حربُ اليمن.. فشلٌ سعودي حقيقي وببغاوات يمررون نصراً زائفاً! بقلم/ عدنان نصار
السياسةُ عموماً تعكسُ التصويرَ الصادقَ، لتعزيز قيم الإنسانية والأوطان، دون اللجوء إلى “الفوتوشوب” السياسي لتجميل الصورة وتحسين الأداء، تحت ذرائعَ واهية ظاهرُها “ابتسامةٌ” وباطنُها “دم”، أَوْ كما جاء في الموروث العربي: “وضع السمّ في الدسم”. أسوق هذه المقدمة، لأتحدث عن اليمن “السعيد”، الذي دفع ثمنا باهظا أرضا وشعبا ومقدراتٍ، على مدى السنوات الأربعة الفائتة بشكل لم يشهده اليمنُ طيلةَ معاناته السياسية والاقتصادية في أوقات سابقة، ولم يدفعْ خلالها اليمنُ ما يدفعُه راهناً نتيجةَ سياسيات تناحرية بين دول الجوار “التحاف” الذي أودى باليمن إلى الهاوية، نتيجةَ التناحرات من أجل فرض سيادة على دولة ذات سيادة.
ما حدث، وما زال يحدثُ لليمن فاق العُرفَ السياسي والعسكري، وتجاوز خطوطاً حُمراً، إلى ضرب تحت الحزام، في عاصفة “حزم” ابتدعها هواة السياسة، ومراهقو الفكر للنيل من اليمن و”سعادته” عبر التأريخ، فحربُ اليمن التي تقعُ في دائرة “البدعة” أدّت إلى “الضلالة”، وبالتالي ستؤدي إلى النار، وفقَ الفقه الشرعي: “كل بدعة ضلالة وكل ضلالة تؤدي إلى النار”.
لم يثبتِ التأريخُ السياسي الحديثُ ولا المتوسط ولا القديم، أن اليمنَ طأطأ رأسَه، أَوْ أحنى ظهرَه، أَوْ جلس واضعاً يده على خده، متحسرا أَوْ مهزوما، أَوْ مترنحا تحت سياط أحد.. بل على العكس سجّل التأريخُ لليمن، مواقفَه التي لا تنسى فكراً وثقافةً وإرثاً وسياسة.. غير أن “هُواةَ السياسة” في البطحاء ذهبوا في معاداتهم إلى أبعد مدى ممكن دون النظر إلى النتائج. وعلى الرغم من محاولات التحالف، لاختطافِ “سعادة” اليمن، لم يَدُرْ في خلدهم السياسي، أن اليمن بمنظومته التأريخية قادرٌ على البقاء، في وقت يريدون له الفناءَ.. وأنه قادرٌ على حراك سياسي وفكري ومعرفي يصّدر منه الدروس والعبر، كما فعل في مواقفَ كثيرةٍ ما زال التأريخُ يحفظُها، ويرددها عبر أجيال لم تثنهم الدماءُ التي تسيل على أعتاب اليمن بسلاح “الشقيق” عن تسجيل مواقفهم التي توارثوها أباً عن جدٍ؛ للحفاظ على إرثهم السياسي والتأريخي والوطني.
ورغم عدم إتقان السعوديةِ لفن السباحة في اليمن، مضت في السباحة بعكس التيار؛ لتدفع ملياراتٍ لكلفة حرب مجنونة من أجل البحث عن انتصار وهمي على عدو “مفترض” سوقّته آلةُ الغرب الإعلامية “أميركا تحديداً” لبيع أسلحة صدئة بمليارات الدولارات ليقتل العربي عربي بمال عربي وإصبع عربي يضغط على زناد المدافع ليغسل بالدم العربي صدأ المدافع التي أصابها العطب في المستودعات الأمريكية. أوغلت قوات التحالف في حربها ضد اليمنيين المدنيين، وصار “قصف خيمة وبرميل صدئ” في الأراضي اليمنية يكلف التحالف ملايين الدولارات ليجيء خبر عبر وسائل إعلام تنطق باسم التحالف أنه تم تدمير موقع حوثي! والحقيقة غير ذلك تماماً، فما يحدُثُ لا يعدو عن كونه تسويقا إعلاميا استمر لنحو 4 سنوات باحثا عن النصر حتى وإن كان وهمياً لحفظ ماء الوجه.
من المعروف أن اليمن كان منذ اليوم الأول للحرب مستعدٌّ لوقفها، والسعي لتسوية سياسية في اليمن بعد أن مرت الحرب بتطورات ما يمكن تسميته بـ “الفرص المتاحة” إذا رغبت أمريكا ومن يحتمي بعباءتها، وجاء تأكيد وقف الحرب على غير لسان قيادي يمني مما يعني أنهم يتمتعون بجاهزية عالية لتفاهمات سياسية دون إراقة الدماء، وبنفس الجاهزية يمتلكون مقدرتهم على التصدي والتصعيد إذا لزم الأمر.
لكن؛ الحملة العسكرية التي قادتها الرياض في العام 2015 مضت باتجاه المغالطات وكان هدفُها التخلُّص من الحوثيين، مع إدراكهم المسبق أن هذا التوجُّهَ ممتلئٌ بالخطورة وأَيْضاً الاستحالة؛ لأَنَّ الحوثيين هم جزء أساسي من المكون الاجتماعي اليمني عبر التأريخ، ولم يشكل المسار الحوثي أي خطر لا على الشعب اليمني ولا على الجوار، ولا يشكل الحكم في اليمن حتى وإنْ كان فيه بصمة إيرانية خطورة تذكر.. ففي عهد رؤساء اليمن السابقين كان للحوثيين مشاركاتٌ سياسية ولهم بصمات ومناصب.. غير أن أتباعَ سياسة السعودية لنهج الموروث العربي الذي يقول “عنزة لو طارت” وإصرارها على المضي في حربها ضد اليمن زاد من ورطتها في كيفية الخلاص من هذه الورطة.
عموماً..، الحربُ على ما يبدو، شارفت على نهايتها دون أن تحقّق أيةَ نتيجة طمحت لها قوات التحالف، فالنصر لم يكن حليفا لأية دولة من دول التحالف، بل على العكس من سجل الانتصار هو اليمن وأقصد في ذلك انتصاره الأخلاقي على عدوان شنه “شقيق وجار”..
ولعلَّ ما حدث في الحديدة خلال الأيَّام القليلة الماضية، يقودنا إلى فرضية وقف الحرب قريبا، وما قدمته “أميركا” من إحداثيات لقوات التحالف في الحديدة أَيْضاً يقودنا إلى الفرضية ذاتها، ناهيك عن توقف الطيران الأمريكي بتزويد طائرات التحالف بالوقود جوا وهذا بطبيعة الحال يشير إلى ذات الفرضية.
ثمة ربط خفي بين فرضية وقف الحرب ومقتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول قبل نحو 40 يوماً، واعتقال الامراء في فندق الريتز، واعتقال ناشطين سعوديين ودعاة فكر وشيوخ دين لمجرد انهم “غرّدوا” عبر تويتر أَوْ على منصات التواصل منتقدين الاداء السياسي السعودي بشكل بعيد عن السباب والشتائم، وحمل انتقادهم ذائقة أدب الحوار والنقد المشروع الذي يعد ممنوع في السعودية.
والربط أعلاه، أدى بالنتيجة إلى بحث عن مخارج وإعادة الاستقرار إلى الصورة نسبيا، بعد أن اهتزت صورة الرياض محليا وعربيا وعالميا جراء هذه السياسات، بل وأصبحت عرضةً للنقد في كُـلّ المجالس محليا بشكل مغلق، وعربيا في مجالس مفتوحة وهذا ما لمسته من خلال عملي كصحفي أسجل انطباعات واستمع إلى حوارات في مجالس مغلقة ومفتوحة. وربما؛ يشكل عودة الأمير أحمد بن عبدالعزيز إلى الرياض من منفاه، بضمانات دولية، واحدة من مجموع توافقات ورغبات سعودية بالعودة إلى الحرس القديم ممن يمتلكون حكمة وحنكة الحكم، ووقف ما يمكن تسميته “بالسقوط الحر” من ارتفاعات شاهقة تعيشه الرياض منذ 3 سنوات.
لم تعد الأخبار مغلقة على دولة ما، بعد أن تحول العالم إلى قرية كونية، وامتلاك الافراد في كُـلّ دول العالم بما فيها دول عربية فقيرة لمقومات المنصات الاجتماعية التي صارت أسرع من فضائيات عربية تنفق الملايين من أجل أخبار غير مقنعة.. نعيش الفضاء المفتوح؛ ليس بمنّة من الحكومات العربية؛ ولا حكامها بقدر ما هو حق كوني أملته سياسات الانفتاح والعلم.. وصار المواطن العربي أيًّا كانت جغرافيته يميز بين الغث والسمين، وبين “الذباب الإلكتروني” وجيش “النحل الإلكتروني” الذي طالب بإقامته الراحل القتيل جمال خاشقجي لمواجهة “الذباب”.. فما يحدث في اليمن من جرائم وتنكيل وتجويع وتخريب بنى تحتية، لم يعد خافياً على أحد، حتى وإن حاول ببغاوات الإعلام الفاقدين لفحولتهم اللغوية تمرير نصر واهم!
* كاتب وصحفي أردني