في تحقيق صحفي لصحيفة المسيرة عن انتشار الكلاب الشاردة والإصابة بداء الكلب:الانتشار الواسع للكلاب خطر يهدّد حياة سكان العاصمة
المسيرة: منصور البكالي – أيمن قائد
تكاثرت الكلابُ الشاردةُ في شوارع وأحياء العاصمة صنعاءَ وعددٍ من المدن اليمنية وأريافها في الفترة الأخيرة، فشكّلت خطراً آخرَ إلى جانب الأوبئة، الكلاب تقتل المواطنين وتشن عليهم هجمات شرسة وتصيبهم بالجروح الخطيرة التي يتعصى دواؤها.
وفي ظل غياب الدور الرسمي لحماية المواطنين والدفاع عنهم، في الوقت الذي لا تتوفر فيه الأمصال الخاصة بعلاج داء الكَلب في كُلٍّ من المستشفيات الحكومية والخاصة؛ بسببِ العدوان والحصار وإن توفر فسعر جرعاته باهظ الثمن، إضافةً إلى عدم وجود السموم الخاصة بقتل الكلاب وغياب الاستراتيجيات والبحوث عن طرق بديلة للتخلص منها.
وبحسب الإحصائيات منذ مطلع العام 2018 فإن عدد الإصابات بمرض داء الكلب تجاوزت 3970 حالة منها 15 حالة وفاة أغلبها من الأطفال، الذين تعرضوا لعضات قريبة من المخ أَو حال الفقر وحصار العدوان دون حصولهم على الجرعات والأمصال في المشافي والصيدليات التي يبلغ سعر الجرعة فيها أكثر من 52 دولاراً، أي أن قيمة الجرعة الواحدة تتجاوز 30 ألف ريال ويحتاج المصاب إلى عددٍ من الجرعات.
مخاطر انتشار الكلاب الشاردة على أمن المواطنين
شكّلت مشكلةُ انتشار الكلاب الشاردة حالةً من الرعب والخوف، وأصبح المواطنون غيرَ آمنين على أبنائهم للذهاب إلى المدارس والجامعات، وبات الخروج في الليل نوعاً من المجازفة والمغامرات لدى الناس وخاصةً الأسر الفقيرة التي لا تملك وسائلَ مواصلات من أحواش منازلها، وبات لعب الأطفال في الحدائق والشوارع محفوفاً بالمخاطر، وتحول إرسال أحد أطفال الأُسرة إلى صاحب البقالة بجوار المنزل مشكلة تحتاج لها تأمينا ًواستطلاعاً مسبقاً، وصار نوم الكثير من الأطفال مليئا بالصراخ والخوف كلما سمع أحدهم صوت الكلاب التي تملأ الشوارع، وبات السكان في صنعاء وغيرها من المحافظات يخشون الخروج ليلاً بعدما تزايدت حالات الإصابة، ما يثير الرعب من احتمال انتشار المرض إلى جانب أمراض أخرى.
قصة الطفلة “إيناس” التي أزهقت روحَها الكلابُ الشاردة
ومن أحد هؤلاء الطفلة إيناس التي تبلغ الـخامسة من عمرها، توفيت؛ بسببِ عضة كلب، تقول أم ايناس بأن بنتها خرجت إلى الشارع فباشرها أحد الكلاب بعضة في ساقها مما تسبب بالوفاة بعد محاولات العلاج.
إيناس توفيت منذ أسبوعين ولا تزال الجهات الرسمية تغط في سباتها العميق، فيما صندوقُ النظافة يتعذّر بعدم توفر السموم الخاصة بقتل الكلاب وأن هذا السم حكرٌ على تاجر وحيد في الجمهورية اليمنية ولا تزال إجراءات البحث عن بدائلَ جارية دون جدوى لإنقاذ أرواح أطفالنا من شبح الموت؛ بسببِ التقصير أَو الإصابة بداء الكلب الخطير على الجهاز النفسي والعصبي للمصاب.
دورُ أمانة العاصمة وصندوق النظافة في المشكلة
إيناس تفتقدُها أسرتها وصديقاتها وأصدقاؤها الأطفال، ولكن أمانة العاصمة لا يهمها وفاة إيناس أَو غيرها من أطفال شعبنا بقدر ما يهمها استمرار تحصيل الإيرادات والحصول على الرواتب وصرف العلاوات والمكافآت.
أمانة العاصمة ومسئولُ صندوق النظافة وإدارة المكافحة والرش فيها لا تعنيهم إيناس من قريب ولا من بعيد، بل إن محاولات تبرير فشلهم بالعدوان والحصار هو كل ما يقدرون عليه بعد صعوبات في التواصل بهم.
إيناس وأكثر من 16 حالة وفاة وحوالي 4 ألف حالة إصابة بعضة الكلب ودائه خلال هذا العام لن يتوقف الحد عندهم، بل سيواصل ويستمر لحصاد الأرواح ونشر الأمراض في أجساد أبناء شعبنا إذَا ما بقيت الجهات المختصة في وظائفها دون عقاب ومحاسبة ومراقبة، وعدد الحالات التي تصل إلى مركز داء الكلب من 30 إلى 50 حالة يومياً، بحسب تصريح لمسئول داء الكلب في المستشفى الجمهوري الدكتور عبده غراب.
طالبةٌ في جامعة صنعاء ضحية أخرى داخل الحرم الجامعي
إيناس ليست آخر ضحايا اعتداءات الكلاب الشاردة التي تخلّف وراءها أضراراً نفسية وصحية، ولكن الطالبةَ في جامعة صنعاء شيماء القاعدي، الذي أصيبت هي الأخرى بعضة كلب داخل حرم جامعة صنعاء في كلية اللغات خلال ذهابها للدراسة.
وتقول أم شيماء بأنها تشعر بالخوف على بنتها لو تصاب بمرض داء الكلب وأعراضه الخبيثة، شاكية غلاء سعر الجرعات العلاجية وشُحّة الظروف المالية التي لم تمكنها من شراء كامل الجرعات، وتضيف أم شيماء “شعرت بالخوف أكثر على ابنتي عندما سمعت عن ارتفاع حالات الوفاة نتيجة عضة كلب وإهمال الأسر للعلاج فأخذت بنتي اليوم وهو اليوم الثاني من الإصابة إلى مستشفى الجمهوري مباشرة”.
وأضافت أم شيماء “ينتشر في منطقتنا كثيرٌ من الكلاب الشاردة التي باتت تشكل خطراً على الكبار والصغار على حدّ سواء. سبق أن تعرض ثلاثة أطفال في الحي لهجوم من الكلاب الشاردة، وأحدهم ما زال يعاني من تشوّه في الوجه ويتلقى العلاج”. وتناشد الجهات المعنية بالمبادرة إلى “حملة للتعامل مع الكلاب الشاردة بعدما أصبح الخروج من المنزل أَو العودة إليه ليلاً مغامرة محفوفة بالمخاطر”، بحسب قولها.
لن تتوقف المشكلة عند هؤلاء بل إن هناك العشرات من الضحايا الذين لم ننشر قصصهم في هذا التقرير ولكن يظل الأطفال أكثرَ عرضةً لمخاطر انتشار الكلاب والإصابة بداء الكلب.
الأطفال أكثر عرضة للإصابة بداء الكلب
يقول الدكتور عبده غراب -مسؤول داء الكلب في مستشفى الجمهوري-: إن أكثر الفئات التي تتعرض لعضات الكلاب الشاردة هي فئة الأطفال من سن 5 سنوات إلى 15 سنة، ناصحاً كل المواطنين الذين تعرضوا لعضةٍ من الكلاب أن يغسلَ مكان العضة أول يوم بالماء والصابون، ويترك مكان العضة مكشوفاً، ولا يخيط ويتجه إلى أقرب مركز لمكافحة داء الكلب لاتخاذ الإجراء اللازم، ويكون الماء جارياً وتضمن هذه الطريقة 50 إلى 60 % للمعالجة.
ارتفاع أسعار اللقاح وقلة توفره يقلل فرص شفاء المصابين
في ظل العدوان والحصار وانقطاع الراتب وانهيار قيمة العُملة الوطنية وضعف الدور الرسمي ودور منظمة الصحة العالمية في إدخال اللقاحات، يُترك المصابون بداء الكلب من أبناء شعبنا اليمني يصارعون المرض ويقلل فرص الشفاء.
حيث أفادت والدة أحد المصابين خلال لقاء الصحيفة بها في المستشفى الجمهوري بأن تكاليف العلاجات والمحاليل الخاصة بمكافحة داء الكلب باهظة الثمن، وأن المصابين لا يستطيعون أن يتعاطوا الجرعات كاملة وبانتظام من أجل مكافحة المرض، الأمر الذي يتسبب في تأخير الشفاء باستخدام المعقمات والمطهرات وغيرها من طرق العلاج.
المحافظاتُ الأكثر انتشاراً للكلاب
تشير تقارير سابقة حصلت عليها صحيفة المسيرة إلى أن محافظات ذمار والمحويت وأمانة العاصمة تتصدر قائمة المحافظات اليمنية الأكثر انتشاراً للكلاب الشاردة والمرض الذي تتسبب به.
وبحسب التقارير فإن الإصاباتِ بداء الكلب تتكاثر في صفوف الأطفال والمواطنين في الآونة الأخيرة.
مخاطر داء الكلب مستمرة
داءُ الكلب المعروفُ بالسُّعار مخاطرُه لا تزالُ عاليةً في مختلف المحافظات اليمنية، مع غياب الدور الرسمي وغياب دور منظمة الصحة العالمية التي ارست استراتيجية للقضاء على داء الكلب بحلول عام 2030، في شعوب العالم تبدو احتمالات الفشل في الجمهورية اليمنية عنوانها البارز، حيث لم نلمس لها دوراً في توفير اللقاحات لداء الكلب منذ بداية العدوان، وقلة إنتاجه عالمياً حسب تقارير، ما يعني عدم توفره لأغلبية المعرضين لعضات الكلاب، كما أن سعر اللقاح يقارب 40 دولاراً أميركياً، فيستحيل على الفقراء شراؤه.
ما هو داء الكلب؟
تعرّف منظمة الصحة العالمية داء الكلب بأنه مرضٌ فيروسي، وواحدٌ من الأمراض الاستوائية المهملة التي تؤثر، في الغالب، في السكان الفقراء والضعفاء، وخصوصاً الذين يعيشون في المناطق الريفية النائية. كما إنه من أقدم وأخطر الأمراض التي يعرفها الإنْسَان، إذ يعود تأريخُ السجلات المكتوبة والمصورة لمرض داء الكلب إلى أكثر من 4000 عام.
وينتقل إلى الناس من خلال العضات أَو الخدوش، في حالات نادرة، يمكن انتقالُه عند دخول لعاب الحيوان المصاب إلى جرح مفتوح أَو الأغشية المخاطية، مثل الفم أَو العينين. وهو مرضٌ مُعدٍ ينتقل للحيوانات والبشر وله أعراض دالة عليه. لكن في حال ظهور الأعراض على الإنْسَان فهذا يعني أن احتمالات الشفاء تصبح قليلة جداً، وخطر الموت يكون مرجحاً.
أما الحيوانات التي يحتمل أن تنقل داء الكلب فهي الكلاب المسعورة على الأغلب في البلدان الفقيرة في جنوب شرقي آسيا وأفريقيا. وفي الولايات المتحدة يمكن للخفافيش، والذئاب، والثعالب، وحيوانات الراكون والضربان أن تكون مصابة بالفيروس وتنقله إلى البشر، أَو غيرها من الحيوانات، وفق موقع “مايو كلينيك”.
أعراض داء الكلب
كما يؤكد الدكتور عبده غراب، مسؤول داء الكلب في مستشفى الجمهوري، في تصريحاته لصحيفة المسيرة أنّ داء الكلب باعتباره التهاباً فيروسياً دماغياً حاداً يشكل خطورة كبيرة على الأهالي؛ لأَنَّ معدل الوفاة فيه مرتفع إلى أقصى حدّ إذَا لم تتخذ الإجراءات الطبية في الوقت المناسب، ويقول: إنّ الأعراض الأولى لداء الكلب تتشابه مع أعراض الأنفلونزا، وتستمر لأيام، تشمل الحمى والصداع والتعب العام، الغثيان، القيء، القلق، الارتباك، فرط النشاط، صعوبة في البلع، الخوف من الماء، الهلوسة، الأرق، الشلل الجزئي. يشعر المريض بالحمى والصداع وبالوخز في مكان الجرح. ويمكن للضحايا أن يصبحوا عدوانيين، وتظهر عندهم الهلوساتُ ويعانون خوفًا ملحوظًا من الماء. وَإذَا لم تؤخذ الأمصال فإنّ المرض يتطور ويؤدي إلى موت محقق.
وأشار غراب على أن النجاحَ في محاربة داء الكلب لا يتوقف عند العلاج وحدَه، وإنما يعززه تطويرُ برامج تتعلق ببناء القدرات المحلية، وبث المعرفة عن المرض بين أوساط الناس والأطفال منهم، وتطوير آليات المراقبة.
مضاعفات الإصابة بداء الكلب
وأشار الدكتور غراب في تصريحاته للصحيفة إلى أن داءَ الكلب يسبّب تشنجات عضلية مؤلمة في الحلق والحنجرة، وقد يكون مميتاً جراء انسداد المسالك التنفسية. كما يصيب بالنوبات والشلل، وطريقة انتقال فيروس داء الكلب، ومساره في الجسم حتى وصوله إلى دماغ الشخص المصاب.
الوقايةُ من داء الكلب
كما لفت الدكتور غراب إلى أن أولى خطوات الوقاية في حال التعرُّض لعضة كلب يشتبه بأنه حامل فيروس الكلب، تكون بغسل الجرح فوراً وبعناية شديدة بالصابون والماء؛ لأَنَّها خطوة يمكن أن تنقذ الأرواح، والخطوة الثانية بإعطاء اللقاح فور حصول العضة.
وتجمعُ الجهاتُ الصحية المعنية بأن إعطاء الحيوانات، لا سيما الكلاب الشاردة، اللقاحَ المطلوبَ هو الحل الأفضل وليس قتلهم للقضاء على داء الكلب. واعتبرت أن من واجب الحكومات والسلطات المحلية أن تتابعَ أحوال الكلاب في الشوارع وتلقحها، وتدمغها بعلامة تشيرُ إلى تلقيها الطعم، إضافةً إلى تعقيمها للتخفيف من توالدها وتكاثرها في المناطق السكنية والضواحي المليئة بالنفايات والمواد الملقاة في العراء والتي تجذب تلك الحيوانات إليها.
وفاة شاب بسببِ عضة كلب على الرغم من علاجه المستمر داخل وخارج البلد
المسيرة: خاص
صحيفة المسيرة أجرت حواراً مع أسرة الضحية محمد الحوتي شاب متزوج، تعرض لعضه كلب عندما كان في طريقه ماشياً هاجمه الكلب المسعور مما أدى إلى تدهور حالته الصحية لانتشار لعاب الكلب القاتل في أنحاء جسمه ولم يستطِع الأطباء إنقاذه وتمكن أهله من تسفيره إلى الخارج للعلاج لكن دون جدوى ازدادت حالته سوءاً أكثرَ فأكثرَ حتى فارق الحياة.
فهناك العديد من الأشخاص الذين فارقوا الحياة، ولا سيما بين شريحة الأطفال؛ نتيجة لتلك الكلاب المسعورة المنتشرة في أرجاء الأحياء والحارات بل والمدن والقرى.
وعند قيام صحيفة المسيرة بالنزول إلى أحد مستشفيات العاصمة وإلى مركز الداء الكلبي وجدت العديد من الحالات في أماكن مختلفة للإصابة ومعظمهم أطفال، مما يدلل على أن انتشار الكلاب يشكل خطورة بالغة جداً على الطفل والمرأة.