هكذا فشلت أمريكا في سوريا واليمن .. بقلم/ جمال الكندي
السقوطُ السياسي والعسكري لأمريكا وأدواتها في المنطقة أصبح واضحَ المعالم، والفشل في الملف السوري والعراقي، واليمني، واللبناني هو العنوان البارز، وربما تبحث أمريكا عن السلم المناسب للنزول من أبراجها العالية السقوف السياسية والعسكرية، شيدتها أمريكا واعتمدت على حلفائها في المنطقة لتبلغ فيها القطبية الواحدة التي تدور حولها الأفلاك الأخرى في صناعة القرار السياسي والعسكري والاقتصادي، والسياقات السياسية والعسكرية اليوم خاصةً في اليمن تظهر لنا فشل الرهان الأمريكي في المنطقة.
التسوية التي حصلت في اليمن جاءت على خلفية الإخفاق الكبير للتحالف العربي في حسم مسألة اليمن عسكرياً على مدار السنوات الأربع للصراع الدامي هناك، والمسألة العسكرية تم اختزالها بعد فشل اختراق الجبهات الأساسية من جغرافيا المناطق المسيطرة عليها من قبل حكومة صنعاء إلى معركة الحديدة، ومحاولة السيطرة على مطارها ومينائها، وهذا يعني السيطرة على المتنفس الوحيد لحكومة صنعاء لإجبارها بقبول شروط التفاوض من منطلق الضعيف المخنوق جواً وبحراً وبراً.
اتّفاق فرقاء الأزمة اليمنية في السويد حقق مكاسباً لحكومة صنعاء في قضية الحديدة، فما لم تحققه حكومة هادي بالقوة العسكرية لن تأخذه بالمفاوضات، وكما يقال ما لا يدرك كله لا يترك جله، والأكيد أن ما حدث في السويد أعطى بعض المكاسب المهمة لحكومة صنعاء، لأن القوة العسكرية التي ستحل بدلاً من الجيش واللجان الشعبية هي قوة تتبع نفس الخط السياسي والعسكري للقوة المنسحبة، وهذا الأمر تدركه جيداً حكومة الرئيس هادي.
إن الحشد العسكري الكبير لمعركة الحديدة، والفشل في تحقيق أي تقدم إستراتيجي فيها أجبر من حرك هذه الحرب العبثية في اليمن على العمل عن طريق مندوب الأمم المتحدة لليمن “مارتن غريفيث” لتهيئة بيئة الاعتراف بفشل الحل العسكري في اليمن، وهو ما كان في السويد، هذا يعني فشل الرهان الأمريكي في هذا البلد، وهذا بدوره يخلق لنا معادلة جديدة في اليمن مفادها أن حرب الأربع سنوات خلقت قوة سياسة وعسكرية باليمن تغرد خارج السرب الخليجي، ـ خاصةً السعودية ـ يحسب لها حسابات التوازنات السياسية، وعدم استطاعة كسر هذه القوة يؤدي إلى الاعتراف بها منتجاً وطنياً يمنياً له الحق في المشاركة السياسة هو إخفاق كبير للرهان الأمريكي في اليمن.
في المقلب الآخر نجد رهانات أمريكا في سوريا والعراق ولبنان لا تخلوا من انتكاسات سياسية وعسكرية، فمن كانت تعتمد عليهم أمريكا في هذه المناطق لإيجاد معادلة جديدة لصالحها لا يحققون شيئاً، بل عكس ذلك هم في سقوط سياسي وَعسكري.
ففي سوريا كان المشروع الأمريكي في تدرج، فبدأ بالرهان العسكري في ريف دمشق وجنوب سوريا، وكان يراد منه خلق فوضى فصائلية – إن صح التعبير- تكون شبيهة بما يحدث في ليبيا، وهذا الرهان فشل فشلاً ذريعاً ـ خاصةً بدخول الروسي والإيراني وحزب الله في المعادلة العسكريةـ والنتيجة: سيطرة الجيش السوري على أكثر من 85 بالمائة من الجغرافيا السورية، وبخروج هذا الرهان سقطت الأدوات الخليجية في التدخل في الشأن السوري عسكرياً، وزيارة الرئيس السوداني ” عمر البشير” إلى سوريا والتي تعد أول زيارة لرئيس عربي إليها منذ تفجر أزمتها عام 2011م بمثابة إعلان عن بداية المفاوضات السياسة لرجوع من حارب سورية عبر الجماعات المسلحة إلى العلاقات الدبلوماسية السابقة قبل عام 2011م.
هذه الزيارة تحمل في طياتها رسائل كثيرة، ربما تكون من إحدى رسائلها عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وإعادة فتح سفارات خليجية في دمشق، وهذا طبعاً بعد فشل ما كان يخطط لسوريا من قبل أمريكا وحلفائها العرب.
يبقى رهان أمريكا السياسي والعسكري في سوريا يعتمد على المكون الكردي المتمثل “بقوات سوريا الديمقراطية” (قصد) بشرق الفرات، والوجود الأمريكي هناك تحت عنوان مواجهة ”داعش” هذا الرهان يصطدم بالصراع التأريخي بين تركيا والأكراد في المنطقة.
أمريكا بتحالفها مع الكردي والتركي من أجل إضعاف الدولة السورية سياسياً وعسكرياً أوجدت معادلةً غربيةً في شرق وغرب الفرات، وهي وجود حليفين لأمريكا هما في نزاع تأريخي كبير أوجدهما الأمريكي لخلق بيئة اللعب بالمتناقضات لتحقيق مكاسب من هنا وهناك، قرار الرئيس الأمريكي “ترامب ” المفاجئ بسحب القوات الأمريكية كاملةً من سوريا رجح كفة الحليف التركي مقابل الحليف الكردي.
لذلك فإن الخيار الأمثل لقوات سوريا الديمقراطية هو في الرجوع للحضن الوطني السوري، وهذا بدوره ينزع الذريعة التركية في مهاجمة شرق الفرات ويخرج أمريكا من المنطقة نهائياً خاصةً بعد القضاء على “داعش” في شرق الفرات.
الرهانات الأمريكية الأخرى في العراق ولبنان تتساقط تباعاً، فالمشهد العراقي بإخراج حكومة تكون على القياس الأمريكي الخليجي الذي يستبعد الحشد الشعبي من المنظومة العسكرية والسياسية في العراق فشل، وذلك بشخصية رئيس الحكومة ورئيس البرلمان، وحتى رئيس البلاد فهذه الشخصيات لا تتناغم مع التوجه الأمريكي في العراق، وهي خسارة سياسة بعد فشل مشروع “داعش” في العراق.
أما لبنان ففي مخاض تشكيل حكومة تتجاذبها قوى 8 آذار المحسوبة على محور المقاومة والممانعة في المنطقة؛ وقوى 14 آذار حلفاء أمريكا وما يؤخر ولادة هذه الحكومة هو ضغوط حلفاء أمريكا العرب على رئيس الحكومة اللبنانية ”سعد الحريري” لإخراج حكومة لا تعكس ما أفرزت عنه العملية الانتخابية الأخيرة وتأخر خروج هذا المولود الجديد يعكس فشل الرهان الأمريكي في لبنان وبروز تيار قوي مناهض لها.
إن فشل الرهانات الأمريكية في المنطقة يدل على ضعف استراتيجيتها في كيفية تعاملها مع المكونات السياسة في هذه البلدان، فمنطق القوة لا ينفع، وحرب عام 2003 م في العراق شاهد على ذلك، والحرب بالوكالة كذلك لا تنفع، وفشل مشروع فوضى “داعش” وغيرها ترجمةً لذلك. الواقع يقول: إن العالم لا يدار بعقلية القطب الواحد الأوحد، وعندما تقتنع أمريكا بهذا المبدأ ستدرك فشل سياستها في المنطقة.
* كاتب عُماني
نقلاً عن رأي اليوم