ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجَرة .. بقلم د/ فاطمة بخيت
قال عمر بن ذر لأبيه: أبتي! ما لَكْ إذَا تكلمتَ أبكيتَ الناسَ، وَإذَا تكلم غيرُك لم يُبكِهم؟!
فقال: يا بُنَي! ليست النائحةُ الثكلى كالنائحةِ المستأجَرة.
أيْ أنّ النائحة التي تفقِدُ شخصاً عزيزاً تبكي بحسرةٍ ومرارة، بعكس النائحة التي امتهنت النياحةَ للتكسب وحسب. وهذا المَثَلُ يُضرَبُ للدلالة على أنّ صاحبَ الحاجة يعبّرُ عن حاجته بشكلٍ أبلغَ عما إذَا كان شخصٌ آخر يُعَبِّرُ عنه.
لقد قرأتُ هذا المَثَلُ منذُ مدة طويلة، لكن الأحداثَ التي نعيشُها اليومَ ذكرتني بهذا المَثَل والمغزى الأساسي منه.
فما حصل هذه الأيامَ من مشاورات بين الوفد الوطني ووفد الرياض يحاكي بشكل كبير هذا المَثَلَ، فبالطبع ليس من يغلّب المصلحةَ العامة كمن يغلّب مصلحتَه الشخصية ومصلحة أسياده على مصلحة شعب بأكمله، أَوْ من يعيش في داخل الوطن ويعاني كبقية أبناء الشعب ويلات العدوان والحصار ويرى الجرائم والانتهاكات، كمَن يعيش في الفنادق والفلل خارج الوطن..؛ لأنّ من يحمل هَمَّ وطن ويفاوض وفق رؤية تخرج الوطن من مخالب عدوان قضى على كُـلّ جميل في هذا البلد، ليس كمن جاء يفاوض وهو مسلوب الإرادة وَلا يملك قراره بنفسه، بل كالأجير الذي ينفذ كُـلّ ما يطلبه منه سيده، أَوْ كالدمى التي تحركها الأيادي من خلف الستار. فكيف يمكن لذلك الوفد أن يحل حلالاً أَوْ يحرم حراماً وهو لا يستطيع أن يتخذ قراراً حول موضوع معين دون الرجوع إلى أسياده؟!!
فعندما قال المبعوثُ الأممي لأَكْثَــرَ من مرة في بداية المفاوضات إنّه ليس متفائلاً، قد يعودُ على ما لمسه من عدم جدية قوى العدوان على وقف العدوان على اليمن.
فمن المضحك أن يطلبَ هؤلاءِ أن يكونَ مطار صنعاء خاضعاً لمطار عدن في حين أنّ مطارَ عدن خاضعاً لسيطرة الاحتلال الإماراتي والسعوديّ ومن ورائهم أمريكا ومَن دار في فلكها.
فإذا كانوا جادِّين في التفاوض فلماذا يتم رفضُهم للحلول السياسيّة؟ ولماذا يتم رفضُ الملف الإنساني وفتح مطار صنعاء وتحييد الاقتصاد وغيره، أَوْ تأجيل التفاوض لحين التشاور فيما بينهم في الحين الآخر؟
ألا يدُلُّ ذلك على أنّ هؤلاء ليس بيدهم حلٌّ ولا قرار؟
يبدو من تصرفات هؤلاءِ أن ارتباطَهم بالخارج عطّل ارتباطَهم بوطنهم والشعور بالمآسي في الداخل، وأنّ الجانبَ الإنسانيَّ لديهم أصبح ميتاً. فلم تؤرِّقُهم أنّاتُ الثكالى وأنينُ الأيتام وصرخاتُ المكلومين، ولم يتألموا لآلام الجرحى والممزَّقين أشلاء، لم يعانوا من الجوع وانقطاع المرتبات، ولم يأكلوا من أوراق الشجر؛ لأَنَّ ليس لديهم ما يأكلون، ولم يتشردوا وتهدم بيوتهم؛ بسببِ قصف الطيران، ولم يعثر عليهم تحتَ الركام والخراب..
يتضحُ جلياً من تعنتهم ومماطلتهم أنّ قوى العدوان لا تريد حلاً سياسيّاً في اليمن، وأنّها تسعى من أجل تحقيق مطامعها فيه، وهذا ما تؤكده المشاورات سواء السابقة أَوْ اللاحقة.