الرئيس الشهيد كما عرفتُه.. صمَّــاداً في زمن العمالة .. بقلم الشيخ/ محمد محمد عايض
كما تجودُ الأرضُ الطيبةُ بخيراتها تجودُ (بني معاذ) محافظة صعدة أرض الهداية ومنطلق المسيرة القُــــرْآنية بخِيرة رجالها، فلم ولن تكونَ يوماً من الأيام بتلك المحافظة التي تتخلَّى عن قِيَمٍ ومبادئَ ومشروعٍ كان لهم فيه الشرف والفخر والعزة أن يكونوا رواده وأوائل من حملوا رايتَه جهاداً وتضحيةً وفداءً ومواجهةً للطغاة والمجرمين.
بذلوا أموالَهم لنُصرة الدين واسترخصوْا دماءَهم ليحيى هذا الشعب العظيمُ العزيزُ كريماً وتبقى رايتُه دون انكسار أَوْ هزيمة.
ولم ولن يكون أبناؤها إلّا جنوداً مجنَّدين في درب الجهاد والاستشهاد حَتَّى يكتبَ اللهُ النصرَ المبين، فهم من رموز التضحية والجهاد والبذل والعطاء..
ونيلُ الشهادة هو ما يتمنَّاه القادة العظماء، وبمناسبة مرور250 يوماً على ترجُّلِ القائد البطل الشهيد الرئيس صالح الصمَّــاد رحمه اللهُ؛ لنيله الوسامَ الإلهي الرفيعَ، وسام الكرامة من الله وكرامتنا من الله الشهادة.. قليلون هم أولئك الرؤساء الذين يتركون بصماتِهم الحياتيةَ في ذاكرة شعوبهم الحيّة التي تحتفظُ بسيرتهم وبمسارهم في حَدَقاتِ العيون وتجاويف القلوب، وفي مقدّمة هؤلاء الرؤساء يتصدَّرُ اسمُ الرئيس صالح الصمَّــاد كواحدٍ من أبرز وأندر رؤساء الزمن الراهن.
لقد كان الشهيدُ صالح الصمَّــاد الرئيس الوطني في زمن العمالة، والرئيس الزاهد في وقت الارتزاق، والرئيس المستقلّ في عصر الوصاية، والرئيس الوحدوي في مرحلة التجزئة، والرئيس المجاهد في عهد الخنوع، والرئيس المؤمن في زمن الأعراب الأشد نفاقاً.
الشهيد القائد الإنْسَان كان رئيساً صالحاً ومصلحاً لا مصلحياً، أعاد الصمَّــادُ الاعتبارَ لموقع الحاكم المستخلَف في الأرض ولمنصب الرئيس العربي المسلم الذي كان -رحمه الله- يديرُ شؤونَ البلاد ويرعى مصالح العباد وفق رؤية إسْـلَامية أصيلة ومعاصرة، فكان حافظاً للقُــــرْآن وحافظاً لدينه ووطنه ومسؤولياته.
ولم يكن الشهيدُ صالح الصمَّــاد من رحم النظام العالمي الجديد كما هو عَـلَـيه معظمُ حكام اليوم إنْ لم يكن جميعهم.
لا أقول هذا الكلام من فراغ وليس من باب المجاملة والتزلف، وإنما هي شهادة حق عن معرفة حقيقية عاصرتُها مع هذا الرجل القائد الإنْسَان من قبل أن يتمَّ اختيارُه رئيساً للمجلس السياسيّ الأعلى، حيث كان نِعْمَ الصديقُ الوفيُّ المؤمنُ والمجاهدُ، والذي لم يدخر جُهداً في دعمه للضعفاء والمساكين ومساعدة المحتاجين.
إن معرفتي به عن قُرب جعلتني أعرفُ عنه الكثيرَ من المواقف الإنْسَانية الجليلة، لم يسعَ الشهيدُ الصمَّــادُ للسلطة، ولم يستخدمْ كغيره الترغيبَ والترهيبَ والقتلَ والاغتيالَ؛ بغية التربُّع عَـلَـى كرسي الحكم، بل جاءته السلطة تكليفاً جبرياً دون طلب منه أَوْ حَتَّى مجرد رغبة ذاتية، بل كانت السلطة لدى الصمَّــاد مصدراً للاستشهاد في أية لحظة.
كان الرئيسُ الصمَّــادُ رئيساً بلا كرسي ولا قصر جمهوري ولا دار رئاسة ولا بنك مركزي وبدون صولجانات ومواكب وملذات وطوابير المهنئين في المناسبات وسفريات النقاهة الخارجية.. رئاسةُ الشهيد الصمَّــاد كانت عملاً فدائياً بامتياز وتضحيةً نادرةً لا يتجاسرُ عَـلَـى اجتراحها سوى رجل استثنائي بحجم ومكانة أبي الفضل صالح الصمَّــاد، الذي كان يمثِّلُ أيقونةً فريدةً ومتفردةً عن غيره من حُكَّام العرب المستعربة، فكان الصمَّــادُ رجلَ الحرب والمحراب، رجلَ القِبْلة والقبيلة، رجلَ المسيرة القُــــرْآنية والمسار المحمدي، من سجين رأي سابق إلى رئيس غير مسبوق في قدراته الجِهادية المتعددة، ابتداءً من جهاد البندقية والقيادة والمرابطة، ومروراً بجهادِ التوعية وجهاد الكلمة الطيبة الموحّدة للجبهة الداخلية، وليس انتهاء بالجهاد الأَكْبَـــر، وهو جهاد النفس.
كان الشهيدُ صمَّــاداً كاسمه ومقاتلاً في مختلف الجبهات العسكرية والاقتصادية والإعْــلَامية والثقافية والإدارية والتنموية والفكرية، وكان الصمَّــادُ الشهيدُ الإنْسَانُ القائدُ يجوبُ البلادَ قبل أن يضحِّيَ بدمه بكل وقته وفوق طاقته، ضحّى بصحته ونومه، ضحَّى بتجارته وملذَّاته، ضحَّى حَتَّى بخصوصياته وحياته العائلية كابنٍ لا يكاد يرى أباه وأبٍ لا يجدُ هُنَيْهَةً للاستمتاع بمجالس أبنائه.
إنَّه كان أباً لجميع اليمنيين، لقد كان الشهيدُ والصديقُ العزيزُ صالح الصمَّــاد بحق رجلَ دولة ورجلَ إدارة ورجل جهاد ورجل منبر ورجل التوافق والوسطية والاعتدال.
رَحِمَ اللهُ الشهيدَ صالح الصمَّــاد، وجزاه اللهُ خيرَ الجزاء إزاء ما قدّمه لشعبه ووطنه من تضحية تمثلت في تقديم نفسه فداءً في ميدان المواجهة، وهو كان قادراً أن يحميَ نفسَه ولكنه أبى إلّا أن يختارَه اللهُ ليكونَ رئيسَ الشهداء.