هل فشل الإدارات الأمريكية في حروبها في الشرق الأوسط؟ بقلم/ أحمد عبد الباسط الرجوب*
البدايةُ التحوُّلُ المفاجئ للاستراتيجية الأميركية حيث أعلن البيتُ الأبيضُ بدءَ عملية سحب القوات الأميركية المتمركزة في سوريا، فيما أعلن مسؤول أميركي إجلاء كل موظفي وزارة الخارجية الأميركية من سوريا خلال ساعات.. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أعلن رسمياً في ساعة مبكرة من صباح الخميس (مساء الأربعاء 19 ديسمبر 2018 بتوقيت الولايات المتحدة الأمريكية) انسحاب قوات بلاده من سوريا.. رسالة ترامب التي بثها بالفيديو عبر حسابه بموقع ”تويتر”، حيث قال: ”بعد الانتصارات التأريخية ضد داعش، حان الوقت لإعادة شبابنا العظماء إلى الوطن“.. وتابع من جهته ترامب: ”لقد انتصرنا.. لذا فإن أبناءنا، شبابنا من النساء والرجال سيعودون جميعا، وسيعودون الآن”.. قرار وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) ينص على الانسحاب الكامل الذي يشمل نحو ألفي جندي، بأسرع وقت ممكن..
لقد حذّر وزيرُ الدفاع الأمريكي جيم ماتيس من انسحاب متسرع من سوريا وللتذكير فقد صرح ماتيس في يونيو/حزيران 2018 الماضي “يتعين أن نتجنب ترك فراغ في سوريا يمكن ان يستغله نظام الاسد أو من يدعمه”… وفي هذا السياق لبقاء الوجود الأمريكي في سوريا وهو ما أكد عليه ”بريت ماكغورك” مبعوث الولايات المتحدة للتحالف الدولي ضد الجهاديين وقبل اسبوع من هذا الانسحاب المفاجئ حيث قال “بأن الأمريكيين سيبقون لبعض الوقت في سوريا “.. لكن المفارقة على تداعيات قرار ترامب بأن أعلن وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس استقالته من منصبه في نهاية شهر شباط / فبراير 2019، وذلك بعد يوم واحد على قرار الرئيس الأمريكي سحب قواته من سوريا، الأمر الذي يعتبره ماتيس “خطأ فادحاً”..
لا يخفى على المتابعين للتصريحات الصادرة عن الإدارات الأمريكية حول الوجود الأمريكي في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط بأنه قد كان حاضراً ومطروحا للتداول في دوائر صنع القرار الأميركي وعلى طاولة المكتب البيضاوي في البيت منذ مجيئ الرئيس أوباما وقراره في عام 2010 الانسحاب من العراق بحلول العام 2011 وكذلك تحديد موعد الانسحاب من أفغانستان في 2013 الذي جرى تمديده مرتين لعام 2016 ثم لنهاية العام 2018، وفي رأينا ما أقدم عليه الرئيس ترامب ” وان كان في غير اتجاه رياح وزير دفاعة ” املته عليه ظروف المنطقة وفشل الأمريكيين المتتالي في حروبهم في الشرق الأوسط من أفغانستان والى سوريا مروراً بالعراق ولا يغيب عن البال دعمها للتحالفِ الذي تفودهُ السعودية على اليمن في عامها الثالث وبدون اية بوادر للنجاح، الأمر الذي أصبح عليه التواجد الأمريكي في الشرق الأوسط هو عبثي بالمقام الاول وإن كانت السياسة الأمريكية للستين عاماً الماضية وهدفها الاول المحافظة على دولة الكيان الصهيوني وتوفير أسباب ووسائل الردع بيدها على محيطها العربي..
ويأتي إعلان الانسحاب العسكري الأمريكي من سوريا، بالتزامن مع وصف وزارة الخارجية الروسية الوجود الأميركي في سوريا بـ «غير الشرعي»، واعتبرت إنه عائق خطير في طريق تسوية الأزمة السورية معتبرة أن قرار سحب القوات الأميركية من سوريا يخلق فرصا للتسوية السياسية.. وبعد التحول الأمريكي والانسحاب المفاجئ، فقد رحبت روسيا من جهتها بهذا القرار، والذي أعلنت عنه وزارة الخارجية الروسية بأن القرار سوف يساعد على التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة في سوريا،..
وفي مجمل تداعيات الانسحاب الأمريكي على الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة فإن الظاهر للعيان بأن دولة الكيان الصهيوني هي التي باتت في وضع صعب ان جاز التعبير، بأن الانسحاب الأمريكي من سوريا سيكون له مشاكل كثيرة عليها، إذ ستصبح في مواجهة مباشرة مع كل من إيران وحزب الله اللبناني في سوريا وأن الجبهة الشمالية لإسرائيل باتت تواجه مباشرة كل من إيران و”حزب الله”، وعليه سيكون الكيان الصهيوني في وضع عسكري جديد في الجبهة الشمالية لها وأن إسرائيل ستواجه عمليه عسكرية قريباً إذا ما صحت التحليلات حول تنشيط وتسخين جبه الجولان في الأجل القريب لتحريك جبهة الجولان والتي لم تحركها زخات الرصاص على مدى الأربعين عاماً المنصرمة..
وفي تشخيصنا لحدث الانسحاب الأمريكي من سوريا وفي قراءة متأنية للوضع الإقليمي والعالمي نستطيع ان نصل إلى حيثيات ومفادات يمكن التكهن حولها للتداعيات والأسباب التي قصمت ”ظهر بعير” ترامب واسرع في التغريد عبر تويتر للانسحاب المفاجئ من سوريا ونشرح ونقول الأسباب:
انتشار الجيش السوري على مساحة 80 % من الأراضي السورية والمدعوم من القوى الحليفة والمساندة له (روسيا وإيران وحزب الله)، بحيث جعل من المراهنة الأمريكية على استمرار الحرب في سوريا رهانا خاسرا وفي ظل التواجد الروسي الداعم لاستقرار الرئيس بشار الأسد.
تحول موقف الولايات المتحدة الأمريكية من الحرب على اليمن ومطالبتها بوقف الغارات التي يشنها التحالف العربي الذي تقوده الرياض في اليمن وهو ما يمثل شكلاً من الاعتراف بفشل الحملة التي أدت إلى أزمة إنسانية كارثية، وتساعد وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) القوات السعودية والإماراتية عبر تزويد مقاتلاتهما بالوقود في الجو..
فشل مشروع (ترامب – كوشنير) المتعلق بصفقة القرن وصعوبة الوضع السعودي الذي تأثر بانشغاله بترميم تداعيات قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي ومواجهة الارتدادات السياسية الدولية الغاضبة تجاه السعودية وهو ما اضعف الدور السعودي في خلق الغلاف العربي الذي ستحتاجه والشريك الفلسطيني لتسويق وتنفيذ هذه الصفقة، كما ويضاف إلى ذلك صمود السلطة الفلسطينية في رام الله واعتماد الكفاح المسلح وسيلة للتحرير هو القضاء التام على أوهام صفقة قرن ولأنه لا يستطيع تنفيذها بشكل عملي بفضل صمود المقاومة
فشل الولايات المتحدة بالوصول إلى تسوية مع الجانب الروسي لخروج الحرس الثوري الإيراني وكتائب حزب الله من سوريا، وذلك حرصا من الجانب الأمريكي على دولة الكيان الصهيوني لإيجاد تسوية مقابل الانسحاب الأميركي والانسحاب الإيراني من سوريا، وهو ما يعني المواجهة الحتمية مع روسيا وإيران إذا قررت الولايات المتحدة البقاء عسكريا في سوريا!..
عدم قدرة الولايات المتحدة على السير في مشروع الانفصال الكردي من خلال دعمها لقوات سوريا الديمقراطية «قسد»؛ لأن في ذلك اغضاب لتركيا حليفتها في الناتو، وهو نفس الإخفاق الذي منيت به الولايات المتحدة عند مشروع الاستفتاء على انفصال كردستان العراق في 25 سبتمبر/أيلول 2017 حيث جرت عملية الاستفتاء والتي شملت محافظات إقليم كردستان الثلاث: أربيل، والسليمانية، ودهوك، إلى جانب مناطق متنازع عليها مع بغداد..
الرد الباكستاني الفوري على استراتيجية ترامب الجديدة في أفغانستان حيث أن باكستان في طريقها لتشكيل جبهة موحدة مع تركيا والصين وروسيا ردا على استراتيجية الرئيس الأمريكي في أفغانستان (باكستان انتقدت أكبر حليف لها في السابق لعدم اعترافها بتضحيات باكستان في الحرب ضد الإرهاب التي أسفرت عن مصرع حوالى 22 ألف من المدنيين الباكستانيين وما يزيد عن 6800 جندي باكستاني، وتسببت في خسائر اقتصادية هائلة بلغت 118 بليون دولار )..
إدراك الإدَارَة الأمريكية بأن عليها تحصين وتدعيم موقفها لدى الاتحاد الاوروبي واعادة ترتيب اوراق ملفاتها معهم.. بدا واضحاً محاولات أوروبا العديدة للسعي نحو الاستقلالية في مواقفها عن الولايات المتحدة، وهو ما تجسد في عدد من الملفات، على رأسها الحرب الأمريكية ضد العراق، والاتفاق النووي الإيراني، والأزمة الخليجية الأخيرة وحصار دولة قطر والذي يناقض في جزء منه الموقف الأمريكي وغير بعيد عن ذلك توتر العلاقات بين الطرفين في الفترة الأخيرة جراء التصريحات المسيئة الصادرة عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد قادة وزعماء القارة وبعض تكتلاتها…
* باحث ومخطط استراتيجي
نقلاً عن رأي اليوم