استعادة صرواح: هجوم استباقي برسائلَ سياسية .. بقلم/ لقمان عبدالله2
استعادت قواتُ الجيش اليمني واللجان الشعبية، الأسبوع الماضي، قرابة 90 % من مديرية صرواح في محافظة مأرب، بما في ذلك معسكر كوفل، أي ما تعادل مساحته 34 كيلومتراً مربعاً. تطور يكتسب أهميّته من الميزات الاستراتيجية لمحافظة مأرب، المتمثلة في كونها تشكّل عقدةَ وصل بين العديد من المحافظات، وتمثّل معبراً هاماً إلى صنعاء، فضلاً عن احتوائها خزّان الغاز المنزلي الأساسي في اليمن، والذي تعود عائداته منذ بداية الحرب إلى خزينة الجناح «الإخواني» المحسوب على الرياض.
ضَافَ إلى ما تقدم، أن مأرب تُعدّ المعقلَ الرئيسَ لحزب «التجمع اليمني للإصلاح» (إخوان مسلمون)، ومنها يمارس دوره السياسي والأمني باسم «الشرعية»، وهي المقرّ الثاني لنائب الرئيس علي محسن الأحمر، الوكيل التأريخي المتبقي للسعوديّة من المنظومة الحاكمة سابقاً، والذي تعتمد عليه الرياض في عملية إحكام سيطرتها على المحافظة. وانطلاقاً من ذلك، تولي المملكة، المحافظة الواقعة شرق اليمن، والتي يمكن القول إنها تمثّل شعرة معاوية في علاقتها مع «إخوان اليمن»، عناية خَاصَّـة، حتى أن مأرب تكاد تكون المنطقة الوحيدة التي تقدم لها السعوديّة مساعدات حقيقية، وتشتغل على تطوير بنيتها التحتية، بخلاف المناطق الأخرى التي لا يتجاوز العمل الإغاثي فيها الجانب الدعائي.
وعلى خلاف الجبهات الأخرى، بقيت جبهات مأرب ونهم متوقفة منذ ما يقرب من سنة ونصف سنة، بفعل تفاهمات قبلية بين قبائل مأرب وقبائل صنعاء، وأخرى ميدانية بين قيادات من «أنصار الله» وقيادات من «الإصلاح»، الذي بات تيار واسع داخله على قناعة بأن الحرب لا يمكن أن تصبّ في مصلحة الحزب خصوصاً واليمن عموماً. وقد أفلحت تلك التفاهمات في إرساء نوع من الاستقرار والأمان في محافظة مأرب، وهو ما جاء الإنجاز الأخير للجيش واللجان في صرواح للتذكير به، والتنبيه إلى أن حالة الهدوء إنما يعود نفعها على جميع الأطراف، فيما ستنعكس خسارتها سلباً على الجميع أيضاً. وفي هذا السياق، وجّه القيادي في «أنصار الله»، محمد البخيتي، عقب السيطرة على صرواح، رسالة إلى قيادة «الإصلاح»، دعاها فيها إلى «الصلح والحوار وحقن الدماء ونبذ الفرقة وإصلاح ذات البين»، معتبراً أن «العدوَّ واحد»، وأن «استمرار الحرب بين الجانبين يسعد أعداءَ البلد».
من جهة أخرى، جاء تحَـرّك الجيش واللجان في صرواح بعد ما بدا أنه استعداد للانقلاب على التفاهمات الميدانية في جبهات شرق صنعاء، في أعقاب الزيارة التي قام بها رئيس الهيئة العليا لـ «الإصلاح» محمد اليدومي، والأمين العام للحزب عبدُالوهاب الآنسي، إلى الإمارات منتصف الشهر الماضي، والتي تعهّدا خلالها لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، بتفعيل جبهات مأرب ونهم. وعليه، مثّل الهجوم نوعاً من التحَـرّك الاستباقي، خصوصاً في ظلّ عمليات تحشيد كبيرة بدأها الطرف الآخر استعداداً لإعادة تفعيل جبهة نهم، بعد خسارة جبهة الساحل الغربي، والتي يُنتظر أن تتوقف فيها العمليات العسكرية بشكل كامل بموجب اتّفاقات السويد. وفي هذا الإطار، تفيد المعلومات بأنه في حال نجحت عملية وقف إطلاق النار وإعادة الانتشار في الحديدة، فإن «التحالف» سيعمل على نقل عشرات الآلاف من المقاتلين الجنوبيين (ألوية العمالقة) من الساحل إلى جبهتَي نهم ومأرب المتجاورتين. تكتيك منتظر وقوعه يستهدف الإبقاء على نار الحرب مشتعلة وإن بوتيرة منخفضة، حتى لا تفقد المنظومة السياسية والإعلامية المؤيدة لاستمرار الحرب تماسكها ومبرر وجودها، خصوصاً أن كثيرين من صفوفها بدأوا يعيدون حساباتهم، ويتواصلون علناً مع حكومة الإنقاذ للعودة إلى البلاد.
مع ذلك، يستبعد الخبراء أن تشكّلَ جبهات مأرب ونهم تهديداً لصنعاء من الجهة الشرقية؛ بسبب الميزات الجغرافية والميدانية وحتى القبلية للمنطقة، والتي تعطي الأفضلية لقوات حكومة الإنقاذ. والدليل على ذلك أن الهجوم على مديرية صرواح تم بشكل مكشوف وعلني من خلال أربعة مسارات جغرافية مختلفة، وحقق أهدافه في غضون ساعات قليلة من دون أن يتمكن سلاح جو «التحالف» من إيقافه. والجدير ذكره، هنا، أن المعركة الأولى في جبهة نهم، والتي انطلقت تحت شعار «قادمون يا صنعاء» واستمرت أكثر من سنة، وُصفت بـ «معركة التباب»، كتعبير عن التضاريس الصعبة والمعقدة فيها، وقد استطاع الجيش واللجان في خلالها هزم القوات الغازية، التي شكّل انهيارها صفعة مدوية للجانب السعوديّ، وانتكاسة للقوى المحلية مُمثَّلة في حزب «الإصلاح» بقيادة علي محسن الأحمر، الذي نُقل عنه في إطار شحن همم العسكريين للقتال أنه في حال «لم ندخل صنعاء من نهم، فمصيرنا الموت في المنافي».
* نقلاً عن جريدة الاخبار