اتّفاق السويد: بين دعايات “الاحتلال الأممي” ونوايا عدم الالتزام
المسيرة | ضرار الطيب
بعد أن فشلت قوى العدوان عن احتلال الحديدة عسكرياً، جاء اتّفاقُ السويد بخصوص وقف إطلاق النار في المحافظة، ليمثل فشلاً جديداً في انتزاعها عن طريق المفاوضات، وأمام ذلك لم يجد تحالف العدوان سوى تسخير آلته الإعلامية لبث دعايات تحاولُ تأويلَ نصوص الاتّفاق بشكل خاطئ يصور أنه تم “تسليم” الحديدة إلى “احتلال أممي”، وهي دعاياتٌ تصطدمُ أوّلاً مع موافقة وفد مرتزِقة العدوان على الاتّفاقية وتشير في الوقت ذاته إلى نية العدوان عدم الالتزام به من خلال تشويه بنوده، ثم تصطدم بشكل واضح مع نص الاتّفاقية الذي ليس فيه ما يمكن أن يشكل حتى إشارة إلى “احتلال” أَوْ إلى “تسليم” محافظة الحديدة ومينائها أَوْ حتى تواجد أية قُــوَّات أجنبية، كما يصطدمُ مع توجهات العدوان الذي بالفعل استقدم قُــوَّات أجنبية محتلّة إلى الحديدة لدخولها عسكريًّا، الأمر الذي يبين أن دعاياتِ العدوّ الجديدة ليست سوى محاولة بائسة للالتفاف على الاتّفاق الواضح الذي أودى بأطماع احتلال المحافظة في الأساس.
الوضعُ العسكري في نص الاتّفاق
تتركّزُ دعاياتُ العدوان بشكل أساسٍ على تحريف الفقرات الخَاصَّــة بـ “لجنة تنسيق إعادة الانتشار المشتركة” في المحافظة وهي الفقرات (5، 6، 7) من الاتّفاق الخاص بالحديدة، وأَيْضاً الفقرات الخَاصَّــة بالدور الأممي في موانئ الحديدة بشكل خاص وهي الفقرات (8، 9، 10) وما يتعلق بها، ولكن بأبسط استعراض لتلك الفقرات الواضحة، نجد أنها تتعارَضُ تماماً مع كُـلّ تلك دعايات “الاحتلال الأممي” و”تسليم المحافظة”.
فبخصوص “لجنة تنسيق إعادة الانتشار” تنص الفقرة الخامسة من اتّفاق الحديدة على أنه يتم تشكيل اللجنة “المتفق عليها برئاسة الأمم المتحدة وتضم -على سبيل المثال لا الحصر- أعضاءً من الطرفين لمراقبة وقف إطلاق النار وإعادة الانتشار”، وبالنظر إلى النص من جميع الجوانب نجد أن تلك اللجنة لا تنتمي بأي شكل من الأشكال إلى أيٍّ من مفاهيم “الاحتلال” من حيث كونها مجرد “لجنة مراقبة” أوّلاً، ثم “متفق عليها” من الطرفين ثانياً، وثالثاً من حيث أنها “تضم أعضاء من الطرفين” الذين جلسوا على طاولة المشاورات محتكمين بشكل طوعي إلى الأمم المتحدة التي من مسؤوليتها كراعية للاتّفاق أن تراقب عملية تنفيذه على الواقع وتقييم مدى التزام الطرفين، وكل ذلك معروف في منطق الاتّفاقات الأممية، ولا علاقة له بمصطلح “الاحتلال” الذي يعني تواجداً عسكرياً قسرياً على الأرض يمارس مهاماً توسعية أَوْ استيطانية ويفرض مشاريعه بالإكراه على أصحاب الأرض، كما هو الاحتلال السعودي الإماراتي في المهرة وعدن وحضرموت وغيرها.
وتأتي الفقرة السابعة من اتّفاق الحديدة أَيْضاً لتوضح المسألة أكثر، إذ تحدّد مهمة اللجنة بـ “الإشراف على عمليات إعادة الانتشار والمراقبة” وهنا أَيْضاً لا نجد أي تقارب بين النص وبين أي شكل من أشكال الاحتلال، فاللجنة “المتفق عليها” ستتولى الإشراف فقط على التزام الطرفين بالاتّفاق، وذلك معروف من حيث كون الأمم المتحدة مسؤولة عن مراقبة آلية تنفيذ الاتّفاق عن طريق هذه اللجنة، وهو ما توضحه الفقرة السادسة بشكل جلي، إذ تنُصُّ على أن “يقدم رئيس اللجنة تقارير أسبوعية من خلال الأمين العام إلى مجلس الأمن الدولي حول امتثال الأطراف لالتزاماتها في هذا الاتّفاق”.
عضو الوفد الوطني المفاوض، عبد الملك العجري، رفع مستوى الوضوح أكثر، وقدّم تفاصيل أُخْرَى حول اللجنة المشتركة وعمليها، إذ قال في حديث لصحيفة الثورة، إن “الاتّفاقَ ينُصُّ على تشكيل لجنة تنسيق من (6) أشخاص ثلاثة من كُـلّ طرف وبإشراف خبير عسكري من الأمم المتحدة تقتصر مهمتها في مراقبة وقف إطلاق النار”، كما يؤكّد عضو الوفد الوطني، سليم المغلس في حوار مع صحيفة “لا” بأن “دور الأمم المتحدة هو الإشراف فقط على لجان المراقبة والتهدئة فيما يتعلق بالمستوى العسكري”.
وضوحٌ ينسفُ كُـلّ تأويلات العدوان التي تسعى لتقديم “الخبير العسكري” التابع للأمم المتحدة الذي سيرأس لجنة المراقبة، على أنه ولوحده يعتبر “احتلالاً أممياً” لمحافظة الحديدة، بل إن بعضَ وسائل إعلام العدوان اعتمدت على وجود ذلك الخبير فقط لتزعم بشكل متعمد أن “قُــوَّات حفظ السلام” ستقدم إلى الحديدة، وهو ما يكشف أكثرَ عن اتجاه الطرف الآخر للبحث عن دعايات فقط مهما كانت متضاربة وخيالية.
وقد أسهم وزير خارجية المرتزِقة نفسُه في كشف مدى زيف ادّعاءات “الاحتلال الأممي” للحديدة، ففي رسالة له إلى الأمين العام للمتحدة ومبعوثه الخاص، “أهاب” الوزير المرتزِق خالد اليماني بـ “كل الأجهزة المعنية في الأمم المتحدة لممارسة الحزم المطلوب لضمان تنفيذ بنود الاتّفاق وسريان عمل اللجنة العسكرية” لمنع من وصفهم بالحوثيين من التنصل من الاتّفاق واللجنة العسكرية المكونة من الطرفين هي التي يصفها إعلام العدوان بالاحتلال!!
وذهب وزير إعلام المرتزِقة، معمر الإرياني، إلى أبعد من ذلك، فبعد أن أكّد “العجري” على أن دور الأمم المتحدة هو دور رقابي كما ينص عليه الاتّفاق، علق الارياني أمس مطالبا ما أسماها “مليشيات الحوثي” بتسليم الحديدة إلى الأمم المتحدة، وهكذا تحولت مزاعم “التسليم للاحتلال الأممي” من تهمة سيئة يلصقونها بـ “صنعاء” إلى مطلب رئيسي بالنسبة لهم لتنفيذ الاتّفاق!
عملُ الموانئ في نص الاتّفاق
وفيما خَصَّ وجودَ الأمم المتحدة في موانئ الحديدة، يحاولُ إعلامُ العدوان أَيْضاً تقديمَ الأمر تحت عنوان “تسليم الموانئ لقُــوَّات أممية” ويلقي بهذه التهمة الوهمية على الوفد الوطني، بالرغم أن وفد المرتزِقة وقّع أَيْضاً على الاتّفاق، غير أن نص الاتّفاق أَيْضاً لا يشيرُ إلى أية عملية “تسليم”، إذ تنص الفقرة الثامنة على أنه يكون للأمم المتحدة “دور قيادي في دعم الإدارة وعمليات التفتيش للمؤسسة العامة لموانئ البحر الأحمر اليمنية في وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى ويشمل ذلك تعزيز آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش (UNVIM) في موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى”.
وكما هو واضح من النص فإن الأمم المتحدة لن تدير الموانئ وإنما ستدعم الإدارة الحالية الممثلة بالموظفين المحليين في كُـلّ ميناء، كما أن عمليات التفتيش قائمة وفرضها العدوان ولكن كانت تجري في ميناء عصب الاريتري وفي جيبوتي، فيما الاتّفاق ينقل العملية إلى ميناء الحديدة وهو ما يبدو أن تحالفَ العدوان غير راضٍ عنه؛ لأنه سينسف ادّعاءاته بشأن دخول “أسلحة إيرانية” عن طريق ميناء الحديدة.
وعلى هذا الأساس الواضح الذي لا “احتلال” فيه ولا “تسليم” ينص الاتّفاق في الفقرة التاسع على أن يتم تعزيز وجود الأمم المتحدة في موانئ المحافظة، للمراقبة والدعم، كون تلك الموانئ جزء أساسي من الاتّفاق.
وبخصوص ذلك أَيْضاً يؤكّد عضو الوفد الوطني، عبد الملك العجري أنه “لا حاجة لتفسير أن دور الأمم المتحدة داعم فقط وهو ما أكّده غريفيث في إحاطته الأخيرة أن دور الأمم المتحدة رقابي فقط وما يشيعه إعلام العدوان عن تسليم الميناء مجرد بروبجندا إعلامية والاتّفاق واضح وصريح” كما يوضح المغلس قائلاً: إن “كل ما في الأمر أن الأمم المتحدة ستنقل دورها في الرقابة والتفتيش من جيبوتي إلى ميناء الحديدة لضمان عدم عرقلة السفن والرحلات التجارية” وبالتالي فإن المسألة متعارف عليها وواضحة تماماً، وليس فيها أي جديد يتضمن “تسليم” أَوْ “احتلال”.
والفقرة 12 من الاتّفاق توضح ذلك أكثر، إذ تنص على أن إيرادات الموانئ ستودع في البنك المركزي اليمني بالحديدة، والذي يدار محلياً بشكل كامل، فمن أين جاء “التسليم؟”.
السلطةُ المحلية في بنود الاتّفاق
يحاولُ إعلام العدوان أَيْضاً تحريفَ الفقرة العاشرة من الاتّفاق والتي تنص على “تسهيل وتمكين عمل الأمم المتحدة في الحديدة” ليصورها وكأنها عملية تسليم المحافظة بشكل كامل إلى “قُــوَّات أجنبية” لا أحد يعرفها، مع أن الفقرة 13 كانت واضحةً تماماً بهذا الخصوص، ونصت على أن “تقع مسؤولية أمن مدينة الحديدة وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى على عاتق قُــوَّات الأمن المحلية وفق القانون اليمني، ويجب احترام المسارات القانونية للسلطة وإزالة أية عوائق أَوْ عقبات تحول دون قيام المؤسسات المحلية بأداء وظائفها” وهو تأكيد آخر أكثر صراحة بأن الأمم المتحدة لن تباشر إدارة أي مرفق من مرافق المحافظة، وأن عملها مقتصر على المراقبة والاشراف من موقعها كراعية للاتّفاق.
وفي ذلك أَيْضاً يوضحُ عضو الوفد الوطني، سليم المغلس، أن “السلطاتِ التابعةَ للمجلس السياسي الأعلى ستتولى المناطق الواقعة تحت سيطرتها أمنياً وإدارياً، والسلطات التابعة للعدوان ومرتزِقته ستتولى المناطق التي تسيطر عليها أمنياً وإدارياً”، وهذا يسقط تماماً كُـلّ دعايات العدوّ حول مزاعم تسليم المحافظة واحتلالها.
الفقرة الأخيرة من الاتّفاق تضمنت هي الأُخْرَى ردا واضحاً على الدعايات الإعلامية للعدوان حول احتلال الحديدة وتسليمها، إذ تنص على أن الاتّفاقية برمتها ” لا تعتبر سابقة يعتد بها في أية مشاورات أَوْ مفاوضات لاحقة”، وبالتالي فإن الأمم المتحدة تحدّد وجود لجانها بفترة الالتزام بالاتّفاق لا أكثر، ولا تعتبره وجوداً مفروضاً وثابتاً، وهذا يعارض تماماً مفاهيم “الاحتلال” و”التسليم”.
لماذا اللجوءُ إلى التحريف؟
الواقعُ أن تحالُفَ العدوان لديه الكثير من الأسباب ليهاجم اتّفاقية السويد، برغم موافقته عليها، فمن جهة لم يتعود هو أبداً الالتزام بأية اتّفاقات أَوْ قوانين دولية، ومن جهة أُخْرَى، يمثل الاتّفاق صخرة صماء في وجه مشروعه التدميري لاحتلال الحديدة، والذي بذل من أجله إمكانيات هائلة وتكبّد خسائرَ ضخمة على مدى الفترات الماضية، فإشراف الأمم المتحدة على الموانئ من شأنه أن ينسف ادّعاءات “تهريب الأسلحة الإيرانية” وسيوضح للعالم مدى إجرامية الحصار المفروض على اليمن، وانسحاب القُــوَّات المقاتلة يقطع الطريق أمام تصعيداته المتواصلة لاحتلال المحافظة، كما أن إشرافَ الأمم المتحدة على إيرادات الموانئ، يقوّض مزاعمه بخصوص الرواتب، وبالتالي يشكل تنفيذ الاتّفاق برمته فشلاً نهائياً لكل مُخَطّطاته بخصوص الحديدة.
لذلك، يسعى العدوان للتغطية على الطريق المسدود الذي وصل إليه، بمحاولة تحريف بنود الاتّفاق وتحويلها إلى تهم يرمي بها الوفد الوطني، متجاهلاً توقيعَه عليها، بينما يقوم هو أَيْضاً بمناقضة مزاعمه ومناقضة الاتّفاق على حَـدٍّ سواء، إذ يقوم بتحشيد قُــوَّاته من المرتزِقة المحليين والأجانب المحتلّين إلى الحديدة، معارِضاً حملته الكاذبة ضد “الاحتلال الأممي” وخارقاً الاتّفاق الذي ينُصُّ في فقرتيه الثالثة والرابعة على “الالتزام بعدم تقديم أية تعزيزات عسكرية من قبل الطرفين إلى محافظة ومدينة الحديدة، وإزالة جميع المظاهر العسكرية المسلحة في المدينة”.