتبر كمن ليس بمؤمن”.
وللموضوع بقية.