الميدان فرض التحول في مشاورات السويد بقلم د/ أحمد الصعدي
يتساءلُ البعضُ بخُبثٍ مغلف بحب مصطنع للسلام والحياة عن دواعي استمرار التحشيد إلى الجبهات والدفعات التي يعلن عن تخرجها بصورة شبه يومية من ميادين التدريب بعد أن أبرمت مشاورات ستوكهولم أولى اتّفاقيات السلام!
لا شك في أن مشاوراتِ السويد اختلفت عن كُـلّ المشاورات السابقة من وجوه عديدة، وهذا ما استطعنا أن نلاحظَه نحن المواطنين.
علينا أن نتذكرَ أن الوفودَ التي كانت تأتي من الرياض إلى تلك المشاورات كانت تدّعي أنها لا تذهبُ إلى مشاورات أَوْ مفاوضات؛ بل لتأخذ صك استسلام من الوفد الوطني القادم من صنعاء متضمناً تسليمَ السلاح والخروج من العاصمة وبقية المدن وإفساح المجال لعودة ((الشرعية))، وبعد ذلك يمكن التفاهمُ حول بعض الأمور الثانوية.
وكان السفير الأمريكي بما عُرف عنه من صَلَفٍ وغطرسة يمسكُ بصفارة إعلان بدء وإنهاء المشاورات، وكان بقية السفراء الـ 18 ينتظمون في جوقة ضغط وتهويل وترغيب وترهيب ضد الوفد الوطني.
وبلغ استهتار دول الغزو والعدوان بالأمم المتحدة، واستهتار الأمم المتحدة بذاتها أن الوفدَ الذي خرج من صنعاء بضمانتها إلى مشاورات الكويت بقي محجوزاً في سلطنة عُمان لمدة ثلاثة أشهر. وإلى وقت قريب، أي قبل نحو شهرين لم يستطع الوفدُ الوطني الذهابَ إلى السويد فتأجّلت المشاورات عن موعدها الأول ليس فقط لرفض دول العدوان السماح بنقل خمسين جريحاً إلى عُمان للعلاج؛ بل ولعدم وجود ضامن لنقل الوفد إلى السويد وإعادته إلى صنعاء بسلام. فلم تستطع القيامَ بهذه المهمة لا دولة الكويت ولا روسيا ولا الصين ولا الأمم المتحدة. وأخيراً ذهب وفدُنا الوطني من صنعاء وعاد إليها كما أراد. وفي السويد أجرى مشاوراتٍ مع المجتمع الدولي وبالواسطة مع الطرف الآخر: سفراء أمريكا والسعوديّة والإمارات، أي مع الأصلاء في هذا العدوان. وبغضِّ النظر عن نتائج المشاورات أكانت متواضعةً أَوْ مهمة، وهل تأسس لمشاورات ومفاوضات قادمة أم لا، ومهما كان مصير اتّفاق الحديدة وجدية ما يسمى بالمجتمع الدولي في ممارسة الضغوط لتنفيذه فإن الأمرَ الواضحَ هو أن معطيات الميدان هي التي فرضت التحول الذي لحظناه لدى قوى العدوان ولدى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.
والمعطيات تقول: إن العدوان الذي يوشك على إكمال عامه الرابع لم يحقّق أية نتيجة تؤثر بشكل حاسم على موقف ومعنويات الجيش واللجان الشعبيّة والصف الوطني المقاوِم للعدوان، وأن لا أفقَ لاستمراره ولا إمْكَانية للتحكم بنطاقه ونتائجه.
وقد عبّر عن هذه الحقيقة أمير دولة الكويت صباح الأحمد الصباح في الكلمة التي ألقاها في الاجتماع السنوي لدول مجلس التعاون الخليجي في الرياض يوم الأحد 9/ ديسمبر الحالي بقوله إن استمرارَ الصراع في اليمن يشكل تهديداً مباشراً علينا جَميعاً.
وانحطت هيبة ومكانة قوى الغزو لا سيما السعوديّة والإمارات في نظر اليمنيين المواجهين للعدوان والموالين له على السواء، وهذا ما أحسن وصفه المناضلُ الوطني اليمني الشيخ علي سالم الحريزي قائدُ الحراك الشعبي المناهض للاحتلال السعوديّ في المهرة في المقابلة التي أجرتها معه الصحفية منى صفوان لصحيفة (رأي اليوم) عندما قال إن السعوديّة الآن في أضعف فترات حكمها ((وهي تحاول منذ عقود أن تمدَّ أنبوب نفط عبر اليمن، بشكل ينتقصُ من السيادة اليمنية، لكنها فعلت ذلك في الوقت الضائع، فلو كانت تحَــرّكت في بداية الحرب على اليمن، وقت ما كان الرأي العام يؤيد تدخلها، لكان يمكنها تحقيق شيء، لكن الآن بعد انكشاف أجندتها وأنها جاءت لإضعاف الدولة اليمنية ومؤسّساتها واحتلال اليمن، فإن الأمر أكثر من مستحيل)). وعبّر الحريزي عن ثقته بهزيمة السعوديّة إذَا أصرت على مواجهة أبناء المهرة عسكريّا، ((إننا خلال هذه الحرب عرفنا كيف يمكن أن تهزمَ السعوديّة عسكريّاً)).
والأهمُّ في العوامل التي فرضت التحول المذكور في مواقف العدوان -حتى لو كان مراوغاً واضطرارياً لبعض الوقت- وفي مواقف الأمم المتحدة هو الصمود في الجبهات والتضحيات الجسيمة والصبر على المعاناة ورفد الجبهات بالرجال والعتاد وتنامي القدرات التسليحية وإقبال أبناء الشعب على معسكرات التدريب للتوجه إلى الجبهات.
كُـلّ ذلك يؤكّد أن الشعب اليمني لن ينحنيَ ولن يخضع مهما طالت الحرب وكبرت التضحيات. هذا ما سيرغم المعتدين على الإقرار بالوقائع مهما كانت مريرة وهذا هو الشرط الحاسم لإنهاء العدوان وإحلال السلام.
طريقنا إلى السلام هو في تعزيز مصادر القُـوَّة التي تدافعُ عن الحق، فلا وقت للتهاون والركون إلى جنوح المعتدي المتجبر إلى السلام ما لم تجبره القُـوَّةُ المدافعةُ عن الحَـقّ. فبعد مشاورات ستوكهولم كما قبلها لات الساعة ساعة استرخاء تحتَ أية مبرّرات أَوْ ذرائعَ، ولا غفلة تجلُبُ الخُسران والندم.