الثائر “السعيد” الجريمة المنسية!
المسيرة: نوح جلاس
درج النظامُ السعوديّ طيلة العقود الكثيرة الماضية على تصفية كُــلّ الأصوات المعارضة له كنظام استبدادي جسّد أبشع صور الديكتاتورية والقهر والإذلال لشعب نجد والحجاز الذي فُرض عليه أن يكون مسمى باسم مؤسس المملكة العائدة جذوره إلى أصوله يهودية جاءت بها بريطانيا وأمريكا قبل القرن التاسع عشر، ليكون اسمُ الشعب والدولة “السعوديّة” والشعب السعوديّ.
وطيلة العقود الكثيرة الماضية مارس ملوكُ آل سعود ديكتاتوريتهم بحق كُــلّ من يرفض سياستهم أَوْ يطالب بالحرية والاستقلال، فكانت كُــلّ شخصية معارضة تلقى مصير النفي أَوْ الإعدام أَوْ التهجير ومن ثم الاغتيال، في حين كانت فيه الأنظمة الصديقة للسعوديّة أَوْ العدوة تلتزم الصمت، كقضية المناضل السعوديّ المختطف “ناصر السعيد” وبعده العديد من المعارضين آخرهم “نمر النمر”، وإن تداعت بعض الأصوات الحرة، إلا أنها لم ترقَ إلى مستوى زعزعة نظام المملكة وإيقافه عند حده بإجماع دولي كما هو الحال لقضية الصحفي جمال خاشقجي.
شخصياتٌ عدة قام النظام السعوديّ بتصفيتها دون أن يحرك العالم ساكناً، في حين ضجت معظم الأنظمة وحركت الشعوب على قضية خاشقجي والسبب أن توقيت الجريمة جاء في الوقت الذي تسعى فيه بعض الأنظمة المترقبة للهفوات السعوديّة لابتزاز آل سعود والحصول على مواقف سياسية ومطامع أخرى متعددة منها ما يتعلق بالمال، كما هو حال النظام التركي والإدارة الأمريكية.
عملية اغتيال خاشقجي وما ترتب عليها أعاد إلى الواجهة قضية المناضل السعوديّ المعارض “ناصر السعيد”، الذي اختطف واغتيل نهاية السبعينيات في العاصمة اللبنانية بيروت بأوامر وتكتيكات سعوديّة..، وَشتان ما بين قضية “السعيد” و”الخاشقجي”.
ناصر السعيد المناضل الذي وُلِدَ من رحم المعانة والنضال كرّس حياته لمناصرة المظلومين والكادحين في شعب نجد والحجاز من خمسينيات وحتى نهاية سبعينيات القرن التاسع عشر، كما حمل مشروع مناصرة القضية الفلسطينية ومواجهة المشروع الأمريكي السعوديّ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الأمر الذي دفع آل سعود إلى مطاردته في عواصم الدول العربية “سوريا ومصر واليمن” وغيرها لينتهي به الأمر في السواحل اللبنانية بعد تقطيع جثته ورميها للمائيات المفترسة في العام 1979، ليكون على إثرها الرأي العام العربي والعالمي متجمداً نسبياً عدا بعض الإدانات لقادة الرأي والمواطنين الأحرار في بعض الدول التي كانت تحمل روحية مناصرة القضية الفلسطينية ومناهضة النظام السعوديّ على خلفية ممارساته المنسجمة مع الإرادة الأمريكية والبريطانية.
على عكس خاشقجي الذي ساند النظام السعوديّ في مختلف المواقف السياسية بما يتناسق مع مُخَطّطات العدوّ الأمريكي الصهيوني في المنطقة، مع بذله جهوداً خفيفة لم ترقَ إلى مستوى النضال لمناصرة الشعب السعوديّ “شعب نجد والحجاز”، وانتهى به الأمر بتقطيع جثته داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، ليضج العالمُ تحت ذريعة الإنسانية وحرية الرأي والتعبير، في تسابق دولي على الأموال والمواقف السعوديّة.