الرياض عاصمة للإعلام العربي! بقلم/ نوح جلاس
من دون مقدمات.. فقد كثر الكلام عن الألقاب العكسية التي اشترتها الرياض بالمال والنفط لإبعاد السخط المتراكم ضدها الذي يحمله الملايين من أصحاب وقادة الرأي.
ولكن هذه المرة كان اللقب الجديد للرياض ظريفاً ولا يؤمن به حتى من جامل آل سعود وصوّت لإعطاءِ عاصمتهم المليئة بالأشباح القمعية المكافحة للحرية والتعبير المستقل.
الجميع يعرف سجِلَّ آل سعود الدامي، في مختلف الأصعدة، ولكن دعونا نتحدثْ عن صفحة قمع الإعلاميين والصحفيين المعارضين أو حتى من ليسوا معارضين حقيقيين وإنما كانت أفكارُهم نوعاً ما تتعارض مع ما يسعد آل سعود.
وإنْ كان لا يسعنا الحديث عن الصفحة الملطخة بالإجرام كاملة، لكن نأخذُ فقط نموذجين متشابهين نسبياً، مع الأخذ بعين الاعتبار ملاحظةَ الفروق الكبيرة بينهما.
جمال خاشقجي، والمناضل ناصر السعيد.
الصحفي المعارض خاشقجي تمت تصفيتُه بطريقة وحشية جسّدت بعضاً من الثقافة التي يتحلّى بها نظامُ آل سعود، حيث كان المنشارُ سيدَ الموقف للتخلُّص من جثته، فضجَّ العالمُ، ليس لوحشية الجريمة وإنما لأغراض سياسية الجميعُ يعرفها، أما لو كان من باب الوحشية فقد ارتكبت في اليمن مجازرَ أدّت الى تفحُّم وتفتت الجثث وليس فقط تقطعها.
أما الصحفي المعارِضُ والمناضل ناصر السعيد الذي تم التخلصُ منه بنفس طريقة خاشقجي والذي انتهى به المطاف برميه من على الطائرة فوق السواحل اللبنانية بعد تقطيعه، والعديد من الصحفيين والإعلاميين الذين نفتهم الرياض، التي لا تقبلُ إعلاماً يقولُ الحقيقةَ أو حتى نصفَ حقيقة.
ولكن الأغربَ في الأمر أنه وفي نفس ذكرى اغتيال الإعلامي المناضل ناصر السعيد، تم اختيارُ الرياض عاصمةً للإعلام العربي، من قبَل وزراء إعلام الدول المنضوية تحت العباءة السعودية.
إن إعطاء الرياض هذا اللقب لا يؤمن به أي شخص، حتى أمراء آل سعود؛ لآنهم يعرفون ثمن هذا اللقب، ويعرفون أن وحشيتهم وقمعهم للإعلاميين مسلَّمٌ به لدى العالم، وإلا لما اختاروا أن يعطى لهم هذا اللقب في هذا اليوم بتعمد “الذكرى الـ٤٠ لاغتيال ناصر السعيد” الذي اغتيل في ١٧ ديسمبر ١٩٧٩.
ناصر السعيد غُيّبت قضيتُه تماماً وبتعمُّدٍ مقصود ومخطِّطٍ له؛ لأن مؤلفاته وموروثاته الفكرية والأدبية فضحت آل سعود في ذلك التأريخ وإلى اليوم زاد انفضاحهم؛ لأنهم اختاروا موعدَ منح عاصمتهم للقب عاصمة الإعلام العربي في نفس يوم اغتيال “السعيد”.
توقيتُ إعطاء الرياض هذا اللقب قد يكون في غير مصلحتهم؛ لأنَّ ١٧ ديسمبر هو تأريخ الجريمة الوحشية المنسية التي ارتكبها آل سعود وليس تأريخَ توشيح الرياض بألقاب زائفة.
فالأصواتُ الحرة ستعيد إلى الواجهة جريمة اغتيال ناصر السعيد وتعرية الرياض بهذه الجريمة، وقد أحيت صنعاءُ الصمود فعاليةَ ذكرى اغتيال المناضل ناصر السعيد، حين أقام وزير الإعلام ضيف الله الشامي مؤتمراً صحفياً في ١٧ ديسمبر بمناسبة مرور ٤٠ عاماً على جريمة اغتيال السعيد.
الوزير الشامي خطا خطوةً مهمة جداً في إعطاء هذا اليوم “١٧ ديسمبر” حيّزاً لإحياء نضال “السعيد” وفضح قبح النظام “السعودي”.
وغداً ستتداعى الأصواتُ الحرةُ لمعرفة مسيرة ناصر السعيد وقُبح آل سعود منذ ذلك التأريخ، وسيكون الـ١٧ من ديسمبر، ذكرى لوحشية آل سعود بحق الإعلام الحر، وليس ذكرى إعطاء عاصمة الأشباح لقب “عاصمة الإعلام العربي” الذي حُذفت نقطةُ عينه للتغطية على الحقيقة “الغربي”.. تضليل مستمر حتى في الألقاب.